أ . عالية فريد >> حديث الشهر


الحسين رمز الإصلاح

28 فبراير 2004 - أ . عالية فريد

مع إطلالة كل عام هجري يستعد المسلمون في شتى أنحاء العالم لإحياء الشعائر الدينية بإقامة ذكرى سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) و إحياء مبادئ ثورته العظيمة ، و تجديد العهد والولاء بالسيرعلى نهجه وفكره و خطاه في الحفاظ على رسالة الإسلام وأهدافه المقدسة ، والإستفادة من واقعة كربلاء عبر إستخلاص أروع الدروس والعبر .

الحسين شمعة ودمعة ، عبرة وعبرة ، نبراسا الهدى و مصباح الدجى مشعلا ينيرالدرب للثائرين والمظلومين والمحرومين ..
الحسين هو الرمز والقدوة منه بداية الإنطلاقة للحياة الكريمة و الأبية ، فهو النموذج الحق للإنسان الصادق مع ربه وأهدافه وقضيته عبر ماجسده في ثورته التي أراد أن يحرك بها الضمائر ويوقظ بها العقول من سبات عميق في وحل ظلام هالك طمست فيه بنو أمية معالم الدين ، ليعيد صياغة المجتمع من جديد ، ويبني كيان الإنسان الواعي ويحرره من آثار الظلم والتبعية ويوقولبه بقالب الحق الذي لايلين .
فنداءاته ومواقفة (ع) يوم كربلاء لازالت تستنهض الأمة، وتستثير هممها ، و تبعث فيها روح الإيمان بالعدل و الحق و والحرية ، وتخاطب وجدان كل حي لتقول له لا للجوروالظلم .. لا للفساد في الأرض .. لا للطغيان والشر ..لا للتسلط على الرقاب ، فقد ولدتم أيها الناس أحرارا فكيف تسمحون لاأنفسكم أن تكونوا عبيدا لغيركم وهو القائل ” على الإسلام السلام ، إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد ” والتاريخ يعرف جيدا من هو الحسين ومن هو يزيد .
إن الحسين عند شيعته والعارفين بأهدافه ومقاصده ليس إسما لشخص فحسب ، وإنما هو رمزا عميق الدلالة في البطولة والإنسانية ، وعنوانا للدين والشريعة ورمزا للعدالة والكرامة ، والإخلاص والشرف ، و الرفعة والفضيلة . كما أن يزيد رمزا للفساد والظلم ، والتهتك والرذيلة ، وإنتهاك الحقوق والفجور والخيانة . فكيف له (ع) أن يبايع طاغية مثله ، وكيف له أن يسلّم أمور الأمة وزمامها لرجل يجهل تطبيق شرع الله وحكمه ، بل كيف يتولى أمور المسلمين ويقررمصيرهم ويتحكم في إدارة شئوونهم وهوإما مخمورا يراقص القرود أوغارقا في سحرالهوى والمجون ، وكان لابد للحسين (ع ) أن ينهض ليحمي أمة جده رسول الله( ص) ويحافظ على بيضة الإسلام ، لأنه يعلم بعدم أهلية يزيد لهذا المنصب الكبير وإنها كانت بغير رضا من عامة الناس ، وإن أباه معاوية مهدها له بالمال والخداع والقوة والمكر ، وكان يعلم علم اليقين بأنه لو تولى يزيد الخلافة لما بقي لشريعة جده محمد (ص) من هيبة ولا أثر في النفوس ولاإنمحت كافة القوانين العادلة .
كان لابد من صحوة تهز أركان الامة وتوقظ أعماقها من الجذور ، فلو لم يقم الحسين بثورته لكانت معضلة كبيرة في كيفية التعامل مع الحاكم الجائر وفي طريقة تفاعل المسلمون معه ، هل عليهم السمع والطاعة والتبعية العمياء حتى لوكان مجاهرا بالفسق ؟ أم ينهضون ويقاومون من أجل حياة حرة آمنة ! فكان ماكان ظهيرة يوم العاشر من المحرم سنة 61هـ ، حيث بذل كل غال ونفيس من ماله ونفسه وأهله وصحبه ليحيا حياة كريمة وليبقى دين محمدا خالدا مستقيما. وقدعبر (ع) عن مجمل حركته بقوله ” اللهم إنك تعلم أنه لم يكن ماكان منا تنازعا في سلطان ولا إلتماسا لشئ من فضول الحطام ولكن لنرد المعالم من دينك ، وتقام المعطلة من حدودك فيأمن المظلومون في بلادك ” وإنه لم يكن إلا ثائرا آثر العز والشهادة على الذل والحياة الذميمة فقال ” فليرغب المؤمن في لقاء الله محقا فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما ” وأقسم أنه لايعطي بيده إعطاء الذليل ولا يفر فرار العبيد .
إن ثورة الحسين هي شهادة الدم التي سجلت كل قطرة نزفت من رهط الحسين وأنصاره إنتصارا على السلاح ، و إنتصاراعلى السيف ، وبقيت شهادة حية حاضرة للتاريخ على التاريخ ..
ثورة الحسين علمتنا الكثير وتعلمنا من الحسين ماهو أكثر.. فهاهو زعيم الهند السابق “غاندي” يسجل في مذكراته قائلا : ” تعلمت من الحسين درسا لن أنساه كيف أكون مظلوما فأنتصر ” ..
وإنناعندما نستحضرالحسين في كل مواقفه ومروءته ونبله وسمو أخلاقه فإننا نتعلم الكثيرا لكثير ، نتعلم كيف نعيش وكيف ينبغي أن نعيش ، كيف نفكر، كيف نبني و نعمل على إصلاح واقعنا من الداخل ، تعلمنا كيف نكون دعاة للحق والأمر بالمعروف نقضي على الفساد والجهل ونحارب الباطل ونرفض كل مظاهرالمنكرو الإنحراف والظلم ، تعلمنا معنى الثبات على المبدأ وتحمل المسؤولية والموقف ، تعلمنا متى نقول للظلم لا ومتى نقف في وجه الظالم لنوقف عنفه وجبروته.
وتعلمنا من أصحابه أيضا المواقف الكبيرة في الصمود والتحدي ، وفي التضحية والعطاء ، وفي الحرية بمعنى أن يكون الإنسان حرا يرفض المساومة والتفاوض في ما يحمل من أهداف سامية وقيم نبيلة يجب أن يدافع عنها حتى لو كلفه ذلك حياته ، مهما تعرض للأذى وأيا كان نوعه جسديا أو معنوي فما يزيده ذلك إلا قوة وصلابة وإيمانا وشموخا ، عجبي كيف لا يكون الأصحاب عظماء ومعلمهم وقائدهم الحسين بن علي بن أبي طالب !! فهو بكل مالاقى من قتل أصحابه وأهل بيته وذبح رضيعه فوق كفيه لم يزده ذلك إلا علوا وتجلدا رافعا كفيه نحو السماء قائلا ” اللهم إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى ” .
يقول الإستاذ العقاد في كتابه ” أبو الشهداء” : يظل الحسين على حضور ذهنه ، وثبات جأشه في تلك المحنة المتراكمة التي تعصف بالصبر ، وتطيش بالألباب ، وهو جهد عظيم لاتحتويه طاقة اللحم والدم فإنه رضي الله عنه كان يقاسي جهد العطش والجوع والسهر ونزف الجراح ومتابعة القتال ، ويلقي باله إلى حركات القوم ومكائدهم ويدبر لرهطه ما يحبطون به تلك الحركات ويتقون به تلك المكائد ، ثم يحمل بلاؤه وبلائهم ويتكاثر عليه وقر الأسى لحظة بعد لحظة ، كلما فجع بشهيد من شهدائهم ولايزال كلما أصيب عزيز حمله إلى جانب إخوانه ، وفيهم رمق ينازعهم وينازعونه وينسون في حشرجة الصدور مافيهم ، فيطلبون الماء ويحز طلبهم في قلبه كلما أعياه الجواب ، ويرجع إلى ذخيرة بأسه فيستمد من هذه الآلام الكاوية عزما يناهض به الموت ويعرض به عن الحياة ، ويقول في أثر كل صريع ( لاخيرفي العيش بعدك ) ..

 

إن مأساة كربلاء يوم العاشر ، وماحملته من ألم وشجون، وماداهم الحسين من أهوال ومصائب ، إنما يعبر ذلك عن عظمة المبدأ الذي كان يحمله في رفضه للظلم و لسياسة الإستبداد والسيطرة وفرض شرعية الأمر الواقع والمنحرف البعيد عن مضمون الإسلام ، والتي أراد يزيد من خلالها أن يلزم الحسين (ع) بالمبايعة لكنه (ع) أبى ورفض الإستسلام والخنوع ، بالرغم من المحاولات التي واجهها في سبيل أن يتراجع أو يضعف عن المواجهة لكنه لم يأبه بذلك ولم ينثني ، فبينما كان يعد العدة للخروج إلى العراق حاول بعض الصحابة صرفه عن الإستجابة لأهل الكوفة ، فأشار عليه ابن عباس با لشخوص إلى اليمن لمحاربة يزيد ، ودعاه محمد بن الحنفية وعبدالله بن الزبير إلى البقاء في مكة ، وعرض عليه عبدالله بن عمر ترك الجهاد والدخول في بيعة يزيد بن معاوية ، لكن الإمام الحسين (ع) واجه كل هذه الدعوات بالرفض وإختار طريق الله طريق العزة والكرامة متمثلا بقوله ” ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين إثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة “..
وهانحن اليوم نلحظ واقع أمتنا المريض وما آلت إليه ، فأعاصير الفتن والمحن تلفها ، ضعف وفرقة ، نزاعات وخلافات وتحديات تحوطها ، وهاهي االصهيونية الإسرائيلية اليوم تفرض نفسها بقبضة من حديد على خارطة العالم وتطلب من جميع الدول والأنظمة العربية أن تقر لها بالشرعية الدولية لتمد نفوذها وتبسط سيطرتها وإستبدادها كالأخطبوط في جسد الأمة بمباركة ومساندة الأم الكبرى صاحبة السيادة أمريكا ، فيصافحها من يصافح ويعانقها من يعانق برغم ما إرتكبته من مجازرو مذابح وآلام وإنتهاكات وتدمير وتخريب وسرقة وتشريد بحق الشعب المسلم في فلسطين ، إلا أننا ومع ذلك نستقبلها بكل رحابة صدر دون أن يحرك ذلك فينا ساكنا ، ويبقى موقفنا المنهزم والأمسؤول ، مهمتنا أن نتفرج فقط على مايجري في مسرح الجريمة حتى آهاتنا مسجونة بين حنايانا وفي صدورنا ، آه وألف آه ، فإلى متى ؟ وإلى أين نريد أن نصل بهذه الأمة ؟ وكيف سنقود مسارها من جديد ؟
لذلك الإمام الحسين (ع) لم يكن تحركه مريبا أو مخططا له خلف الكواليس ، ولم يكن دافعه ماديا أومصلحي ، بل كانت أهدافه واضحة وتحركه معلن حول دوافع نهضته وخروجه لإنقاذ الأمة ، فلا زالت صرخته مدوية في ضميرها تعج بها أصداء الزمان والمكان ، وهوالقائل في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية عند خروجه ” إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله (ص ) فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين “.
نعم ثورةالحسين من أجل الإصلاح والتغيير إصلاح الواقع الفاسد من الإنحراف السياسي والفكري والإجتماعي الذي ألم بالأمة من جراء السلطة الأموية آنذاك .
وحري بنا أن نقرأ التاريخ ونستلهم العبر تلو العبر ، لأن واقع أمتنا اليوم بحاجة إلى الإصلاح والتغيير ، فالإصلاح ضرورة يوجبها الدين ، والتغيير حتمية يفرضها الواقع ، ومجتمعاتنا بحاجة إلى إلإصلاح في أوضاعنا العامة والخاصة وفي كل المستويات في السياسة وفي الإجتماع والإقتصاد ، نحن بحاجة إلى إيجاد دستوريحكم البلاد ونظام شورى مفعل وإنتخابات و برلمانات حرة ينشط من خلالها المجتمع وتحيا عبرها الأمة ، نحن بحاجة إلى إعادة النظر في صياغة خطط التنمية والتطويروالإستفادة من الكفاءات التي تخدم الوطن ، نحن بحاجة لتنمية القدرات العلمية والفكرية المسلحة بثقافة الإسلام الحنيف و تكون قادرة على معالجة قضايا الحياة تواكب العصر وتعي متطلباته، و إلى الإرتقاء نحو بناء المؤسسات والجمعيات والنقابات التي تساهم في بناء المجتمع المدني ، وماأمس حاجتنا لإصلاح البيت الداخلي من الداخل في معالجة قضايا المرأة والإهتمام بها كإنسانة لها حقوق كرمها بها الإسلام ، نحن بحاجة إلى التكاتف والتآزروالتلاحم لاعصبية لا طائفية لاقبلية لا تفرقات بل وحدة وطنية نتمسك بها سويا لمحاربة الفساد ، ونقضي على البطالة المستشرية في المجتمع ففي إحصائية عامة نشرت إن عدد سكان المملكة حتى عام 2000 م 24 مليون نسمة ، ثلث عدد السكان من العمالة الوافدة تقدر ب 8 ملايين عامل ، و تقدرالنسبة بين الإناث في سن العمل بثلاثة ملايين إمرأة في السعودية خريجات جامعة بينهن حوالي 94 ./0 حاصلات على الثانوية العامة أو أقل عاطلات ، ناهيك عن عدد الذكور فعدده أكثر بكثير ، نحن بحاجة إلى ممارسة حقنا الطبيعي في حرية التعبير في الفكر والرأي ، وإلى الإلتفاتة الحانية تجاه الطبقة الفقيرة والمعوزة في المجتمع .
متى ماأدركت الأنظمة والحكومات حاجة شعوبها ومجتمعاتها وعملت على إصلاح أوضاعها ، تكون قد ساهمت في نهضة الأمة ، وبالتالي سيدرك الجميع حجم الأخطاروالتحديات التي تحدق بها ، حينها لن يقفوا عاجزين أمام أي تكتلات عالمية أو مؤامرات جماعية اومؤتمرات تآمرية تهدد كيان الأمة ، ذلك لأنهم أبناء أمة من خيرالأمم جذورها عريقة و كيانها واسع و رسالتها عظيمة وحضارتها من أرقى الحضارات .
وأخيرا ، يجب علينا أن نكون واعين لما كانت عليه نتائج واقعة كربلاء والتي وصلت ونهضت بها الأمة ، لأن ذلك يمنحنا رؤية واضحة للأحداث ، و إن عجز الكثير عن فهم ما حققته كربلاء ، هو الذي دفعهم تجاه تجاهل القضية التي ثار من أجلها الإمام الحسين (ع) مما يجعلهم يصدقون الإدعاءات والإفتراءات التي يلصقها البعض من الكتاب أو المؤرخين أو الباحثين بــــــــه وبعترته الطاهرة .
وكما قال أحد العلماء : إن العدوالحقيقي للحسين (ع) هم من أرادوا تشويه صورته ، وتجميد واقعة كربلاء في ذكراه ، عدا ذلك حصر ذكرى الحسين في البكاء والحزن والنحيب ، نحن نبكي الحسين ونبكيه كثيرا ، لكن لانقف عند البكاء أبدا ، فالبكاء لن يجدد أحزاننا أو رغبتنا في الإنتقام ، بل هو غضبة على الباطل هـــــــــــذه هي رغبتنا في البكاء ، لماذا نذكر المصرع ؟ ونستعرض الذكرى فقرة بعد فقرة !! ذلك لنستعرض الواقع وندرك خطر الظالمين وقسوتهم ، وندرك أبعاد التضحيات وقوتها ، فلا نكون قد إكتفينا بالبكاء وإعتبرنا أن الحسين شهيد العبرات ، وإن واجبنا قد أدى بأننا إجتمعنا فقط في تاريخ الصراع بين الحق والباطل .

 

 

أضف تعليقاً