أ . عالية فريد >> حديث الشهر


الانتخــابـــات .. وأهمية المشاركة السياسية

14 ديسمبر 2009 - أ . عالية فريد

 الانتخــابـــات  .. وأهمية المشاركة السياسية

عالية آل فريد
قال تعالى ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا) صدق الله العلي العظيم . سورة النساء آية 58
أهمية الانتخابات للمجتمع‎ ‎
 تعتبر الانتخابات مؤشرا سليما على التحول المجتمعي والتطور  الديمقراطي الذي تمر فيه المجتمعات وتتقدم من خلاله الشعوب ، وهي مظهر حضاري كبير مورس في العديد من الدول والبلدان المتقدمة .
    والانتخابات  ممارسة فعلية لمشاركة حقيقية للمواطن الذي يتمتع بمواطنيه الدولة في الشأن العام  ، فهي تتيح له حرية التعبير في اختيار من يمثله أو من ينوب عنه في التعبير عن مصالحه والدفاع عنها،  و تبين قدرته  على ممارسة دوره الفعال في عملية الإصلاح والتغيير ، و تبرز قدراته في تحقيق تداول سلمي للمسؤولية عند  تغيير الأفراد – موقع المسؤولية – بصفة دورية وسليمة. وتعد هذه الفعالية جزءا من المشاركة السياسية التي تعتبر حقا من الحقوق المكفولة للجميع   ، فالمواطنين شركاء ومسئولين في إدارة المجتمع والحفاظ على مصالحه كل في مجاله وموقعه .
    ويأتي حق الانتخاب والترشيح  من كونه حقا ًسياسيا من حقوق المواطنة، بل من أهم مقوماتها ، لأن فيه تعبيرا عن المشاركة السياسية للناس ، وفيه إبرازا لطبيعة البناء المؤسسي التي تقوم عليه الدولة ،  وقد عبر عن هذه المشاركة  صموئيل هانتغنون وجون نلسون بأنها ” ذلك النشاط الذي يقوم به المواطنون بقصد التأثير على عملية صنع القرار الحكومي ، سواء أكان هذا النشاط فرديا أم جماعيا ، منظما أم عفويا ، سلميا أم عنيفا ، شرعيا أم غير شرعي فعالا أم غير فعال ” . وقد أشار عبد المنعم المشاط إلى أن المشاركة السياسية هي “شكل من الممارسة السياسية تتعلق ببنية النظام السياسي وآليات عملياته المختلفة ، إذ يكمن موقعها داخل النظام السياسي في المدخلات ، سواء كانت التأييد أو المساندة أو المعارضة ، ولكنها تستهدف تغيير مخرجات النظام السياسي بالصورة التي تلاءم مطالب الأفراد والجماعات الذين يقومون عليها ” .*1
    و الانتخابات  هي البوابة  الديمقراطية التي تدعم نظام الحكم في أي دولة وتنظم أمورها ، فعبرها تقر حقوق الأفراد وتستقر شؤون حياتهم وترتقي بنوعية أدائهم وتطور إسهاماتهم في المؤسسات العامة والخاصة .
    وهي أنجع وسيلة لتحقيق أي تغيير سياسي أو إنجاز تنموي يتصل بالحركة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وهي ضمان لكل فرد في المجتمع في أن يمتلك الحق في الرفض والإيجاب لمن يمثله أوينوب عنه ، وقد ذهب إلى ذلك الفقه السياسي الذي يرى في الانتخابات على أنها حق من الحقوق الذاتية للمواطن ،  استنادا لرؤية المفكر الفرنسي جان جاك روسو الذي يرى في التصويت حق لا يمكن انتزاعه من المواطنين نظرا  للأخذ بمبدأ السيادة الخاصة بالدولة ، والانتخاب هو إحدى الطرق لممارسة هذه السيادة. ولهذا فإن ممارسة أو عدم ممارسة هذه الصلاحية تعود للفرد، هو حر في أن ينتخب أو لا ينتخب. كما لا يجوز وفقاً لهذه الرؤية حرمان أحد ما من ممارسة دوره و صده عن الإدلاء برأيه تحت أي تبرير كان عدا شرط الأهلية أو السن أو الجنسية.*2
    وتأكيدا على استخدام الديمقراطية وممارسة وسائلها ، يمكننا مراجعة الكثير من النصوص الدستورية ، والمواد القانونية الواردة في الإعلانات و المواثيق والمعاهدات الدولية و العالمية , ففي المادة رقم 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يؤكد ” على حرية كل فرد في الاختيار والتعبير دون الخضوع لتأثير من أي طرف كان ” ويشير إلى ” كل شخص له حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده ، إما مباشرة ، وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية . ولكل شخص بالتساوي مع الآخرين حق تقلد الوظائف العامة في بلده ، فإرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم ، ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال إنتخابات نزيهة تجري دوريا بالإقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرية التصويت ” *3
الانتخابات لماذا ؟
1- الانتخابات وسيلة  لاغاية :
   الانتخابات وسيلة لتحقيق الهدف وليست غاية ، وهي وسيلة من وسائل العمل الديمقراطي ، تعول عليها الدول المدنية الحديثة كثيرا على أنها طريق للإصلاح السياسي   ، و المشاركة السياسية هي الحد الفاصل بين الدولة ( دولة المواطنة ) بين المؤسساتية  وبين التعددية السياسية والتنمية البشرية ، ومن أبرز مقوماتها هي المشاركة السياسية في الحياة العامة في مختلف جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية  وقد أشار إلى ذلك  تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003م الذي يوضح أن المشاركة السياسية ليست حقا من حقوق المواطنة فحسب ، بل هي عنصر بنائي في التنمية البشرية ” هي عملية توسيع خيارات البشر” الذي يرتب أولوية مطلقة لإعمال حرية الاختيار بين بدائل متاحة ، الأمر الذي ينطوي بدوره على مركزية الحرية في التنمية ، وتقوم عملية التنمية على بناء القدرات البشرية الممكنة من التوصل إلى مستوى إنساني راق ، وتوظيف الكفء للقدرات البشرية في جميع مجالات النشاط الإنساني المتمثلة في الإنتاج ومنظمات المجتمع المدني والسياسة” .*4
   وأحيانا يتقدم الوطن اجتماعيا وينهض اقتصاديا لكن تشوبه وتعترضه  معوقات لايمكن تجاوزها  ، وعرقلات يصعب تغييرها ولايمكن تخطيها فيتهاوى ويضعف تدريجيا  ويعمه الفساد والفوضى لذلك لا سبيل له إلا بالإصلاح السياسي ، والإصلاح السياسي هو جسر الامتداد وطريق العبور للتقدم المجتمعي ، و للتطور الثقافي والاقتصادي .

2- الانتخابات ثقافة للتقدم :
     للانتخابات دور كبير ومهم في خلق النضج السياسي والوعي الفكري  بشكل متبادل بين المواطن وبين من ينوب عنه ويمثله أي بين ” المرشح والناخب “، فهي تدفع الطرفين تجاه العمل المشترك لتبني إستراتجيات وخطط تنموية لصالح الوطن ولصالح الأجيال وبناء المستقبل . وإن استمرارية التطور الاجتماعي كفيلة بمنح دافعية للأفراد و بشكل حتمي نحو العمل على تطوير وتكرار التجربة , فكلما كانت الانتخابات نزيهة وسليمة كلما انعكست نتائجها وآثارها الإيجابية على المجتمع ، وإذا كانت عكس ذلك فهي قد توظف لتكريس الواقع الاجتماعي والسياسي المتخلف فيخسر الجميع ويخسر الوطن ، إذن على كل فرد أن يعي بقيمة دوره وأهمية مشاركته بالإدلاء بصوته  في ممارسة أي إجراء ديمقراطي قائم أو قادم ، وأن ذلك أصبح مطلباً ضرورياً وملحاً لضمان العدالة وتحقيق المساواة في تمثيل كافة التوجهات و القوى السياسية , بما يؤدي إلى توسيع عملية المشاركة السياسية وتطوير التجربة الديمقراطية على أرض الواقع .
3- الانتخابات تفرز قوة المجتمع
   طبيعة أي انتخابات يتم التعرف فيها على السياق المجتمعي الذي تتم فيه العمليات الانتخابية بأبعادها المختلفة ،  كون هذا السياق يحتل أهمية خاصة في فهم طبيعة المشاركة في العمليات الانتخابية وتطورها والنتائج التي تفرزها ، ففيها قوة اعتبارية ومعنوية للمرشح ، وفيها تقاسم للسلطة على القرارات السياسية بين القوى المتباينة في المجتمع ، وفيها رقابة لأن المرشح يكون على مقربة من السلطة صاحبة القرار، مما يتيح له الفرصة لمراقبة صانعي القرار على كل المستويات للتأكد من التزامهم بمصالح المجتمع .
 وفي ذات الوقت هناك متابعة ومحاسبة فهو أيضا مؤتمن ومحاسب  عند تجاهله لمصالح القوى التي منحته الثقة وجعلته يمثلها و يعبر عنها  ، و في كلا الأحوال تعتبر الانتخابات  آلية الحسم   القاطعة بشكل عام لكافة التناقضات القائمة في المجتمع بصورة سلمية وصحيحة فلا ضرر ولا ضرار.

4- محاربة الفساد
محاربة الفساد الإداري والمالي في أجهزة ومرافق الدولة، والذي يؤثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة على  تطوير التجربة السياسية ويعيق تقدم المجتمع  بمختلف مستوياته، ذلك أن تسخير الثروة الوطنية والمال العام والوظيفة الحكومية وفقاً للمصالح الشخصية والاعتبارات القبلية والمحسوبيات ، كل ذلك  يقتضي محاربة الفساد والتصدي لهذه المشكلة في أجهزة ومرافق الدولة ، ولضمان فرص متساوية بين مختلف المواطنين مع مراعاة الكفاءة  ، فإن ذلك  يقتضي رفع مستوى الوعي لدى عامة المواطنين وأفراد المجتمع ، وفضح هذه الممارسات بالوسائل الديمقراطية طبعا عندما تكون هناك انتخابات عامة حرة ونزيهة .
   إضافة إلى تشديد الأجهزة والمؤسسات أو اللجان الرقابية المالية والقانونية والحقوقية بما يضمن عدم هدر موارد التنمية، ذلك أن محاربة الفساد بكل مظاهره يشكل جزء من عملية المشاركة السياسية وترسيخ الممارسة الديمقراطية.
الانتخابات على أرض الوطن ..
1- المجالس البلدية ..
وتأسيسا على المعايير الدولية ، وتزامنا مع المتغيرات العالمية وتطبيقا لهذه المعايير شهد المجتمع السعودي تنفيذا للتوجيهات السامية لخادم الحرمين الشريفين – الملك عبدا لله بن عبد العزيز آل سعود لدعم المشروع الإصلاحي وتعزيز التحول الديمقراطي في البلاد ، معلنا إقامة انتخابات المجالس البلدية الجزئية في أكتوبر عام 2005 م على أنها بداية فعلية لإشراك المواطنين في الشأن العام ، وتشكيل المجتمع المدني الحديث في المملكة ، طبعا باستثناء ( مشاركة المرأة ) ورغم حداثة التجربة إلا أنها تعتبر خطوة أولية نحو إمكانية الإصلاح السياسي في المملكة ، فقد شهدت مواقف متباينة من مختلف الأطراف المتنوعة في المجتمع بين مؤيد ومساند ومعارضة ، إلا أنها تركت بصمتها التاريخية في تفاعل المواطنين معها ، وذهبوا إلى صناديق الاقتراع وسجلوا حضورهم بشكل جيد ، وانتخبوا ممثليهم ل178 مجلسا بلديا شملت كافة المناطق ، ونتيجة لقصور في الأنظمة والتشريعات واللوائح ، ولمحدودية صلاحية هذه المجالس وللبيروقراطية السائدة التي تسيطر على أداء الأجهزة والمؤسسات الحكومية أضعف ذلك دور المجالس البلدية وقلل فاعليتها .
   وعلى أمل استكمال خطوات المشاركة السياسية ترقب الناس الانتخابات البلدية الثانية والتي كان المقرر إجرائها في تشرين الأول ” أكتوبر عام 2009 ” إلا أنه تم تأجيلها مما شكل ذلك تراجعا وإحباطا لدى المهتمين بالشأن العام  الاجتماعي ولدى الناشطين ، الذي أدى إلى خمول الحركة الفعلية في التطلع للمشاركة الشعبية في إدارة الشأن العام المحلي ربما لسنتين وبعد السنتين لأجل غير معلوم .
2- أعضاء إدارة الغرفة التجارية الصناعية في المنطقة الشرقية
وهذه الأيام تداولنا وهانحن نعيش مناسبة انتخابات أعضاء إدارة الغرفة التجارية الصناعية في المنطقة الشرقية ، والخاصة بانتخاب المناسب من رجال الأعمال لتحقيق واقعا أفضل في تطوير المشاريع الصناعية والتجارية والاستثمارية التي تساهم في تطوير التنمية الاقتصادية ، وجزءا كبيرا من المواطنين معنيين بمباشرة العملية الانتخابية التي يشتد وطيسها وتزداد حرارتها مع برودة شتاء هذا العام  ومع اقتراب موعدها في يوم السبت تاريخ 2/1/14031، 19/12/2009م ، هي مرحلة تنافسية تعبر عن قبول فكرة التعدد داخل المجتمع ، لأنها تتيح الفرصة أمام المواطنين المعنيين بالأمر للاختيار بين البرامج المتعددة للناخبين ، فهي تتيح اختيارا حرا مباشرا في اقتراع عام وسري يحفظ خصوصية كل مواطن .
كل ما آملة في رجال الأعمال ، العمل  على الحد من المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها المواطنون في المنطقة الشرقية ، لاسيما تدني الأجور لدى الموظفين في القطاع الخاص ، وإيجاد حلول عملية لتسريح الكفاءات السعودية من مواقعها ،  والنظر إلى  مشكلة الفقر والعوز المستشري في المجتمع، واللذان أصبحا يمثلان معوقاً موضوعياً يحول دون أي مشاركة سياسية حقيقية، وذلك لأن الفرد لا يمكن أن يكون فاعلاً في المجال السياسي، إذا ظل فقيراً، حيث ينصرف تفكيره واهتمامه إلى تأمين لقمة العيش، وأن يتم ذلك من خلال مساعدة الأسر الفقيرة والمساهمة في توفير مشاريع واستثمارات تمتص الزيادة المرتفعة من البطالة وتأمين مشاريع و فرص عمل  متزايدة لأبنائكم الشباب ، واشتراك الحكومة والقطاع الخاص في العمل على تحسين البنية التحتية العمرانية والخدماتية للمواطن .

وخلاصة الأمر:
يقال أن السياسة فن الممكن ، و بما أن الديمقراطية فن من الفنون السياسية و عملية من العمليات التي تتحقق مع أو إثر التغييرات السياسية ،  و التحولات الاجتماعية  فإن السياسة و كونها فن الممكنات تتيح الأرضية المناسبة لإعادة التوازن للميزان الاجتماعي المختل الذي ينذر بكوارث وأخطار وأزمات بدأت تباغتنا ..
علينا جميعا أن نحارب الطوفان قبل أن يجرفنا لحماية أمن واستقرار وخيرات هذا الوطن  من خلال تهيئة الظروف المناسبة التي تجعلنا نسخر كافة إمكاناتنا ومواردنا لحمايته والمحافظة عليه لأنه أمانة مودعة في أعناقنا فهلا نصــون الأمانة وهل نحن أهل لذلك ؟
نعم ! بالقرار الجرئ  والشفافية ، بالإرادة السياسية الحكيمة والجادة ، بالتلاحم والشراكة الإنسانية الوطنية ، بسيادة القانون واحترامه ، وبإيجاد مؤسسات مدنية ديمقراطية سليمة لا صورية ، تمارس دورها الفعلي في عملية المتابعة والمحاسبة والرقابة .

 
المصادر :
القرآن الكريم : سورة النساء آية/58
2- مجموعة مؤلفين حقوق الإنسان الرؤى الإسلامية والعالمية والعربية – مركز دراسات الوحدة العربية . بيروت : ص278 ،ص279
3- المصدر السابق .
4- تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2003 
5- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، الجمعية العامة للأمم المتحدةالصادر سنة 1948  ، المادة 21

أضف تعليقاً