أ . عالية فريد >> حديث الشهر


سجينات حائرات بين قاعات المحاكم وزنازين البيوت

6 أكتوبر 2006 - أ . عالية فريد

• الزوجة إنسانة لها مكانتها وإحترامها، لايجوز للزوج شتمها أو ضربها أو إهانتها أو طردها من بيتها بغير حق، ولايجوز له أن يسيئ معاملتها أو إيذائها، وقد حرص الإسلام على أهمية العلاقة بين الزوجين ووضع لها أسس ومبادئ، وجعل الله للزوجة حقوق لدى زوجها وللزوج حقوق لدى زوجته. وأتصور أنه يصعب على الزوجة عادة طلب الطلاق والإنفصال عن زوجها بالذات إذا كان الزوج غير سوي، كأن يكون مدمنا يتعاطى الكحول والمخدرات أو أي أنواع المسكرات، أو يكون مصابا بأمراض نفسية أوعصبية أومزاجية يرفض العلاج عنها، أو من هواة العلاقات الغير مشروعة، أو بخيلا دون أن يتحمل أدنى مسؤولية في الإنفاق على أسرته أو مرتكبا للمحرمات أو مسيئا في معاشرته لزوجته بالمعروف، فإن جل هذه الإمور تجعل الحياة متوترة ومحملة بالمشاكل والهموم، وتجعل الزوج بعيدا عن زوجته وغير منسجما معها، وفي المقابل نرى الزوجة تصبر عليه كثيرا، وتتغاضى عن أخطاءه وتصرفاته، وتتحمل آذاه، وتسعى جاهدة لتغييره وتصحيح سلوكه ونصحه عن طريقها مباشرة أو بواسطة الآخرين، ناهيك عن تحمل مختلف أنواع الإهانة والشتم والضرب أحيانا، فإذا كان بينهما أولاد فهي تتحمل وتحتمل بما فيه الكفاية من أجل المحافظة عليهم ورعايتهم، ولا تلجأ إلى الطلاق إلا إذا طفح بها الكيل، والشارع المقدس جعل للزوجة الحق في طلب الطلاق كي تعيش الحياة الإنسانية الكريمة، فكيف تسكن مع زوج لايقدر للحياة الزوجية قيمة ولا يجعل لها معنى، بل كيف تستشعر الحياة الآمنة والمستقرة وتحصل على الراحة والسعادة لها ولأبنائها إذا كان الزوج يفتقد المشاعر الإنسانية الحقيقية، فالضحايا هم الأبناء دائما وقد أثبتت بعض الدراسات التربوية أن نسبة حدوث إنحرافات سلوكية وأخلاقية شاذة للأبناء الذين يعيشون وسط أجواء أسرية مليئة بالمشاجرات والمشاحنات أكثر من نسبة مشاكل الأبناء في الأسر المطلقة.

• وعادة عندما ينشب الخلاف بين الزوجين يسعى الأهل للصلح بينهما، وهذا ما تدعوا إليه الآية الكريمة ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ﴾[1] . فالآية الكريمة بينت أن يكون «حكما» أي مؤهلا لعملية الإصلاح من حيث الحكمة وموازنة الأمور في بقاء العلاقة الزوجية والخروج بعملية الصلح بأقل نسبة من الخسائر لكلا الطرفين، إلا في حال قد تؤدي إستمرارية هذه الحياة إلى مشاكل كبيرة أكثر تعقيدا بين الزوجين، أو مشاكل كبيرة للمجتمع والأولاد، فهنا يكون الطلاق هو الخيار الأمثل والوحيد لإنهاء العلاقة.

• وفي أحيانا كثيرة تفشل مساعي الصلح، إما لأسباب واقعية تلزم بحتمية الطلاق، ومنها غير واقعية كعناد الزوجين والتشبث بالرأي في إصرار أحدهما على إنهاء العلاقة، ومنها أسباب كيدية لأجل أن يتخلص أحدهما من الآخر، أو لتدخل الأهل أو تأثير الأصدقاء السلبي في حياة الزوجين ولأن «الطلاق أبغض الحلال إلى الله» كما روي عن رسول الله [2] ، فعادة ما يمنح المصلحين من رجال المعروف أو المحاكم فترات زمنية أو جلسات تسمى – جلسات إستئناف – كي يراجع الزوجين حياتهما، ويدركا أخطائهما ويعيدا النظر في علاقة جديدة هادئة ومستقرة، أو يتم إحالة الزوجين – لسعاة الصلح – سواء كانوا علماء أو مرشدين أسريين، لكن ما يحدث كثيرا في جلسات الصلح خلاف مايتمناه المصلحون، ففي مثل هذه الجلسات السرية عادة ما ينشب الصراع إما بسبب تطاول الزوجين وإتهامهما لبعضهما، أو لعراك الأطراف المتصالحة بتبادل التهم وتصيد العثرات والتي قد تصل إلى حد القذف أحيانا، أوبالتهديد والوعيد وقد يصل إلى التشابك بالأيدي، أو تلزم الزوجة الصمت إما لجهل أوضعف أو خوف أو تردد فبدل أن يكون الحق معها ينقلب ضدها فتفشل مساعي الصلح ويتم اللجوء للطلاق بإعتباره الحل الذي يرجع إليه عندما لاتبقى هناك أية وسيلة من وسائل الحفاظ على الحياة الزوجية، وتبقى الزوجة المطلقة تعيش الألم والمرارة أضعافا بين مجتمعا قاصرا في رؤيته وتعامله مع المرأة المطلقة، وبين مرار الأسى التي لاينفع معها ندم لأنها تحمل الضريبة وتدفع الثمن بسبب أنها لم تفصح عن الحقيقة كاملة في جلسات المحكمة، أو لأنها كانت تخفي الحقائق في جلستها مع سعاة الصلح.

لاحل إلا بالطلاق:

• وكما نعرف أنه إذا إستحالت العشرة بين الزوجين ترفع الزوجة أمرها إلى القاضي «المحكمة» أي يمكن للمرأة أن تطلب الطلاق من المحكمة بعد إثبات أن حياتها مع الزوج فيها خطر على نفسها أو مالها أو إعتبارها، أو أن يمتنع الزوج عن دفع نفقتها ولا يمكن إجباره على الدفع، أو تضع مشكلتها بيد الحاكم الشرعي «الفقيه المجتهد» أو وكيله – أي من ينوب عنه – ممن تتوفر فيهم الثقة والأمانة والعدل والأهلية اللازمة لذلك، وهذه الجهات هي المخولة للنظر في الأمر والعمل على حسم النزاع بين الطرفين المتخاصمين، وهي التي تتولى حماية الحقوق العامة وتنفيذ الأحكام الشرعية، فحينها يخير الزوج بين المعاشرة بالمعروف أو الطلاق، فإذا رفض الإثنين طلقها الحاكم الشرعي، ﴿ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾[3] أي أن الطلاق في حقيقته حل المشكلة وهو تسريح بإحسان، فإذا لم يمسك الرجل المرأة بأن يبقيها في دائرة الحياة الزوجية بمعروف، فإنه لابد أن يسرحها بإحسان، وهذا يعني أنه لابد أن يطلقها لتأخذ حريتها أي تمارس حياتها الطبيعية بعيدا عن ضغوط الزوج، أما إذا فرضنا أنه إمتنع عن الإمساك بمعروف وعن التسريح بإحسان فإن من حق الحاكم الشرعي أن يطلقها، ولكن لايتم ذلك إلا بعد مرور فترة زمنية معينة يسترجعا فيه أمرهما، وهذا مايقره الشرع المقدس حفاظا على حقوق الإنسان وكرامته، لكن مان مايقره الواقع شيئ آخر عند البعض من الأزواج وللأسف الشديد، فنسبة السيدات – المعلقات – ليست بقليلة، بالذات إذا تملك الجهل وحب السيطرة والأنانية صاحبها هنا تقع الكارثة، فبعض الأزواج يعيش حياته بلا أدنى رادع من خلق أو مسؤولية، فيسئ إستخدام الفسحة الشرعية التي منحت له – الحد الفاصل بين العودة للحياة والطلاق – ويتعامل مع زوجته بأقسى أنواع المعاملة من الإهانة والذل، والظلم والقسوة، وفي حال أرادت الإنسحاب من حياته حيث تنجوا بنفسها فإنه يصر على بقاءها – معلقة – لاهي بالمطلقة ولاهي بالمعطاة حقوقها الشرعية كزوجة يهتم بها ويرعاها، ورغم وضوح الأحكام الشرعية لجميع تفاصيل الحياة الإنسانية إلا أن ثمة ظلما كبيرا تعانيه الزوجة – المعلقة – فلا هي تعيش حياة المطلقة التي تسمح لها بممارسة حياتها الطبيعية، ولاحياة المرأة العادية في ممارسة أمورها الحياتية واليومية، إضافة إلى ذلك فهي تتجرع الألم والحرمان هي وحدها دون غيرها تعيش المرارة دون أن يشعربها أحد بين سوداوية الأسرة التي تؤسرها وتسيئ معاملتها، وبين نظرة المجتمع التي تحاصرها فتبقيها حبيسة المنزل.

• كثيرات هن – المعلقات – وعددهن يتضاعف يوما بعد يوم، حتى إن بعضهن لم يفك قيدهن إلا بعد مضي عشرين عاما وبعضهن أكثر، والمشكلة تتكرر وتستمر والمجتمع يتفرج لاحول له ولاقوة..

• مريم في العقد الرابع من العمر تقول: عشت مع زوجي خمسة عشر عاما، أنجبت منه خمسة أطفال كان حاد الطباع وسيئ الخلق، تحملته تصرفه الشاذ في شرب الخمر وتعاطي الحشيش والمسكرات، صبرت كثيرا على تعامله السيئ معي بالإهانة والضرب، وكل يوم تشرق فيه الصباح يشرق الأمل في قلبي وأقول بأنه سوف يتغير وينصلح حاله، ورغم تدخل الأهل والأقرباء ممن لهم موقع تأتثير وإصلاح إلا أن الأمر لم يكن مجديا، إستمرت حياتنا تزداد سوءا وإنهيارا يوما عن يوم، فساءت علاقته بأهله وجيرانه، حتى عبادة ربه تركها ولم يعرها إهتماما، إستمر يتوغل في الإنحراف والظلم لي يعاملني كخادمة ويرغمني على مجالسة أصدقائه وأنا أرفض لأني إنسانة ملتزمة ومن عائلة محافظة، وبسبب رفضي يضربني ويشتمني ويمنعني من الخروج، ويحرمني مع أولادي من المصروف، لاأستطيع أن ألجأ إلى أهلي فهم بسطاء وعلى قد حالهم ولاأستطيع أن أتكلم فهذه أسرارالبيت والمرأة تحافظ عليها، وتواصل: في الفترة الأخيرة كثر سفره وغيابه عن المنزل وياويلي لوطلبت منه مصروف المدرسة للأولاد أو مطلب للمدرسة ينهال على وجهي صفعات أو يرمي ما بيده على رأسي ولاوسيلة لي إلا البكاء، طالت مدة غيابة وأنا أنتظره قلقة عليه حتى يعود، وعاد وليته لم يعد، عاد ليفاجئني بعلاقاته وصور المومسات ونساء الليل اللاتي يلتقي معهن ويعاشرهن تملأ حقيبته ويتفاخر بهم أمامي، وعندما ناقشته في الأمر وأن يضع حدا لذلك طردني مع أولادي ولي ست سنوات – معلقة – يضيق بي الحال كثيرا لدرجة أنني كثيرا أفكر في الإنتحار، فانتظاري طال في جلسات المحاكم – وهو لازال يسرح ويمرح بدون حسيب أو رقيب.

• حنان – 25عاما – طردني من المنزل وهددني بالطلاق وحرمني من أبنائي بعد مرور عشر سنوات من الألم والعذاب، فمن خلال معاناتي وجدت أنه لايكفي السؤال العابر لمعرفة حقيقة الرجل أو المتقدم لحظة الإختيار والخطبة، المهم تزوجت إبن خالي بعد ضغوط كبيرة مارسها أهلي علي لأني أرفض الزواج من شخص أجهله، وفي شهر واحد تمت الخطبة وعقد القرآن والدخلة، وبعدها أصدم في زوجي فهو إنسان متوحش يفتقد إلى أبسط مقومات الأخلاق والدين، ظاهره الصلاح والإستقامة وباطنه العنف والفساد، تحملت المزيد من الإهانة والذل والضرب الذي أدى بي لإجراء أكثر من عملية جراحية تجميلية في وجهي نتيجة لذلك، وبعد إن وصلت لحالة من اليأس أنجبت خلالها توأم وأنا حامل بالآخر، حينها إعترف أهله بأنه مريض نفسيا وعصبيا وصاحب سوابق قديمة زوجوه عله يتحسن أويعقل حسب ظنهم، لكن بعد ماذا؟ بعد إن يئست من محاولات الإصلاح وكان دافعي للصبر والبقاء معه اهله وأهلي الذي برغم عدائه لهم وإعتدائه عليهم إلا أن أعرافهم تمنع إنفصالي عنه – فألظفر ما يطلع من اللحم – والثوب رقعته منه وفيه – جعلني الضحية، خوفي على أبنائي جعلني أحرص على بقائي بجانبهم خوفا من الضياع والتشتت، تمادى أخيرا وطردني بعد إن بعثر أغراضي في الشارع وأمام مرأى من الجيران، وهاأنذا أشارف على العام السادس في منزل أخي أما معلقة ومحرومة من رؤية الأبناء الذي يسعى لإفسادهم إنتقاما مني، أهلي ليس لهم حيلة، والمحكمة تماطل كثيرا في إحضاره، وإن حضر الزوج لم يحضر القاضي، وأنا تعبت جدا من السجن داخل المنزل فعمري يجري وأحلامي ضائعة.

• سهام – 40 عاما – تزوجت من مدرس، عشنا معا خمس سنوات في غاية السعادة، ولكن خلال هذه السنوات لم يتحقق الإنجاب، وحصل أنه تزوج بأخرى بعد ضغط من أهله كي ينجب، ورزقه الله بالولد منها بالفعل، وهو ما ذود إهتمامه بأم الولد على حسابي، وفي المقابل بدأ يعاملني بفتور، شعرت كأنني مثل أي قطعة في الشقة خاصة بعد إن هجرني، وإكتفى بأن يرسل لي كل شهر ريالات قليلة لا تكفي لإسبوع واحد، المشكلة أنه يرفض تطليقي وأجد عيبا في أن أرفع دعوى خلع ضده لأن هناك صلة قرابة بيننا، وأعيش الآن بين نار الزوج الذي تركني معلقة، ونار الخوف من الفضائح والمحافظة على حبل القرابة الذي يربط بيننا، ولا أعرف كيف أتصرف. * جريدة عكاظ نفس المصدر

• سيدة تزوجت من رجل في الستينات من العمر، كانت هي حينها في العشرينات، عاشت معه لمدة إثني عشر عاما أنجبت خلالها بنتا وولدين.

تقول: لم يكن زوجي يراعيني ولايراعي أبناءه مني، كان مصابا بداء الشك بصورة غريبة، اعتقد أن لسبب هو كبر سنه وصغر سني، لم أعر ظنونه كثير إهتمام لأني إمرأة تخاف الله، لكنه إستمر على شكوكه ثم بدأ يتهمني بأقذع التهم التي لاترضاها إمرأة على نفسها، أصبح يعاقبني بقطع المصروف عني وعن أبنائي حتى المأكل والمشرب، لم أكن أعرف أحد في المدينة التي أقطنها نظرا لأنني قدمت من إحدى القرى وأخاف جدا وهو يعرف عني هذا الأمر، مما جعله يعتدي علي بالضرب، كأن يتهمني ويصدق كلامه ثم يضربني، وعندما تدخل أحد الجيران بعد إن سمع صراخي إتهمني بالإنحراف معه.

وتضيف: في أحد الأيام خرج صباحا كالمعتاد إلى عمله ولم يعد، وبعد مرور عدة أيام، وبتدخل أهل الخير من جيراننا عرفنا أنه صفى حقوقه في الوزارة التي يعمل فيها وذهب للعيش مع زوجته الأولى وأبناءه وغير مكان سكنه، لم أعد أعلم عنه شيئا منذ أربع سنوات، وما زلت حتى الآن معلقة لا أعرف إن كنت زوجة ولي زوج، أم مطلقة ولي حق البدء من جديد[4] .

• تقول نعيمة: هجرني زوجي منذ 7 سنوات وتحت رعايتي 3 بنات وولد بعد إن كانت حياتنا مستحيلة لشدة بخله تحملت فيها مختلف صنوف العذاب من ضرب وحبس وإهانة، وأعيش معاناة لاتطاق فثلاثة من أبنائي مصابين بمرض الدم الوراثي الذي سرعان مايصابون بنوباته ويحتاجون إلى رعاية دائمة ظللت فيها ألوذ بين الجمعيات الخيرية لتأمين حاجياتهم وبين أروقة المستشفيات التي ملت من وجودي، ووالدهم مشغول عنهم بأسرته الجديدة وكأننا لسنا موجودين في حياته فقط يرسل500 ريال مصروفا شهريا بيد أحد أقربائه والله أعلم بحالنا إن توفرت لنا وجبة نأكلها في اليوم لم تحصل الثانية، وياويلي لو طلبت منه زيادة المصروف أو أرسلت له أحدا فسرعان ما يهددني بالطلاق والطرد بقيت معلقة أجهل مصيري وليس لي أحد ألجأ إليه وبالتالي فإني أخاف أن يأخذ أبنائي مني فإني مستعدة للبقاء معهم حتى لو مت وإلتهمت التراب.

• أما زهرة فقضيتها تختلف عن كل القضايا ولا تقل عنها معاناة غير أنها تدمي القلب وتنزع فتيل الضمير وتهز الوجدان وتستثير العقل، وتجعل كل قارئ يتسائل هل يحدث مثل ذلك في مجتمعنا المسلم والملتزم بالأخلاق والقيم؟ وهل يتحول الزوج إلى هذه الدرجة من الحقد والأنانية؟ فإن إنعدمت المسؤولية وإنتفى الحب وإنشرخ جدار العشرة والسكينة فأين إذن هي الرحمة؟ الرحمة بين أبناء البشر أم هو التلذذ والأنس والإستمتاع بإستعباد البشر فكيف إذا كانت زوجة وفي حضنها أبناء أبرياء..

وإذا كان الأهل عاجزين عن إيقاف أمثال هؤلاء الأزواج عند حدهم أين هو المجتمع وأين هو دور المحاكم والقضاء؟ ما هو دور الشؤون الإجتماعية وأين هو دور مؤسسات الزواج ومراكز الإهتمام بالأسرة! وما مدى إهتمامها بهذه القضايا؟ وما مدى تأثيرها وإهتمامها بمعالجة المشاكل والأمراض المستفحلة التي باتت تشكل خطرا على كيان الأسرة وتهدد أمن المجتمع؟، نعم هي مشاكل علها تبدأ صغيرة وخفية، لكنها سرعان ما تتراكم وتطفوا على السطح حينها تكون قد إستفحلت في جسد العلاقة الزوجية وباتت تشكل خطرا على كيان المجتمع لا يمكن السيطرة والقضاء عليها.

تقول: ستة عشر عاما ضاعت من حياتي، عشت فيها الحرمان وشربت فيها كأس المرارة مع الزوج الذي لاأستطيع أن أصفه بأنه إنسان كما البشر، تزوجني وعمري أربعة عشر سنة وأسكنني في بيت والده، كان عاطلا عن العمل ويعتمد على مصروف من أهله، حملت منه بولد وأربع بنات إضطررت لبيع جميع مسوغاتي وجميع ما أملك كي أوفر لهم الإحتياجات اللازمة ولأنفق على نفسي وعليه، إكتشفته منذ الحمل الأول بأنه لايتحمل أدنى مسؤولية فهو إنسانا مستهترا ولا أباليا تاركا للعبادة، تاركا للصلاة، دائم السهر في الليل، نائما في النهار، مللت هذا الحال وكلما حادثته في إصلاح نفسه زجرني، وكلما ذكرت له أهمية العمل من أجل أبنائه يهينني ويضربني، تحول إلى شخص آخر، إستمرت وجبات الضرب تتكرر على أثرها أسقطت جنينا كنت أحمله في أحشائي، والمشكلة لا أمتلك أحدا يسمعني أو أتحدث إليه، ما عدى والدي الكبير في السن وأخي وهم بسطاء للغاية ويجهلون طريقة التصرف في هكذا أمور، المهم أن يعيشوا حياتهم بعيدة عن المشاكل.

إستمر الحال من السيئ للأسوأ بدأت أكتشف مغامراته الغرامية وخيانته لي مع متزوجات وفتيات يأتي بهن في شقتي مستغلا أوقات خروجي منها، عجزت من محاولة إصلاحة وتدخل الكثير لكن دون فائدة، بقيت في ظله أعامل كخادمة بل أقل من ذلك وبالمقابل أشرف على خدمة أهله، تحملت ذلك من أجل بقائي بجانب أبنائي لأرعاهم وأسهر على راحتهم.

في ليلة تعيسة تفاجأت به عائدا للمنزل ممسكا بيدي ليسوقني لبيت والدي والكل نيام، حاولت معرفة السبب؟ أعرب عن حال حاجته لي سيطالب بعودتي، ولكن ما هو مصير أبنائي رفض أن يتفوه بكلمة ورحل، تزوج بإحدى عشيقاته دون علمي وأسكنها شقتي وحرمني من جميع أبنائي حتى الطفلة الصغيرة التي لا يزيد عمرها عن سنة، وإستمر الحال مايقارب ثلاث سنوات وأنا محرومة أبكي على أبنائي، ولا أراهم إلا متسللة خلف جدران المدرسة، ماهي إلا أيام وإذا بي أتفاجأ بوالدي يقودني معه وسط منطقة سكنية حتى دخلت معه منزل مليئ بالمكاتب ولا أدري أين نحن، ماهي إلا لحظات عندما نادى أحد الموظفين بالسماح لنا بمقابلة الشيخ أدركت حينها أننا في المحكمة، دخلت على الشيخ نظر لي وكأنني منبوذة أوسارقة ووجه لي السؤال هل أنت طاهرة من الحيض أم لا؟ أجبته بنعم ثم أمرني بالتوقيع على ورقة وخرجت؟ ظللت معلقة أجهل معنى الطلاق، وإن كان قد وقع الطلاق بالفعل أين صاحب الدعوى، وأين الشهود؟ ولماذ ا لم يوجه لي أسئلة أخرى ولماذا لم يدعوني أتكلم، بعد المعاناة 6 سنوات إعترف بطلاقي وسلمني الورقة، إلى اليوم لأكثر من 8 سنوات وأنا محرومة من أبنائي ولدي الكبير عمر 20 عاما طرد من البيت، والبنت الكبرى تم تزويجها بدون علمي أو إخباري، وبقية البنات قلبي يتمزق شوقا لرؤيتهم، وحرقة لفراقهم فبت أسمع أخبارهم من الناس، صراحة آيست من المحكمة كيف تحرم أم من أبنائها طوال هذه الفترة، مللت من المماطلة وإهدار المصاريف الذي يصعب علي توفيرها لتغظية المشاوير، أكاد أموت قهرا وأشعر بأن هناك إستهتار بمشاعري كأم وبحقوقي كمواطنة من قبل قضاة ومشايخ المحكمة؟ فياأهل الخير ساعدوني…

لذلك أوجه دعوتي للواعين المخلصين من أبناء هذا المجتمع من المتخصصين والعلماء والمهتمين كل حسب ما تستدعيه المسؤولية أن يهب للمبادرة لإنقاذ مايمكن إنقاذه في حلحلة هذا الموضوع ومعالجته، إنطلاقا من مبدأ الإنسانية والواجب الديني فالمرأة إنسانة بالدرجة الأولى وهي الشريكة في بناء المجتمع وهي الأم والأخت والزوجة التي أوصى الله تعالى بإكرامها.. وأمثال زهرة هناك الكثير، لاسيما أننا في شهر رمضان المبارك شهر الخير والرحمة والبركة كما قال عنه رسول الله ، ومن فضائل الأعمال فيه التراحم وإصلاح ذات البين، ومواساة الإخوان وإعانة الضعيف، ونصرة المظلوم، وأكثر أنواع الظلم ما يتعلق بالعلاقات الإنسانية العامة، خاصة عدم إحترام إنسانية الزوجة فمن يطالب بها؟ ومن المسؤول عن رعاية حقها الشخصي المنتهك إجتماعيا؟..

وعلى ضوء ماتم ذكره من إطار موضوعي فإنني أقترح ما يلي:

1- الإلتزام بالحقوق الإلهية الإجتماعية مسؤولية الآباء والأزواج..

هناك الكثيرمن السيدات – سواء كانوا معلقات، أو مطقات حيث لاتوجد دور حماية لهن أو مؤسسات خاصة بهن، فإنهن يلجأن للسكن والعيش تحت رعاية أبائهن أو في ظل الأسرة الكبيرة الممثلة بالإخوة وزوجاتهم وأبنائهم، مما يشكل ذلك أزمة نفسية مضاعفة لدى المرأة، وتبدأ في سلسلة من المشاكل والإحراجات نتيجة النظرة الدونية التي يحملها الأب أو الأخ تجاه وضعية أخته، فيبدأ يمارس عليها سلطة قاسية وغير طبيعية فيحصي حركاتها وسكناتها، ويعاملها بأسوأ أنواع المعاملة، فيهمل رعايتها ويقصر في تلبية حاجياتها هذا إن لم يتم التعامل معها كخادمة في أكثر الأحيان، ولذلك أوصي الأزواج بتقوى الله وأذكرهم بقوله تعالى ﴿ الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ ﴾[5] .

ويوصينا رسول الله خيرا بالنساء، وهو القائل «النساء أمانة الله عندكم فلا تضاروهن ولا تعضلوهن»، وقوله «مازال جبرائيل يوصيني في النساء حتى ظننت أنه سيحرم طلاقهن»، وقوله «من كانت له إبنة فليكرمها» والنساء شقائق الرجال»[6] ، وكذلك تعاليم أئمة أهل البيت وصحابة رسول الله ، «وأما حق الزوجة فإن تعلم أن الله عز وجل جعلها لك سكنا وأنسا، فتعلم أن ذلك نعمة من الله عز وجل عليك فتكرمها وترفق بها، وإن كان حقك عليها أوجب فإن لها عليك أن ترحمها، وتطعمها وتكسوها وإذا جهلت عفوت عنها»[7] ، فليتقوا الله في شهرهم هذا ويتقربون إلى الله في تيسير إمور زوجاتهم والإهتمام بهم كريمات عزيزات في أحضان آبائهم.

2- محاكم أسرية مستقلة:

وذلك بتوسيع في دائرة المحاكم أو إنشاء محاكم أسرية مستقلة، أيا كانت مسمياتها لجنة أو هيئة أو دائرة المهم تأدية دورها المطلوب منها، وإختيار القضاة المؤهلين ممن تنطبق عليهم الشروط الشرعية وزيادة عددهم وفقا لكل مذهب، ومنحهم الصلاحيات المطلقة، وعدم الإستحواذ أو التفرد بالصلاحيات في محكمة دون أخرى، حتى يتسنى لأتباع كل مذهب الإحتكام إلى مذهبهم في حال نشوب خلاف أو نزاع بحيث يقوم بتطبيقها عليهم جهات قضائية منظمة خاصة، فما يوافق مذهب ما لا يتوافق مع مذهب آخر، فالطلاق مثلا عند فقهاء المذهب الجعفري يختلف عن الطلاق في المذهب الحنبلي أو الحنفي وغيره وهناك شروط أساسية للمطلق، والمطلقة، والصيغة، والإشهاد، وبعض المذاهب تجيز ولاية القاضي على الفتاة – القاصر- وتمتلك إشتراطات معينة في حال وجود صراع أوخلاف وفي حال وقوع الطلاق، وفي صيغته وطريقته، وبعضها لايجيز ذلك مما يسبب مشاكل كثيرة وكبيرة تبقى الضحية فيها هي المرأة.

3- وثيقة الأحوال الشخصية الأسرية ضرورة لابد منها:

الأسرة هي النواة الرئيسية للبنية الإنسانية تجمعها رابطة واحدة عن طريق الزواج، ووجود لائحة مقننة خاصة بالأحوال الشخصية الأسرية ضرورة لابد منها، فهي سوف تعرف بالقوانين والأنظمة فيما يتعلق بنظام الزواج بين ما قررته الشريعة الإسلامية وبين ما أدى إليه إجتهاد الفقهاء المسلمين بمختلف مذاهبهم، وفي الواقع إذا كانت هناك أسباب ومبررات لدى البعض من القضاة وعلماء الشريعة السابقين، فالزمن اليوم له أهله ومتغيراته وعلماءه المعاصرين فلا أدري لماذا هذه الحساسية المفرطة من مبدأ تقنين الأحوال الشخصية، ومفهوم التقنين للقواعد الشرعية والمراجع الفقهية ممكن وليس بالعمل المستحيل، وهو الحل اليسير لعدم وقوع الإلتباس، وتوحيد الأحكام العامة التي تتحقق بها المعرفة للحقوق والواجبات لاسيما قضايا الأحوال الشخصية التي تشمل «الولاية على النفس، والتربية، ودعاوى الزواج والحضانة للأولاد من حيث الإثبات والإسقاط والحفظ والضم والرؤية والإنتقال بالصغير، وطلب النفقة أو زيادتها أو إنقاصها، والإستقلال بمسكن الحضانة وإسترداده، ودعاوى الطلاق والفسخ والخلع بأنواعه» سوف تكون أسهل مايمكن تقنينه ومن خلالها سيتم القضاء على الكثير من المشاكل الإجتماعية، وبها سيأخذ الشرع والقانون مجراه في الحقوق الخاصة.

كما أنها ستتيح الفرصة لإنسجام المجتمع بعضه ببعض وتداخله، وتحفظ تجانسه الإجتماعي ووحدته بالتزاوج والتناسل، وترفع المحظورات بين زواج أصحاب مذهب ما بمذهب آخر، وتزيل الإلتباسات التي تقرها الأعراف والتقاليد للعائلة أو القبيلة تحت مسمى عدم – تكافئ النسب – أو أي مسميات أخرى، وأنا لست هنا بصدد عرض المشاهد والأحداث المؤلمة التي تظهر على صفحات الجرائد، والتي تبثها وسائل الإعلام لما يحدث من فرقة وتمزيق لشمل بعض الأسر، لكن ماأؤكد عليه أهمية وجود هذه الوثيقة التي بدورها تساهم في حل الكثير من المشكلات والمعضلات الإجتماعية فهي تساعد على التخفيف من ظاهرة العنوسة، وتحفظ حقوق الزوجة والزوج والأبناء، وتحميها من التعدي والإنتهاك، وفي ذات الوقت فإن هذه الوثيقة تقدم فلسفة ورؤية واضحة حول إقامة أومنع الزيجات بين المذاهب المختلفة – فتحل الكثير من الأسئلة العالقة، وتزيح النظرة المشوشة في الذهن فيما يرتبط بهذا الموضوع، خاصة للأجيال القادمة فلنورثهم عزا بثقافتهم وهويتهم وتاريخهم بعيدا عن الحقد والضغينة والتشكيك في النوايا، وبعيدا عن إثارة النعرات المذهبية والطائفية، وحتى لا تعم الفوضى، وينعدم الحس الوطني، ويكثر التنذر بنا كمجتع ودولة على أعقاب أفعال بعض الخروقات الخطيرة لحقوق الإنسان -، وإنتهاك لحقوق المواطنة بجميع مستوياتها البسيطة والمقننة بالانظمة المرعية.

4- العمل على إيجاد لجان خاصة بالإستشارات الأسرية:

تهتم بأصحاب التخصصات مثل علماء النفس، وعلماء الإجتماع، والإرشاد الاسري، والتربوي والديني، ووجودها حاجة ماسة وملحة في مراكز الشرطة، وفي ساحات المحكمة، وفي المؤساسات المهتمة بهذا الشأن، ويتمثل دورها في العمل على إنشاء دوائر خاصة بالمصالحة تهتم بالتوفيق والصلح في كافة الدعاوى، وبالـأخص ما ينشأ بين الزوجين والأقارب، ومهمتها تكمن في وحدة الـأسرة والمحافظة على ألفتها، وتقريب القلوب التي قد تباعد بالمخاصمة وطول فترة القضايا، فضلا عن أنها سوف تساهم في عدم إشغال القضاة فيما يمكن إصلاحه – إضافة إلى الإستفادة من لجان الإصلاح التطوعية في كل منطقة ومحافظة والعمل على تفعيلها…

5- التنظيم والتنسيق بين الجهات الرسمية لحماية الحقوق:

الإسلام دين منظم بين عبادات ومعاملات، عبادات منظمة في علاقة الإنسان مع الله، ومعاملات تنظم علاقة الإنسان بأخيه الإنسان ونظام العلاقات الإجتماعية والزوجية في الإسلام قائم على إحترام الحقوق والواجبات لذلك تجد له ميزة خاصة في جميع مصادر الفقه الإسلامي، ومجتمعنا بحاجة إلى تنظيم أمره بإيجاد إستراتجية واضحة قائمة على تنسيق وإيجاد آليات عمل مناسبة بين مختلف الجهات المعنية – بالقضاء – الذي هدفه خدمة الناس والحفاظ على مصالحهم وحماية حقوقهم بإرساء دعائم – الحق والعدل – لينعم المجتمع في سعادة ورخاء. وأهم هذه الجهات وزارة العدل، محكمة التمييز، مجلس القضاء الأعلى، مراكز الشرطة، هيئة التحقيق والإدعاء العام، وزارة المعارف، وزارة الصحة – المستشفيات – هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مركز التنمية الإجتماعية، العمدة أوشيخ القبيلة، هيئة حقوق الإنسان، جمعية حقوق الإنسان كلها جهات حكومية مسوؤلة عن حماية حقوق المواطنين وحفظ أمن المجتمع.

ولكي تتحقق هذه الإمور فهي بحاجة للعمل على مايلي:

1- تعديل الأوضاع الداخلية في المحاكم:

المحاكم السعودية بحاجة إلى تنويع وتخصيص وإعادة هيكلة داخلية جديدة في التنظيم والإدارة، وكما يحتاج المجتمع إلى زيادة في عدد المحاكم فهو يحتاج إلى زيادة في عدد القضاة، فمنذ صدور نظام المرافعات الشرعية وتفعيل لائحة الإجراءات الجزائية بالمرسوم الملكي رقم 39 بتاريخ 28/ 7/ 1422 هـ تبعا لقرار مجلس الوزراء لعام 2005 م بتاريخ 14/ 7/ 1422هـ أدى ذلك إلى زيادة في عدد القضايا وحجمها ممايشكل ضغوطا كبيرة على القضاة، فالعدد قليل والمواعيد متضاربة.

وإيجاد محاكم متخصصة في مختلف المجالات الحقوقية، والأسرية، والجنائية، والتجارية، والإدارية، والجزائية، والعمالية وماشابهها فإن ذلك كفيل بتحقيق المهارة والإتقان وسرعة الإنجاز في العمل.

إضافة إلى دورة الإجراءات العدلية المطولة في نظام المحاكم السعودية، والتي تحتم إيجاد محاكم جديدة، ومتنوعة، ومستقلة، والعمل على فتح فروع لمحكمة التمييز في مختلف مناطق المملكة – طبقا لتزايد عدد السكان – ومنح الصلاحيات لأقسام تلقي الدعاوى في إحالة الدعوى وتوزيعها على القضاة بشكل متساوي مما يؤدي ذلك إلى ترتيب المواعيد والإيفاء بها.

2- ترك التسويف والمماطلة:

مما يؤدي ذلك إلى تأجيل مواعيد الجلسات وعدم معالجة الكثير من القضايا، مما يعطل مصالح الناس ويؤخر سعيهم تجاه قضاء مصالحهم وأمورهم الحياتية، فعادة عند حل أي مشكلة أو قضية ما فالإجراءات تلزم المدعي أن يقدم كل مالديه من أدلة وإثباتات كبينة لحظة إقامة الدعوى، كما أن المدعى عليه متى تم تبليغه وتحقق علمه بوجود الدعوى فمن واجبه الحضور بكامل جاهزيته لتقديم حجة النفي والرد على الدعوى، خاصة أنه يبلغ بموعد الجلسة بوقت كافي إضافة إلى أنه يستلم صورة من لائحة الدعوى.

لكن للأسف أن ما يحدث خلاف ذلك فعادة لايتم البت في القضية والنظر فيها بكامل جزئياتها سواء حضر المدعى عليه أم لم يحضر، وتبدأ عملية التسويف والمماطلة من المدعى عليه، وتأجيل القاضي النظر في الجلسة بغية الإستيضاح والتحقق من البينة والدفاع والأدلة. مما يتطلب ذلك تحمل كافة المسؤولية من القضاة في الإطلاع على القضية «الدعوى» أيا كانت والبت فيها دون تأجيل، لاسيما تفعيل المادة «55» من نظام المرافعات الشرعية في مسألة الحكم الغيابي للحيلولة دون عملية التأجيل والمماطلة بحجة غياب المدعى عليه.

وإذا كانت هذه الإمور لها إنعكاساتها السلبية على أصحاب القضايا في عموم المجتمع، فلنتصور مدى تأثيرها على المرأة بشكل خاص، والذي يتابع المشاكل الإجتماعية ويزور المحاكم يرى العجب، بالذات معاناة السيدات كل تشتكي نتيجة هذا التقصير والإهمال.

3- أهلية المجتمع وكفاءة القضاة:

من الملاحظ بأن هناك تقصير ونقص واضح في إعداد القضاة وإبرازهم محليا، برغم أن مجتمعنا كان يمتلك الكثير من الفقهاء المجتهدين والقضاة المؤهلين الذين ذخرت بهم منطقة الأحساء والقطيف في السابق، وقد كانوا في موقع الصدارة للمهام الدينية والإجتماعية بمختلف أنواعها، وكانوا موضع إحترام وتقدير وكان المجتمع يتسابق بكله في ترشيحهم وإنتخابهم والتعاون معهم، لكننا اليوم بحاجة ماسة إلى التعاون والإتفاق لإبراز كفاءة بعض فقهائنا علميا وإجتماعيا، وإبراز وجودهم على المستوى المحلي والعالمي، وأن نمنحهم الفرصة مراعاة لمصلحة العامة من الناس، وتفاديا لبقاء بعض القضايا المعلقة أومهملة ومتعسرة.

4- المرأة.. المرأة.. المرأة هي من تنقذ نفسها بنفسها:

أهمية التثقيف الذاتي للمرأة السعودية، عبرالقراءة والإطلاع، والمعرفة بحقوقها العامة وحقوقها الخاصة كزوجة، فهي برغم ما وصلت إليه اليوم بجدها بمثابرتها بقوة شخصيتها بعلمها بعملها بمشاريعها بإنجازها بعطائها بوطنيتها، تبقى جاهلة بحقوقها، فسرعان ماتهان كرامتها وتهزم شخصيتها وتعامل بإستغلال وسيطرة، تعيش منتهكة أضعافا من الرجل، ليت يتسنى لكل قارئ أن يرى كيف يتم التعامل مع المرأة السعودية المواطنة في وسط قاعات المحاكم، وكيف ينظر لها، لاتجد من يقف بجانبها ولو بكلمة سواء كانت مخطئة أو غير مخطئة وكأن الرحمة والإنسانية إنتزعت من القلوب، بل وللأسف الشديد تعامل بإزدراء وإحتقار.

لذلك فهي مسؤولة عن حماية نفسها بنفسها، وعن كيفية الدفاع عن حقوقها، بالحديث والحوار، والجرأة في التعبير عن رأيها وموقفها، وبالمناقشة فهي أدرى بمصلحتها، وهي الأقدر على تشخيص مشكلتها عندما يقع عليها الظلم، وأن لاتعتمد على غيرها ومن ينوب عنها في حل قضاياها، فمواقف الحياة الصعبة تحتاج إلى توكل على الله، وثقة بالنفس وإلى شجاعة فكفى بالمرأة إمتهانا لذاتها ولكرامتها، كفاها ذلا عاشت فيه شتى ألوان القهر والظلم في عهود سابقة برواسب إجتماعية بعضها عادات وتقاليد خاطئة، فاليوم تعيش المرأة عصرا مختلفا تغمره الصحوة الدينية والعلم والمعلوماتية وكل سبل المعرفة متاحة أمامها عكس السابق، فلا تنظر إلى الخلف بل تتقدم للأمام، ولا تنتظر من يقدم لها حقوقها على طبق من ذهب، فالحقوق تؤخذ ولاتعطى، وصدق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عندما قال «ماضاع حق وراءه مطالب».

والمرأة أيضا معنية بالإطلاع والتعرف على الإجراءات الإدارية والعدلية والقانونية ودور كل منها، والتعرف بالمؤسسات التابعة لها، وهذه المسؤولية مكلفة بها وزارة الإعلام، ووزارة المعارف بتطوير مناهج التعليم والتربية الوطنية، وإدراج هذه المفاهيم ضمن خططها المستقبلية.

5- دور الجامعات:

للجامعات دور كبير في فسح المجال أمام الدراسات المتخصصة في دراسة القانون، خاصة للطالبات، فهذا يجعلهن مطلعات عن قرب على الأنظمة والقوانين المحلية والدولية، ويمكنهن من التعرف على مختلف الأنظمة الجزائية، ويغرس في نفوسهن قيم الخير والعدل والدفاع عن المظلومين، ويمكنهن من الدفاع عن المرأة في مختلف قضاياها، وإيجاد – قسم أنظمة – للطالبات بادرة جيدة، وخطوة مفيدة للغاية قامت بها جامعة الملك عبد العزيز بجدة، وجامعة الملك سعود بالرياض يشكرن عليها ونتمنى إفتتاح هذا القسم في كل الجامعات حتى يتسنى للكثير من الطلبة الإلتحاق بها..

6- توظيف الكوادر النسائية بالدوائر الحكومية:

لا سيما في مراكز الشرطة، وفي المحاكم، وفي الدوائر الداخلية فهذا بدوره يساهم في تيسير وتسهيل أمور المرأة سواء في الإجراءات أو في إعادة الحقوق من جهة، وفي زيادة برامج التوعية والتثقيف للعنصر النسائي من جهة أخرى. والمرأة عادة أقرب للمرأة، وأقدر للوصول إليها في أمور يعجز العمل عليها والوصول لها عن طريق الرجل، كما أنني أرى بأن مشاركة المرأة في وظائف المحاكم، وممارستها في الأنشطة، ومكاتب المحاماة، والإستشارات القانونية ضرورة لابد منها وحق يجب أن تمارسه.

7- تفعيل الهوية الشخصية للمرأة السعودية:

منذ ما يقارب أربع سنوات تم العمل على إصدار بطاقة شخصية خاصة بالمرأة السعودية، لكن للأسف لم تفعل بالشكل المطلوب، ففي أكثر الجهات الرسمية والحكومية لا يعترف بها، والمطلوب هي بطاقة العائلة الخاصة بالزوج، حتى في المحكمة لايعترف إلا ببطاقة الأحوال الخاصة برب العائلة ومن الظلم الذي يقع على المرأة لا يكفي تعليقها فقط، بل حرمانها من الأوراق الثبوتية الخاصة بها وبالأولاد، وسحب كل مايمكن أن يثبت هويتها من جواز سفر، أوأوراق رسمية أو بطاقة العائلة التي تشمل أفراد الأسرة، فلا يمكن أن تضم أبنائها للمدرسة وهناك البعض من الأبناء تجاوزت أعمارهن سن المدرسة ولم تحصل لهم فرص الإلتحاق بالتعليم بسبب فقدان هذه الأوراق، الذي يعمد بعض الأزواج إلى الإحتفاظ بها وإخفائها إنتقاما من الزوجة، فإضافة إلى معاناتها كمعلقة أو مطلقة لايمكنها مراجعة المستشفى، ولايمكن فتح حساب بنكي لتأمين مستقبل أبنائها إلا ببطاقة العائلة ولايمكنها الإلتحاق بوظيفة تؤومن فيها نفسها ووو… الخ مما تزيد حياتها إضطرابا وقلقا أكثر.

8- دور جمعيات ولجان حقوق الإنسان:

بأن تمتلك خطط واضحة في ممارسة عملها ودرهاالحقيقي على تعديل القوانين، والمطالبة بإصلاح التشريعات القديمة التي عفى عليها الدهر وتعديلها والتحقق منها، والضغط على أصحاب القرار للعمل عليها ومباشرة تنفيذها، وأن تبذل جل جهدها في تعزيز مبادئ العدل ورفع الظلم ليس بالنظر في المشاكل ورصدها فقط، بقدر ماتسعى للبحث عن أسباب المشكلة ومعالجتها من الجذور، وأن تفعل صلاحياتها في العمل على إيجاد أنظمة وضوابط رادعة وتشريعات تمنع العنف والإعتداء وممارسة الظلم.

إضافة إلى دورها في صنع برامج التوعية بالحقوق، والتثقيف بطريقة المطالبة بها والدفاع عنها لدى كافة أفراد المجتمع. وهنا أطالبها بإيجاد وثيقة أومادة مقننة مفهومة وواضحة سهلة التناول بيد المواطنين كافة تعرف كل فرد ماله وماعليه.

9- المجتمع بحاجة إلى جدية وزارة العدل، وإهتمامها بتطوير نظم القضاء وإصلاح هيكليته من الداخل في إدارته وأساليب عمله ومنهجيته، والأهم من ذلك كله تمكين علماء وفقهاء وقضاة معاصرين واعين بزمانهم وبحجم المتغيرات التي يمرون بها، وأن يكونوا على إستعداد تام لتلبية ما يعترض جيل الأمة وأبناء المجتمع من مستجد يتوافق مع الشريعة الإسلامية السمحاء، فهي منهج حياتي حضاري متكامل توفر الأمن والسعادة والطمأنينة للفرد، لذلك تحتاج بإستمرار إلى تجديد في الفكر وإجتهاد في الفقه مع التأكيد على النصوص والثوابت، وبالذات إنصاف المرأة وإحترامها، ورفع التمييز عنها ومنحها حقوقها الشخصية الخاصة والعامة فهي ريحانة كما قال عنها رسول الله .

نموذج مشرف:

مثال في إحترام التعددية وقوانين الأحوال الشخصية – في لبنان – مجتمع يضم مايقارب 17 طائفة متتعددة ومتنوعة، وقد منح لكل طائفة شخصية معنوية إعتبارية يخولها التشريع، والقضاء في مجال أحوالها الشخصية بشكل ملزم للرعايا المنتمين إليها، بل أكثر من ذلك أعطي ذلك الحق لكل طائفة بأن تدبر شؤونها وتحدد أولوياتها بشكل لايتنافى مع النظام العام. وقد كرس ذلك كله في المادة التاسعة من الدستور اللبناني التي تنص على «أن حرية الإعتقاد مطلقة، والدولة… تحترم جميع الأديان والمذاهب، وتكفل حرية إقامة الشعائر الدينية تحت حمايتها، على أن لايكون في ذلك إخلال بالنظام العام وهي تضمن للأهليين على إختلاف مللهم إحترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية»[8] .

كلمة أخيرة:

في ظل غياب القانون تضيع الحقوق، وفي ظل التقدم والتطور تندثر القيم، وينعدم الضمير وتضيع الإنسانية، لكن ومع كل ذلك تبقى بذرة الأمل تكبر في نفوسنا، وتترعرع في أوساطنا لأننا المجتمع الأول الذي رفع راية العدل والتوحيد، وراية الإسلام والسلام، والغيوم عادة لاتبقى ملبدة في السماء، والشمس ساطعة دائما حتى لو إكتسحها الضباب، ومن أشعتها المشرقة كل صباح تجعلنا نستنشق الأمل ولولا الأمل لفقد نا طعم الحياة.. فلاحياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة.

————————
[1] سورة النساء آية -35.
[2] وسائل الشيعة في مسائل الشريعة.
[3] سورة البقرة: 229.
[4] جريدة عكاظ أحمد ضيف عدد 14532- 10 يونيو2006م.
[5] سورة البقرة: 229.
[6] كنز العمال ج8 ص43.
[7] رسالة الحقوق زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب .
[8] نظام الأحوال الشخصية اللبناني.
ملاحظة: إضافة إلى المصادر المذكورة أضف ذلك: إطلاع على النظا م الأساسي للحكم في السعودية – نظام المرافعات الشرعية.

أضف تعليقاً