أ . عالية فريد >> تحقيقات


إلى أين تسافر في هذا الصيف؟

6 يونيو 2003 - أ . عالية فريد

تنافس محموم وعروض ساخنة كسخونة الجو في حرارة الصيف، وحملات دعائية مدهشة تروجها شركات السياحة والطيران نحو السفر والمتعة، والراحة والتجوال بين دول عربية وأخرى أجنبية بدأ من بيروت، دمشق، عمان، وإنتهاءا من بروكسل، جاكرتا، وروما، التي تعد أكثر البلدان إرتيادا من أهل الخليج بالذات، فقد خفت بريق الولايات المتحدة الأمريكية، وبرغم الإنخفاض الجوي في لندن والتقلبات والأمطار إنخفض أيضا مستوى تطلع السياح إليها، وتغيرت وجهة نظر الناس تجاهها، ساهم في ذلك أسباب عديدة من أهمها أحداث 11 سبتمبر، والغلاء الذي عصف بكل أنواع العملات الأجنبية. إضافة إلى ذلك بدأ توجه الناس إلى بعض الدول العربية وذلك لما تقدمه من خدمات راقية نوعا ما، وما توفره من إمتيازات سياحية تقدمت بها خلال السنوات الأخيرة، و لتوافقها كثيرا مع ميزانية الأسرة الخليجية.لقد أصبح السفر اليوم حاجة ماسة و ضرورة ملحة لدى الغالبية من الناس لا يمكن الإستغناء عنه، إذ يعد من المتلازمات المهمة “برستيج” في الحياة لكثير من الأفراد ودلالة يشار بها إلى تطورهم وتحضرهم، وعنوانا لوجاهتهم الإجتماعية، حتى لو أدى بهم ذلك إلى التنازل عن حاجات ومطالب أساسية في الحياة، وقد يكون على حساب تحملهم العبء وإثقال كاهلهم بالمصاريف وتراكم الديون، المهم أن يتجول الفرد سائحا خارج بلاده وأن تسافر الأسرة ويستمتع الأبناء بغض النظر عن أي أمور أخرى.

والسفر كما عهدناه للراحة والفائدة والإستجمام، وللمتعة والترويح عن النفس، لكن هناك قسم كبير من الناس يجهلون قيمة السفر، ويضيعون على أنفسهم فرص الإستفادة منه بالبحث عن الملذات والشهوات، والتبضع والشراء حتى إرتبط السفر عند الكثيرين منهم بالتسوق فقط، وهذا مادفع الجهات العالمية المنتجة أن تستعين بخبراء ومراكز بحوث ودراسات لتطوير إنتاجها كما وكيفا، من أجل توسيع رقعة أسواقها الإستهلاكية وتعزيز مدخولها الإقتصادي، كما تلعب أجهزة الإعلام دورا كبيرا في خدمة أغراض التسويق عبر أساليب دعائية ووسائل إعلانية تتفنن في الإغراء وإستقطاب الزبائن المستهلكين من السياح. لاسيما الخليجيين ففي عام 1423هـ قدر إنفاق الخليجيين ب27 مليار دولار سنويا على رحلات السياحة والسفر إلى الخارج، وإن السعوديين والكويتيين هم أكثر الجنسيات الخليجية إنفاقا، وقد قدر عدد السياح السعوديين في الخارج بأربعة ملايين سائح سنويا، وبلغ إنفاقهم في بعض الدول العربية والأجنبية ب45 مليار ريال تقريبا.

وعادة ما تتصارع الرغبات الأسرية قبل موعد السفر بأيام بل بشهور أحيانا، وتمتد وتيرة النزاع بين الآباء والأبناء وفي وسط العائلة حول وجهة السفر إلى أين؟ داخل البلاد أم خارجها؟ والرحلة بأي إتجاه تكون دولة عربية أم أجنبية؟ وكم تستغرق المدة؟ وكيف يتم قضاء الوقت؟ وماهي وسيلة السفر المناسبة؟ إضافة إلى ذلك تعيش الأسرة حيرة من الأمر فبرفقة من تسافر هل لوحدها أم برفقة الأصدقاء أم مع العائلة، ويتأزم وضعها أكثر بالذات إذا إرتبطت بالوالدين (كبار السن) أيضا حيث يزداد الأمر تعقيدا، فهل يمكن الجمع بين الأجداد والأباء والأحفاد في رحلة واحدة؟ وهل هناك ضرورة للرفقة في السفر؟ و كيف يمكن أن يتحقق التوافق بين مطالب الآباء ورغبات الأبناء؟ هل السفر يحتاج منا إلى تخطيط مسبق؟ كيف تعيش رحلة سفر سعيدة؟

 

للتعرف على هذه الهموم أجرينا هذا الإستطلاع
أبو عبدالله متعود كل عام يسافر مع العائلة يقول: لا أستطيع أن أترك السفر مهما كان وقد تعودت عليه وعندما أصاب بضائقة مالية يعينني علىذلك بيع أسهمي المشارك بها في بعض الشركات، المهم أهرب عن حرارة الصيف.

زكي المعلم – موظف شركة – يقول رغم خسارتنا فرحلتنا فاشلة، بعت سيارتي الجديدة تحقيقا لرغبة زوجتي التي أصرت أن نسافر إلى لندن لتتباهى بين صديقاتها اللاتي يتفاخرن عليها بسفرهن كل عام، لكن فور وصولنا المطار سرقت حقيبتنا اليدوية بما فيها فعدنا صفر اليدين وبدل الخسارة صارت خسارتين.

– الرفقة في السفر:والمرء في حال السفر لايخلو من مواجهة أخطار أحيانا كاالسرقة، أو المرض، أو التعرض لحادث ما، وإضافة إلى الأنس والتعارف جاءت تعاليم الإسلام التي تدعوا إلى إتخاذ الرفقة أثناء السفر فالنبي الكريم (ص) يؤكد (الرفيق ثم الطريق)، و يستحسن موافقة الرفاق ومعاشرتهم بالخلق الحسن، وإجتناب مضايقتهم وإزعاجهم والعمل على خدمتهم لكن في حدود.

أميرة – ربة منزل – تقول: قبل أن نقرر السفر إعتدنا التصويت للمكان الذي نختاره، فنحدد دولتين إحداهما عربية والأخرى أجنبية ونترك المجال لرأي الأغلبية في الأسرة، ونحن كأسرة لسنا ضد السفر مع الجماعة، لكن نفضل السفر بمفردنا لنحصل على الراحة التامة بعيدا عن الأمزجة المختلفة والتقيد بإلتزامات نحن في غنى عنها نخرج ونسهر وننبسط على راحتنا.

وترغب حنان السفر مع أسرتها لتكون حرة طليقة في تصرفاتها، فتقول: أنزعج كثيرا عندما يرافقنا أحد والسبب أحيانا يكون خارج عن إرادتنا، فقد صادفتنا عائلة صديقتي في الطائرة وأصرت على مرافقتنا طوال الرحلة ورغم محاولتنا التأقلم معها إلا أنني لم أستمتع كما يجب، حيث أجد جزء من متعتي في التبضع والإطلاع على كل جديد، وكنا نخرج سوية إلى السوق فإكتشفت أن زوج صديقتي يرفض أن يلبي لها كل رغباتها، فامتنعت عن الشراء طوال الرحلة مراعاة لشعورها.

– حفاظا على الخصوصية:أما سلام – موظفة – فتفضل السفر مع أسرتها حفاظا على الخصوصية فتقول: أنا موظفة وأحب أن أختص بزوجي وأطفالي فقط، لتجديد علا لاقتنا كزوجين ولتقوية أواصر المحبة بين أبنائي وتعويضهم بساعات الغياب التي أقضيها وأنا بعيدة عنهم، فاالعائلة والأصدقاء هناك أوقات ألتقي معهم فيها،لكن السفر له خصوصيته، وإن صادف وإلتقينا بأصدقاء في السفر فإني أتعامل معهم بلباقة و ضمن حدود اللقاء كالنزهة مثلا أوتناول وجبة في مطعم أو زيارة متحف وكل عائلة تذهب لحال سبيلها.

وتعلق ندى قائلة: خصوصيتي أجدها في التجوال بالذات في الأسواق القديمة والحديثة، فليس شرط أن أشتري المهم أنني أبحث وأستمتع،وأكره من يرافقني في السفر حتى لو كانت عائلتي فإنهم يترصدون لي بالمطالعة والمراقبة المستمرة ماذا إشتريت؟ ولماذا؟ وإن لم يتكلمو فنظراتهم تكفي لإحراجي.
– إمتنعت عن السفر بحثا عن الراحة:أم فهد تعاني قائلة: زوجي وحيد أبويه، فنحن لانقرر أن نذهب لأي مكان إلا وأهل زوجي معنا، وهذا يجعل حياتنا عرضة للإشتباك والتوتر والمشاكل الزوجية المستمرة، فرغباتهم مختلفة عنا لهم وقت محدد للأكل والنوم والخروج وحتى المشي والتجوال قدرتهم محدودة ولا طاقة لهم على ذلك، فقررت الإمتناع عن السفر بحثا عن الراحة.

– حافظ على شخصيتك:يتعمد الكثير من الناس خرق العادات والنظم التي تعود عليها في حياته فمجرد أن يستقر خارج بلده يبدأ بممارسة سلوكيات غير لائقة قد تؤثر عليه سلبا دون أن يشعر، بحجة الراحة وتجنب الروتين مثل ممارسة التدخين، والإبتعاد عن ممارسة الرياضة،و التخمة والإفراط في الأكل،و كثرة النوم فيحرم نفسه وأسرته من الإستمتاع والإستفادة.
تتحدث سعاد الحداد قائلة:لانستمتع كثيرا بالسفر رغم أن الأولاد ينتظرون الإجازة بفارغ الصبر،فإنهم ينزعجون لإنشغال والدهم عنهم بالنوم والراحة داخل الفندق، والإنشغال عن ممارسة الرياضة بكثرة التدخين والإفراط في الأكل، ممايشكل ذلك عبئا على إبني الأكبر حيث يتولى مسؤولية الأسرة.

ويبين أحمد التركي راحته الدائمة في السفر حيث عوده ذلك على النظام، والإستيقاظ باكرا،وممارسة رياضة الجري في رحاب الطبيعة، ودفعه سفره للإهتمام بالوقت وحب القراءة والإطلاع، ويقول أجمل مافي السفر أن يكتسب الشخص يعلق الإستاذ جعفر الخزعل – بكالريوس علم نفس عيادي ودبلوم توجيه وإرشاد طلابي – جامعة الملك سعود – الرياض – قائلا: مما يؤسف له ان بعض الظواهر الإجتماعية والتي ظهر بعضها مؤخرا كموضوع السفر للخارج دون مبررات مقبولة عقلا أو عرفا كالعلاج والعمل وحتى الترويح عن النفس (سافروا تصحوا)، ليست قيد الدراسة الموضوعية أكاديميا، وبالتالي فمن الصعب الحكم عليها من حيث السلب والإيجاب، ولكن يمكن الحديث عن خطوط عريضة حول الموضوع من الناحية النفسية والإجتماعية، فما أن يقدم الصيف بحره المعهود في الخليج عموما وفي المملكة خصوصا حتى يبدأ الشباب في المرحلة العمرية التي تقع بين 22- 40 عاما ييممون وجوههم شطر الغرب وأوربا لأسباب منها ما يتعلق بالعمل والعلاج والسياحة المشروعة (زيارة المتاحف وآثار الأمم ومقتنياتهم الحضارية والثقافية والتعرف على شعوب العالم وتقاليدهم..) ولكن البعض يسافر لامن أجل هذه أو تلك، بل من أجل ما يعتقدون أنه يكمل من مكانتهم الإجتماعية (prestige) أو وجاهتهم في المجتمع الذي ينتمون إليه أو من أجل إثبات الرجولة والإستقلالية،بل أن بعضهم يقوم بالسفر من أجل المباهاة والمفاخرة الزائفة، ويبذل في سبيل ذلك الغالي والنفيس، فبعضهم يلجأ للسلف والكذب من أجل الحصول على التمويل المناسب لهكذا مجازفة، وقد يلجأ بعضهم لأخذ حلي زوجته ومجوهراتها لرهنها أو بيعها متجاهلا إذن الزوجة، وبعضهم يلجأ إلى شراء سيارة جديدة بالأقساط ويبيعها بأقل من سعرها في الحراج، أو يضحي بأسهم تعد من مدخرات العائلة أو رهن أرض أو بيعها ويسافر بما يحصل عليه، ثم يعود لتشاركه أسرته التي تركها دون عائل ودون مصروف بيتي، هموم الديون وشظف العيش وأقل ما يمكن أن يقال عن تصرف هؤلاء بأنه تصرف لامسئول وسلوك غير سوي زاده المفاخرة والمباهاة والأنانية وقلة الإحساس بالآخرين.

وقد يغلب على بعضهم طابع السكوباثية فشخصياتهم مضادة للمجتمع، فهم لايحترمون الآخر ولا يتقيدون بقوانين أو أنظمة وقد يسيئون لأنفسهم ولمن حولهم. وتبقى هذه الظاهرة مستمرة مالم تدرس أسبابها الموضوعية، وبالتالي إيجاد العلاج المناسب إجتماعيا على الرغم من أن المؤشرات تفيد بتنامي الظاهرة في ظل إنتشار برامج التنشيط السياحي المحمومة، والتي يمكن الإضطلاع عليه بواسطة الأقمار الإصطناعية عن طريق الشبكة العنكبوتية والقنوات المتنامية، فالكون اليوم بين أنامل الصغير والكبير والعروض مغرية، وتبقى الظاهرة دون دراسة ودون حل، ولعل ذلك يستمر حتى يقوم شبابنا بحل المشاكل الإقتصادية للدول المستهدفة سياحيا.

– لكي تحقق سفرا سعيدا لك ولأسرتك:ويستعرض جمال لمطير – مدير إدارة الإمتياز في قطاع التنقيب والإنتاج وإستشاري في التطوير الذاتي والهندسة النفسية – أرامكو – – قواعد التخطيط الواجب إستخدامها في السفر للوصول إلى الأهداف المنشودة، والتي يمكن من خلالها تحقيق التوافق بين الآباء والأبناء للحصول على إجازة سعيدة فإنه يقترح إتباع العشر نقاط التالية:

1) حدد بدقة أهدافك من السفر، هل هو للراحة أو التعلم والمعرفة أو للتسوق أو لإسعاد الزوجة والأولاد.

2) عندما تحدد الهدف، يجب أن تناقش الهدف مع الأشخاص المعنيين، فليس من الحكمة إطلاقا أن يكون الهدف إسعاد الزوجة والأولاد ثم تقوم بالتخطيط لأنشطة تكون مملة أو غير مسلية بالنسبة لهم.

3) عندما يكون الهدف هو الراحة أو التعلم والمعرفة، فيجب أن تتأكد بأن المرافقين يفهمون بدقة ماذا تعني كلمة الراحة أو التعلم بالنسبة لك، حتى يستطيعوا التأقلم مع الأنشطة المترتبة عليها، ومن الجيد أن يعرف الأولاد أن الراحة تعني أن الأجازة ستكون غالبا في مكان واحد مفضل لديك، وأنهم يجب أن يأخذوا معهم بعض الأدوات التي توفر لهم التسلية كبرامج الألعاب الإلكترونية، أو أشرطة الفيديو التي يحبونها وغير ذلك.

4) تأكد أن ما تحتاجه لتحقيق الهدف من السفر هو تحت سيطرتك أنت، فليس من الحكمة مثلا أن تخطط لقضاء إجازة في عالم ديزني بالولايات المتحدة ثم تكتشف بأنك لم تعطي نفسك الوقت الكافي لإستخراج التأشيرات فعندها تقرر السفر بسرعة ودون تخطيط لعالم ديزني بفرنسا.(قد يبدو هذا التغير مقبولا لك وللزوجة، ولكن قد يثير الإنزعاج للأولاد بسبب الصورة الذهنية التي رسموها لأنفسهم عن الفرق بين ديزني لاند فلوريدا وبين ديزني لاند باريس، كما أن المصاريف المالية تختلف بلا أدنى شك بين الولايات المتحدة وفرنسا.

5) تأكد من أن مكان السفر وطبيعة الأنشطة في المنطقة التي ستذهب إليها لاتتعارض مع قيمك أو القيم التي تريد أن تزرعها في أولادك، فليس من الحكمة مثلا الذهاب لقضاء وقت طويل داخل مدينة امستردام المعروفة بالحرية التي لاحدود لها.

6) أشرك العائلة بالتخطيط المالي للرحلة، وتأكد من أنهم يعرفون كم تخطط للإنفاق، واطلب منهم مساعدتك بالأفكار والقتراحات التي تعينكم على قضاء إجازة سعيدة دون تحميلك الإستدانة من البطاقة الائتمانية أو من الآخرين.

7) علم أولادك كيف يقيسون نجاح الرحلة، إطلب منهم أن يخبروك ماهي المقاييس التي يستخدمونها لتحديد نجاح الرحلة من فشلها. فكثيرا ما يذهب الأولاد بتصور معين ثم يرون أشياء أخرى فيبدأون بالتذمر وإشعار الوالدين بالذنب، لذا يجب أن يحددوا من البداية الأشياء التي يريدون تحقيقها ويتعلموا كيف يقيسون تحقيقها، فمثلا يقول الأولاد أن مقياسهم لنجاح الرحلة هو الوصول إلى…..ثم الحصول على….. وهكذا حتى تتكون لديهم صورة عقلية متفق عليها.

8) إجعل تخطيطك المالي مرنا، وأضف نسبة لاتقل عن 20./0 للمفاجآت كالمرض لاسمح الله أو الحوادث أو الرغبة في تغيير مكان السكن لعدم مناسبته، أو لعمل بعض الأنشطة التي لم تكن تعلم بها وتريد أن تنجزها الآن بدل العودة مرة أخرى.
9) لاتقلل من أهمية التسوق لدى الزوجة والبنات، فهذه من أحد الأنشطة الرئيسية التي تضفي سعادة غامرة وذكريات طيبة، عود نفسك على الإستمتاع بالتسوق أو الجلوس للقراءة ومصاحبة الأولاد الذكور.

10) حتى تنجح في النقاط التسع السابقة، لابد من العودة للنقطة الأولى، وتأكد من أنك وأفراد عائلتك تعرفون وتتفقون على الهدف من تحمل مشاق السفر ” فالسفر قطعة من العذاب ” كما ورد في الأثر.

أضف تعليقاً