أقوى مقال بعد فضيحة جدة

وطن من صفيح … ثم ماذا ؟؟

بقلم : جميل الرويلي

لا أدري ما المشكلة في أن يموت مائة مواطن في جدة بسبب الفيضانات ؟؟!!.
ردة فعل غريبة حقا تدل على أننا شعب ” وهلاوي ” تهمه الوهلة التي يراها أكثر من الأسباب الحقيقية للهلاك ! . و المشكلة كلها تتعلق في أن هؤلاء الموتى رحمهم الله ماتوا تحت وطأة سيل يمشي في الشوارع و تلتقط صوره الجوالات , له هدير و صهيل و الناس بداخله يصرخون ثم يموتون خلال يوم أو يومين , و لو أنهم ماتوا خلال سنة مثلا لما حدث كل هذا الضجيج ! .
في جدة ألف بلاعة مفتوحة تزدرد الأطفال كل عام و آلاف اللصوص و مثلها من مصانع الخمر و أوكار المخدرات و لكنها تقتل بصمت و خلال مدة طويلة ! . في طريق الشمال – أبو حدرية يموت أكثر من مائة شخص كل عام بسبب الحفر و الغدران التي تتكون أثناء الأمطار و أكثر الأسباب كان ” البعارين ” الضالة و مع هذا لم يحدث أية ضجيج لأن هذا السبب يقتل الكثيرين و لكن خلال مدة زمنية طويلة مع أن حل المشكلة و وضع سياج يمنع مرور الإبل لا يكلف ثلاثين مليون ريال و ليس سبعة مليارات كما في مشاريع جدة و لم يتكلم أحد لأنهم لا يموتون تحت كاميرات الجوالات و يموتون خلال سنة أو سنتين .

عمتي كانت تنتظر مولودا ذكرا منذ عشر سنين بعد ثمانية بنات و عندما حملت به أخرجه الطبيب في عملية قيصرية و هو يسحبه من يده و رجله فأصيب بتهتك في الأربطة و هو الآن شبه مشلول بسبب ذلك السباك الذي أجرى العملية و مثل هذا يحدث كل يوم ! .

في مستشفى الجوف ممرضة تغسل مولودا فيسقط و ينكسر رأسه فتضعه في كيس و ترميه في بركة المجاري في المستشفى و يتم اعتباره مسروقا و تثار ضجة إعلامية ثم يكتشفون جثته بعد سنتين ! . ممرضة فلبينية يغتصبها زملاؤها و يقطعونها و يدفنوها في حديقة المستشفى الخلفية و يتم اكتشافها بعد عدة سنوات , في مستشفى التخصصي يخبرني زميل يعمل محلل معلومات بأن هناك بحث داخلي خلص إلى أن 60% من حالات الوفيات في غرفة الإنعاش في المستشفى تحدث بسبب تلوث بيئة العمل و يتم التكتم على التقرير !! .
كم مدرسة تموت سنويا على طرقات السعودية بسبب الواسطات و التعيين العشوائي ؟.
و غيره و غيره …

الأسباب التي تقتل الكثيرين موجودة و بكثرة و لكنها تحدث بصمت و على مدى طويل ! , المشكلة في فيضانات جدة أنها حدثت في الشارع و خلال ثلاثة أيام ! , فنحن إذن لا نناقش ” أسباب الهلاك ” و لكننا نناقش ” لماذا حدثت بهذه الصورة ؟ ” 
عندها سأقول طالما أن النقاش متعلق بـ ” الصورة ” فلا ضير أن يموت سكان السعودية عن بكرة أبيهم لأنهم ليسو بأكرم من شعب الفلوجة و لا غزة فهم أيضا ماتوا بكثرة و بصورة مخيفة علنية ! .
كلنا نعلم أن هناك حرامية كثر و نعرفهم و نعرف اسماءهم , لماذا الآن فقط نتحدث عنهم ؟ .
لأنهم سبب في القتل ؟
كل حرامية البلد يقتلوننا بشكل أو بآخر !! .
هي فرصة لـ ” فضح ” الفساد ؟
الفساد لا يمكن فضحة فقد جاءت حرب الكويت و علمنا أن قواتنا الضارطة أقصد الضاربة التي كنا نراها على محطات الوطن العظيم ليست إلا دمى أطفال و أن أموال الدفاع و الجيش أحيلت لتشغيل الخطوط السعودية ! , و مع هذا لم يفضح أحد ! ..
محافظ منطقة مكة لا ينبس ببنت شفة لأن كل اللصوص حوله يقولون بنبرة خبيثة : ” محنا دافنينوا سوا !! ” .
الآن سنصبح نقّاد و عظماء و نجمع حولنا رعاع المنبهرين بهذه الوهلة ؟؟ ..
ستمر الوهلة و يبرد كل شيء …

عينو خير و تعوذوا من إبليس … و اتركوا المهايط اللي ما له سنع !! ..
و كل واحد يروح يشوف شغله و اتركوا حركات ” الركض خلف الحرامي ” حين تصرخ إحداهن في الشارع و تشير بإصبعها …
حراااامي حراااامي !! ..
فعلا قد يبدو المنظر خطير و مثير بأن تنطلق الفرسان خلف الحرامي و لكن الأمر في النهاية هو ” أكشن اجتماعي ” و ليس ” خلق نقدي صحيح ” لأن النقد يناقش الأسباب الحقيقية و مقدار تأثيرها و ليس يربط ذلك بمظهر الحدث و ضجته و عنفوانه !! .
و استمتعوا بوطن الصفيح ! ..

نصيحة أخيرة :
إن استطعت أن تكون حرامي … فكن !! .