أ . عالية فريد >> حديث الشهر


العنف الأسري وحقوق الطفل

17 يناير 2007 - أ . عالية فريد

بأي حق تنتهك حقوقهم وتسرق طفولتهم إنهم أبناؤنا؟

نلحظ أخيرا تزايد مظاهر العنف في مجتمعنا، جاءت لتدق ناقوس جرس الإنذار، وتعلن عن مستقبل مخيف وغير مستقر إذا بقي الوضع كما هو عليه إن لم نحرك ساكنا، عنف متنوع بمختلف أشكاله، عصابات، شلل مسلحة بمطاوي وسكاكين، إختطاف، إغتصاب، إعتداء، إشتباكات وتضاربات، تخريب وتحطيم للمتلكات العامة والخاصة، تسرب دراسي، قتل أحيانا، فشل وهروب من ساحات المدارس غير معهود، كلها باتت ظواهر سلوكية سلبية غير معهودة قد تبدوا غريبة للوهلة الأولى، لكنها بدأت تظهر على السطح،، قد نسميهم – أطفال – لكنهم يمارسون أبشع أنواع العنف والقسوة مع ذويهم وأقاربهم من أبرياء تنتهك حقوقهم في وضح النهار، بدون أدنى روادع ذاتية أو إلتزام بقيم دينية أو أخلاقية، عناوين صارخة أخذت تظهر على صفحات جرائدنا وصحفنا اليومية يندى لها الجبين «- عشرينية تحاول الإنتحار 5 مرات هربا من قسوة والدها – شاب يعتدي بالضرب والكي على إختيه – أخ يعتدي على أخته بتهمة تعاطي المخدرات – مقيم يعتدي على طفلة في التاسعة بالمدينة المنورة – سطو وقتل ونهب» مظاهر بدأت تنتشر وبشكل مخيف لتبث الفوضى وتعبث بالأمن ألإجتماعي، فمنذ متى عرف مجتمعنا عوارض الإنتحار أو السطو أو الإجرام أو إعتداء المحارم،؟ ياترى ماهي الأسباب؟ ولماذا يغمض المجتمع عينيه ويصم أذنية خجلا عما يجري..

فحالات العنف الإجتماعي كثيرة ولعل أبرزها ظاهرة العنف الأسري، وأشدها إيذاء الأطفال وإستخدام العنف ضدهم، وعلنا ندرك أن سوء معاملة الأطفال لها تأثيرا سلبيا على حالتهم النفسية والعاطفية، ففي دراسة بينتها منظمة الصحة العالمية تؤكد أن سيدة من بين 6 سيدات سعوديات يتعرضن للعنف في منازلهن أكثر من الشوارع، وفي إستطلاع صحفي في السعودية أشار إلى أن 90% من مرتكبي العنف الأسري هم من الرجال، و50% من حالات العنف موجهة للمرأة[1] ، فمثل هذه الأحداث تبقى مثارا للجدل والتساؤل عن حالة تزايد مظاهر العنف في المجتمع، فماهي أنواع هذا العنف؟ وما هي أهم أسبابه؟

قبل الإجابة على هذا السؤال يجب أن أوضح مايلي:

1- الأطفال زينة الحياة الدنيا، وهدية الله عز وجل للوالدين، وهما ثمرة الأسرة لمسقبل زاهر مليئ باالتقدم والسعادة.

ومرحلة الطفولة تعد من أهم مراحل نمو الفرد وتكوين شخصيته المستقلة، وأكثرها تأثيرا في الإسهام في بناء الأسرة والمجتمع، لذلك نرى الإسلام أولى الطفل عناية خاصة وإعترف له بجملة من الحقوق قبل أن يأتي إلى هذه الدنيا، وقبل أن يخلق، فالتعاليم الإسلامية تحث الرجل على إختيار الزوجة الصالحة ذات الدين والخلق لأن هذه الزوجة هي أم المستقبل وهي المسؤولة الأولى عن تربية أطفالها التربية الصحيحة والسليمة.

والإسلام أقر للطفل بحقوقه وهوجنين في بطن أمه بالعناية والرعاية، وبعد ولادته إعترف بحقه في الحياة، وحقه في النسب، وحقه في الإسم والرضاعة والحضانة والإرث، فالطفل هو إنسان فرد من بني البشر بعيدا عن جنسه وعن لونه وعن موقعه، وعن مايملك، وبعيدا عن ديانته، وعن مذهبه ولغته وموطنه، ومقدار ذكائه وصحة عقله، وبعيدا عن كونه بريئا أم متهما أم محكوما عليه صغيرا أم كبيرا، هذا الإهتمام الكبير والواسع إن دل على شيئ فإنه يدل على عظمة الإسلام وعلى إحترامه للجنس البشري، وتأكيد ثقافتنا الدينية على إحترام حقوق الإنسان يعد من الضروريات التي تلازم إحترام آدمية الإنسان وكرامته التي أرادها الله لهذا المخلوق. قال تعالى ﴿ ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ﴾[2] .. فيا ترى هل إحترم المجتمع حقوق الأطفال كما كفلتها لهم الشريعة الإسلامية؟

2- إن من أهم أسباب هذا العنف، عدم إستقرار المنظومة الأسرية في مكوناتها الداخلية الإدارية والثقافية والدينية والحاكمية العرفية، فالأسرة تفتقد ثقافة السلم الحقيقيي الذي يكرس القيم الإنسانية الأساسية للحياة الأسرية، فتبقى ثقافة العنف والإنتقام والتشفي والإنتصار للنفس والذكورة هي السائدة، فتولد الإستفراد بالرأي الذي ينمي حالة التسلط لدى المتسلط سواء كان أبا أوأخا أو زوجا أو أما أو أخت..

ومن هنا تنبثق قيمة الشورى والحوار وإحترام الرأي في الأسرة والتي بدورها تفرض القيم الإنسانية والحقوقية على الجميع في تعاملهم وتفهمهم وإحترامهم لبعضهم البعض.

3- من الطبيعي أن تكون لظواهر العنف سلبياتها على المدى القريب وفي المستقبل فطفل اليوم هو رجل الغد، وبالتالي فإن العنف يولد العنف ويولد الإرهاب، والعنف الأسري يهدد الأمن السلمي في المجتمع، وهو مؤشر خطير إذا ما نتداركه ونسهين به ونتغاضى عنه ونخفي مشاكلنا لأننا مجتمع محافظ وملتزم دينيا ونتجاهل ما يحدث!!! هنا المشكلة مثلها مثل مرض – الإيدز – تماما ضللنا نخفي ونخفي حتىتفاجأنا بإنتشار المرض والمتعايشيين مع الفايروس الكثير ويقدر عددهم بمئات الإلوف في مجتمعاتنا العربية والإسلامية.

4- أنواع العنف كثيرة وأسبابه متعددة..

• هناك عنف جسدي يتثمل في الضرب يصل إلى حد ضرب الأب لأطفاله بالعصي الغليظة أوبالأحزمة الجلدية، أوبأية وسيلة متوفرة لديه كشد شعر الفتاة ولطمها بشراسة، أو إستخدام «العقال» وبعضهم يحتفظ بـ«بعود خيزران» في المنزل ليكون وسيلة للإرهاب والعنف، مما يترك آثارا لا تخفى على أجساد هؤلاء الأطفال، أو ربطهم بالقيود ـ في حال إرتكب الطفل خطأ أو فشل في تحقيق المعدل الدراسي الذي يطمح له الأب، فضرب الأطفال المبرح لازال شائعا وبكثرة، وحتى لدى بعض الأسر المتعلمة المثقفة للأسف الشديد.

في دراسة أجراها مركز مكافحة أبحاث الجريمة بوزارة الداخلية مؤخرا كشفت عن تفشي ظاهرة إيذاء الأطفال في المجتمع السعودي بشكل عام حيث إتضح أن 45% من الحالات يعرضون لصورة من صور الإيذاء في حياتهم اليومية يمثل الإيذاء النفسي أكثر أنواع الإيذاء تفشيا بنسبة 6ر33% يليه الإيذاء البدني بنسبة 3ر25% وغالبا ما يكون مصحوبا بإيذاء نفسي، يليه الإهمال بنسبة 9ر23% تليها نسبة الأطفال الذين يتعرضون للتهديد بالضرب بنسبة 32% ثم السب بألفاظ قبيحة والتهكم بنسبة 21%.

وفي حالات الإيذاء البدني فإن أكثر صورها هي الضرب المبرح للأطفال بنسبة 21%، يليها تعرض الأطفال للصفع بنسبة 20%، ثم القذف بالأشياء التي في متناول اليد بنسبة 19% ثم الضرب بالأشياء الخطيرة بنسبة 18% [3] .

• وهناك العنف النفسي الذي يمارس على الأطفال كالشتم أو التقريع أو التعييربالكلمات النابية والمهينة، وهناك الحبس في مكان مغلق – المخزن – أو الحمام – أو في غرفة مظلمة لساعات طويلة، أو غير ذلك من أساليب التعذيب التي تضاهي أحيانا ما يبتدعه عقل مجرم.

• عادل متزوج منذ خمسة عشر سنة ولديه سبعة أطفال حياته وأسرته دائما مضطربة وشجاره يملا البيت وصراخه دائما يزعج الجيران، كثيرا ماكانت زوجته تبيت في منزل أهلها طالبة للطلاق بعد تعرضها للضرب المبرح الذي شوه معالم جسدها، وكذلك الأبناء لم يسلموا من إيذاءه إلا إبنتيه المصابات بفقر الدم المنجلي، للتو يعود لمصالحة زوجته، بعد أن أدرك خطأه وخضع لعلاج نفسي كثيف، عاد يلوم ويسب ويشتم والده وهو في حالة الغضب، فقد كان والديه هما السبب لما هو فيه الآن، فقد كان ضحية أي خلاف أو مشاجرة تقع بين أبويه فكان يمنعه من المصروف والخروج من البيت حتى اللعب مع أطفال الجيران، فكبر وهو يكره كل من حوله وكان يرفض الذهاب للمدرسة لأنه يرى أقرانه أحسن منه، وحرصا من الأب على تعليم إبنه كان يربطه ويقيده بالسلاسل ويسحبه وسط الشارع كل المارة يسمعون صراخه ويعرفون أنه عادل، وفي المدرسة لاينجوا أصدقاؤه وزملائه من مشاجرته ومن الألفاظ المهينة التي كان يطلقها عليهم، إستمرت حياة عادل الدراسية بين تغيب وهروب، وفشل دراسي يضطر لايفارق الفصل الواحد إلا بعد مرور ثلاث سنوات، وياويله إن أخفق في الإمتحان، يقوم والده بتعليقه في مروحة الدار وتجريده من ملابسه والإنهيال عليه بالضرب فلا يتركه حتى يشخب بدمه ويصل لمرحلة إعياء، ولايمكن لأحد أن يتدخل لأ ن أبو عادل كان معروفا بسلطته وقسوته التي جعلت أيا من الأقارب يتجنب نصحه أو توجيهه لأنه يعتبر ذلك تدخلا في حياته، وكانت فرحة عادل لاتوصف عندما زف خبر وفاة والده في حادث سيارة أودت بحياته، فأرتأت الأم تزويجه خيرا له عله يهدأ أو يعقل حسب تعبيرها. فكم مثل عادل لدينا اليوم، وياليت كل عادل يمتلك القناعة في زيارة عيادة أو طبيب نفسي.

•إضافة إلى ذلك هناك العنف المدرسي:

فلا زال الضرب شائعا في بعض المدارس، رغم وجود تعليمات من وزارة المعارف بمنعه، ويمثل حسب الدراسة السابقة بتعرض الأطفال للعقاب في المدرسة بنسبة 31%، ولازال بعض المدرسين لايتوانى عن إستخدام هذا الإسلوب في حالة الغضب، لاسيما أن ذلك بات سلوكا مترسبا وراسخا عند بعض المعلمين في السنوات الأخيرة وللأسف بعد إن ضاق المعلم ذرعا بصف يحوي أكثر من 40 طالبا، وبمنهجا لزم أن ينهيه لأياما محدودة فيضغط به على عقلية الطلاب ويحشوبه أدمغتهم مقابل راتبا يخلوا من الحوافز التي تجعله يواجه ضغوظ أسرته ومشاكل حياته ليصب جام غضبه بضربة على الرأس أو صفعة على الوجه أو إهانة الطالب وإستحقاره أمام زملائه بأقذع الشتائم وأبشع الصفات، والعقوبة نادرا ما تطال المعلم الذي يمارس العنف تجاه الطالب إلا إذا ترك الضرب عاهة دائمة لدى التلميذ المضروب.

وقد أفصحت بعض الصحف المحلية لدينا عن بعض حالات الإصابة في بعض المدرا س التي أدت إلى عاهات جسدية نتيجة الضرب، وقد سمعنا ورصدنا حالات لايستهان بها لهذا العنف في بعض مدارسنا المتوسطة والثانوية بالخصوص عنفا مضادا من قبل الطلاب، إذ أننا نسمع أحيانا بطالب هجم على أستاذه وأوسعه لكما وضربا، وطالبا آخرا قام ببث الفوضى والعبث بممتلكات المدرسة كتكسير الطاولات وتحطيم الكراسي والمكيفات، وشخبطة الجدران بدأ من الساحة وإنتهاءا بدورات المياه، وآخر قام مع زميله بالنيل من سيارات الأساتذة والمعلمين ومحاولة تخريبها إنتقاما من سوء المعاملة، وليس خافياعلى الجميع التأثير السلبي للعنف والعنف المضاد على العمل التربوي وما يولد من آثار وتراكمات.وهناك عنف يمارس حتى من الأم، وكذلك من الإخوة الكبار على الصغار, ومن الأهل والأصحاب والأقارب..

• العنف القانوني:

أيضا القانون لدينا يمارسا عنفا تجاه الأطفال إضافة إلى أسرهم، ففي حال كون الوالدان منفصلين فالأطفال يتعرضن للإيذاء بنسبة 58% في حين يتعرض الأطفال من والدين مطلقين للإيذاء البدني أكثر من غيرهم بنسبة 42%، وفي المحاكم أيضا حقوق الأطفال في منتهكة مما تجعلهم عرضة للإيذاء بشكل مضاعف، فعلى سبيل المثال قضية – الحضانة – وأخص بذلك منح الأطفال رؤية وزيارة غير الحاضن، فمثلا في حال وجود خلاف بين الزوجين وفي حال إنفصالهما عن بعضهما وتولية أحدهما حق حضانة الأطفال، فالحاضن بالعادة وفي أكثر الأحيان عندنا هو الأب «إلا في بعض الحالات الشاذة كأن يكون الأب مريضا نفسيا أوعاجزاأو سلوكه منحرفا لايؤهله لحضانة الأطفال… وهذه لها إجراءات أخرى»، فالمحكمة أو القضاء تمنح أوقاتا محددة وأياما معينة لزيارة الأم ورؤيتها، وتحدد بعض أيام العطل أو الإجازات لقضاءها مع الأم، لكن للأسف يستخدم هذا الحق بتعسف من الأب تجاه الأطفال، فإذا حان وقت الزيارة يتهرب ويماطل ليمنع الأبناء من اللقاء بوالدتهم، ويتعذر بمختلف الحجج الواهية في سبيل الكيد من الزوجة وحرمان الأبناء من العطف والدفئ والحنان، وحتى تطالب الأم بزيارة أخرى هناك إجراءات مطولة ومعقدة ومن جديد يتواصل الطريق مع المحكمة.

• آخر شكوى تلقيتها أم محرومة من رؤية أبنائها منذ سبع سنوات بعضهم تزوج دون علمها، وبعضهم طرد من البيت، وأصغرهم لايعرفها.. ولازالت تطارد الشيخ في المحكمة فمرة مشغول ومرة مسافر ومرة إتصل بالحاضن ولم يأتي ووو الخ.. أمثال هذه الأم هناك الكثيرات اللاتي يعانين الألم تلو الألم لرؤية أبنائهم وفلذات أكبادهم، لكن دون جدوى.

• ومثل آخر: في – مسألة الحضانة – الأنثى تلحق بوالدها، والذكر يخير بعد 7 سنوات للبقاء مع أحد الوالدين، ومع إحترامنا لهذه القاعدة فإذا نظرنا للأمر نرى بأن البنت أولى بأمها وأقرب لها من الأبن في الرعايا والحاجة والإحتضان، تحتاج إلى والدتها في التعليم في التربية في التمريض، فمن الصعب جدا فصل البنت عن والدتها وقد قضت معها 10 سنوات أو إثني عشرة سنة معها، طالما أن الأم صالحة طبعا «لكل قاعدة شواذ في حال زواج الأم – ترجع الفتاة لأبيها»، فلماذا لاتخير الفتاة بعد السابعة، ولماذا نخضع الفتاة لسلطة الأب وزوجته مادامت الأم قادرة على الرعاية.

• فتاة عمرها 15 عاما مع أخواتها تنزع من حضانة الأم وتخضع لسيطرة الأب وزوجته فتتعرض للقهروالتهديد وسوء المعاملة، والتجويع، والحرمان من مقومات الحياة المعيشية اليومية، فلذكائها حرمت من مواصلة التعليم، ولأنها جميلة تم حلق شعرها، إضافة إلى حرمانها مع أخواتها من رؤية الأم.

• سعيد متزوج ولديه ثلاثة أطفال، يصاب بعاهة في عمله فيعجز عن المواصلة ولم يجدي العلاج معه نفعا، يتدخل والد الزوجة المعروف بشدته وقسوتة ويسحب الزوجة وأبنائها إلى منزله، أحمد الإبن الأصغر عمره ثمان سنوات هرب من بيت جده لرؤية والده الذي إشتاق إلى رؤيته، فيتدخل الجد ليفرض سيطرته ويقنع الزوجة بالذهاب للشرطة، وتبلغهم بتعرض إبنها لعملية إختطاف من قبل والده الذي أصبح في دوامة من الإتهام ‘ إعترف أحمد أخيرا بأنه هو من ذهب إلى والده بدون علم من أحد مبررا شوقه وخوفه على أبيه ومعبرا عن إحساسه بالآمان والدفئ بجانب والده أكثر من وجوده مع جده، عاد أحمد إلى أمه، وما إن لحظه جده حتى إنقض عليه كالصقر ينقض علىفريستة منتقما منه، فأهاله ضربا ولكما إلى إن إحمر جسده وتورمت رجلاه، وشخب دمه تم نقله إلى المستشفى بين الحياة والموت…

• هناك عنف السائقين في المنازل وعنف الخياط والبائع صاحب البقالة والسوبر ماركت، وعمال النظافة، وعنف الخدم في البيوت آخرها قطع أصابع رجل طفلة لم تتجاوز الخامسة من عمرها وإصابتها بعاهة تعيقها من المشي ووضع الأصابع في ماء مغلي وسط – البانيو- في حمام السباحة، وذلك بسبب المعاملة السيئة للخادمات العاملات في المنازل.

• وهناك خطر كبير يهدد مستقبل وحياة أطفالنا وهو التحرش الجنسي بالأطفال أو الإغتصاب وللأسف نسكت عنه ونغمض عيوننا ونترك الطفل يواجه مصيره بنفس مدمرة وشخصية متهالكة؟

ما أود التأكيد عليه أن حوادث العنف الأسري تعد ظاهرة، ولكن التحرش الجنسي ضد الأطفال في مجتمعنا لا تصل إلى حد الظاهرة لكنها في نفس الوقت ليست قليلة خاصة «إعتداء المحارم» آخرها:

– «فتاة عمرها 16 عاما، تعتزم الهرب من بيتها، أو الإنتحار لأن خالها كان يضاجعها كزوج طيلة خمس سنوات، والأم تتستر عليها».

– و«أم تتعرض للضرب المبرح من الزوج وتطرد من البيت لأنها إكتشفت الأب يتحرش ويعتدي على إبنته المراهقة».

– و«طالبة أخرى تفصل من مدرستها بسبب تحرش والدها بها مع زميلاتها اللاتي يأمر إبنته بإحضارهن للمنزل بحجة المذاكرة ومراجعة الدروس معها».

– «فتاة تشتكي لإمها خائفة بعد إن طفح بها الكيل أن أخوها الكبير يتسرب إلى غرفتها ليلا ويأخذ منها مأخذه، فتجيبها وبكل سذاجة داخل البيت بالحلال ولا خارج البيت يفضحنا، وبعد الحديث المستمر مع الأم إتضح أن الأب كانت علاقته سيئة بأهله لأنه كثيرا ماكان يتحرش بأخواته الأربع بعد إن إغتصب واحدة وهدم حياتها وعلى أثرهذه الحادثة طرد من البيت» وما خفي أعظم، إذن أن ممارسة الصمت وإنعدام الشفافية تجاه هذه المشاكل تعد من أكبر الجرائم التي نمارسها بحق أطفالنا ومجتمعنا ويأتي ذلك بمسميات عدة منها العادات، التقاليد لاتسمح، كيف لنا أن نفصح عن مشاكلنا أو أن نعترف بها، إضافة إلى الحساسية المفرطة من عدم كشف الأسرار العائلية، ففيها خوف من الفضيحة، وخوف وخزي وعار من الطفل المعتدي أو – المتحرش جنسيا – بالذات إذاكان من داخل الأسرة، فبدل أن تبحث الأسرة عن السبب والعلاج وتتبع الأساليب الوقاية الصحيحة في التربية لحماية الأبناء، ومعالجة هؤلاء الأشخاص الغير أسوياء، تلجأ للإهانة والشتم والعقاب، والضرب والإيذاء والكي وغيره، مما يجعل هؤلاء المعتدين منبوذين في نظر الجميع، فيستشعرالمعتدي النقص الذي يدفعة للإنتقام من المجتمع. وإذا نلحظ بعض الدراسات الخاصة بالمنحرفين سلوكيا وأخلاقيا أو بعض مدمني المخدرات فإننا نلحظ بأن حياتهم الطفولية لم تخلوا من هذه الممارسات.

• وهناك العنف تجاه ذوي الإحتياجات الخاصة وما يلحق بهم من أذى مضاعف.. وأطفال الشوارع والأيتام، والأطفال المتوفى أباؤهم والفقراء وووو…

إذن فمع كل هذه المشاكل هناك خلل يجب أن يصحح فالمشاهد التي نلمسها والوقائع التي نسمعها أو تنشرها بعض صحفنا تؤكد على وجود العنف داخل الأسرة وخارجها في هذا الشهر توفيت طفلة عمرها 8 سنوات متأثرة بالتعذيب على يد والدها – المدمن – على الرغم من إكتشاف آثار التعذيب من قبل مدرستها.

وفي لقاء صحفي أعده مكتب الإشراف الإجتماعي النسائي في الشرقية – أعلن قسم الحماية أنه قام بحماية 134 حالة متضررة في عام واحد شملت إيذاء نفسي وجسدي وسوء معاملة، وحالات هروب لفتيات قصر، اما عدد الحالات التي لم ترغب في مواصلة الحماية بعد طلبها فهي 9 حالات وذلك بسبب الخوف أو زوال سبب طلب الحماية[4] .

فالإصلاح يبدأ من:

1- الأسرة فهي مصدر الحماية والأمان والإحتواء للأبناء، فعليها أن توجد ثقافة الحوار والتفاهم بين أفرادها، لاسيما الأجيال الجديدة والقادمة بما يتناسب مع إحتياجاتها وطبيعة ظروفها، وأن توضح للأبناء حقائق الإسلام ومفاهيمه السمحة، ضمن أطر واضحة من الحب والإحترام والتسامح.

وأن تقوم بدورها تجاه الأبناء في التوجيه والرعاية، وفي غرس المبادئ والقيم الدينية فهي المقوم الرئيسي للحياة الصالحة والسعيدة، وأن تحرص على تطبيق أسمى معاني الأخلاق والعفة والفضيلة، لتصونهم من الإنحراف وتحميهم من دعاة الرذيلة التي تتصيد هم عبر شبكاتها الإباحية والخطيرة.

1- إيجاد تشريعات قانونية جديدة:

فالتشريعات القانونية الحالية غير كافية لردع حالات العنف؟ وحتى أوضح ذلك، هناك تشريعات عامة وهي حقوق مبينة للجميع، حقوق الإنسان في الشريعة وردت ك قيم في القرآن والسنة، وليس في صورة قوانين وإنما جاءت كعبادات وأصول وعلاقات إنسانية، لذلك نحن بحاجة إلى تشريعات خاصة واضحة، إلى وثيقة قانونية وأنظمة رادعة تحول دون وقوع العنف أو تكراره. كما نحن بحاجة إلى تفعيل قانون العقوبات ولكي يستوعبه كافة أفراد المجتمع فهو بحاجة إلى تقنين، وهنا يجب أن نلحظ بأن هناك نصوص حدودية فالحدود واضحة ومعروفة والأصل فيها وقوع الضرر على المعتدي عليه وثبوت الحق بأدلة يقينية واضحة «فالحلال بين والحرام بين» وكما في الآيات المباركة ﴿ السارق والسارقة والزاني والزانية… ﴾.

وهناك الأحكام التعزيرية التي تترك عادة إلى القاضي أوولي الأمر لإصدار حكمه فيها تبعا لملابسات القضية وإعتماد ا لحديث عن رسول الله «إدرأوا الحدود بالشبهات» ولكن للاسف هنا يتدخل الإجتهاد الشخصي عادة، أو الشك أ والتنازل وماشابه لذلك تنبثق الحاجة إلى مادة مقننة كي تمنع المتقاضين من الإلتباس والإشتباه والخطأ، ونحن كمواطنين سعوديين نحتاج إلى قانون وحتى عرف إجتماعي يمنع الأب من ممارسة الضرب أو أي شكل من أشكال العنف الجسدي في إطار ما يدعيه من تربية للطفل أو تقويم لأخلاقه.

وهنا أطالب محاكمنا الموقرة بإعادة النظر في حق الطفل في الحضانة، لأن إهمال الأمر مدعاة لإبراز مشاكل وخيمة وخطيرة على مستقبل هؤلاء الأطفال، فدورها يتطلب العمل على تشكيل لجان طارئة وعاجلة لسرعة تنفيذ الأحكام – وخصوصا المتعلقة بقضايا الأحوال الشخصية – لاسيما بهذا الموضوع الذي يمس الكثير من الأسرالسعودية، والتي قد تكون لفقرها وبساطتها وجهلها غير قادرة عن متابعة أمورها مع المحاكم ليس عجزا منها أو فيها، بل لمماطلة القضاة في المحكمة إما لعدم وجود قانون حماية، أولإفتقاد سلطة تنفيذية قادرة على تطبيق القانون الجزائي، أو وجود السلطة القانونية التي لاتمتلك القدرة والصلاحية على تطبيق القانون، إضافة إلى ضرورة العمل على فرض شروط جزائية رادعة تسقط حق الحضانة لمن يمارس إنتهاك حقوق الطفل سواءا الأب أو الأم، وإنني من هذا المنبر وبدافع المسؤولية والواجب الإنساني والديني والوطني، وبمناسبة مرور اليوم العالمي لحقوق الإنسان أناشد كافة الجهات الحقوقية بينها جمعية حقوق الإنسان، وهيئة حقوق الإنسان، ووزارة العدل الموقرة وكافة المهتمين الأخذ بجدية المبادرة لإحترام هذا الحق وبقية الحقوق وفقا لمبادئ الشرع المقدس ووفقا لما تقرره المحكمة من الإنصاف والعدل.

2- الهدف من عرض هذه الظواهر ليس تخويف المجتمع منها بقدر ماهي تحذير وتحريك للمياه الراكدة وإذابتها تحت الجليد، إذ نحن بحاجة ماسة فعلا إلى حالة طوارئ سياسية وإجتماعية وثقافية للنهوض بحقوق الإنسان نعلن فيها مسارعتنا العاجلة للمكافحة فالوقاية خير من العلاج.

3- مضاعفة دور وزارة المعارف في العمل التعليمي والتربوي، إضافة إلى المؤسسات التعليمية الأخرى من مدارس وجامعات وفي إعادة صياغة المنهج المدرسي ضمن مايحتاجه الطالب فلماذا لاتهتم بالتربية وبالثقافة الجنسية، ومفاهيمها في العنف والتحرش الجنسي ضمن إطار العنف الأسري بأنواعه في حدود الشريعة الإسلامية بين المعقول والمسموح.

4- نحن بحاجة إلى مراكز دراسات وبحوث تهتم بمعالجة مختلف المشاكل والظواهر الإجتماعية.

5- نحن بحاجة إلى مراكز إحصاء متخصصة ومعتمدة، وتقارير سنوية مبنية على الأرقام والمؤشرات.

6- في الأخير العنف الأسري ظاهرة خاصة لظاهرة عامة ناتجة عن عدم تمتع بالحقوق وعدم وجود دستور أو قانون يقف كل فرد عند حده، فإيجاد محاكم أسرية وقانون الأحوال الشخصية وفرض إحترام هذا القانون كفيل بتخفيف هذه الظواهر والمشاكل اليومية.

7- أقدر الجهود التي تبذلها وزارة العدل ووزرارة الشؤون الإجتماعية، لكن علينا إيجاد المناخ السلمي والبنية السليمة لمعالجة المشاكل، وهذا يحتاج إلى تكاتف الجميع من مؤسسات إجتماعية كهيئات وجمعيات حقوقية ومراكز ثقافية، وجمعيات أهلية ومؤسسات إعلامية للوقوف على حجم المشكلة ورصدها وإقتراح الحلول المناسبة لها ضمن أولويات محددة على المستوى التشريعي أولا ومن ثم الإجتماعي والإقتصادي، مع إمكانية الإستفادة من الدول المجاورة والقريبة التي تقدمت في هذا المجال.

8- العمل على إيجاد دور حديثة متخصصة ومستقلة للحماية والإيواء الأسري – سريعة التدخل ومباشرة العمل – لحماية الطفل من والديه، والفتاة من محارمها أثناء التعرض للإيذاء بدلا من إيداعهم في الإصلاحيات والسجون.

9- دورالمؤسسات التنموية والجمعيات الأهلية لإتاحة الفرص لتأسيس جمعيات شبابية وتفيعيل أنشطة النوادي والمنتديات الثقافية والإجتماعية التي تستقطب الشباب وتسخر طاقاتهم وكفاءاتهم في خدمة المجتمع، إضافة إلى توفير المجالات الترفيهية المناسبة والأنشطة المختلفة التي تفرغ طاقات الشباب.

10- مهمة العلماء والخطباء،والمثقفون وأهل الخبرة والإختصاص في التوعية لمعالجة المشاكل الإجتماعية والتوعية بأهمية المفاهيم الدينية والإجتماعية والأخلاقية، والعمل على غرس الوازع الديني والروحي للعقيدة الإسلامية، إضافة إلى التحذير من مساؤي الإعلام المفتوح والإباحية المستهدفة لغواية شبابنا عبر القنوات والأفلام الإباحية، ومواقع الإنترنت والبلوتوثات المشينة والفاضحة.

تذكير:

1- النظام الأساسي للحكم مستسقى من الشريعة الإسلامية المادة «26» تنص على حماية حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية».

2- الإدارة العامة للحماية الإجتماعية: دورها تقديم المساعدة للطفل والمرأة فمطلوب منها إيجاد مؤسسات ودور للحماية مستقلة ومهيئة من مختلف الجوانب.

3- توقيع المملكة العربية السعودية على وثيقة حقوق الطفل عام 1416 هـ المنبثقة من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1989 م بموجب مرسوم ملكي رقم /7/ شمل على 54 مادة تتضمن – عدم تعرض الطفل للتعذيب الجسدي، ومعاملة الأطفال دون تمييز عنصري، وحق الطفل في التعليم والصحة والمجتمع بالعيش الكريم، وعدم إستغلاله، وسوء وعاملته، وحمايته من إستعمال المخدرات أو إستغلاله في الإتجاربها أو ترويجها…. الخ..

4- أخيرا: آن الآوان للعمل على ضرورة كسر جدار الصمت حول قضايا الطفل في مجتمعنا فهو المتضرر الأول والأخير، والأيام تسرق عمر الأسرة والنسيان يداهم المجتمع، لكن يبقى الطفل يحمل عاره نفسيا وصحيا وإجتماعيا، فعلى جميع الجها ت أن تتكاتف بدأ من الأسرة وتأكيدا على أهمية دور وسائل الإعلام في هذا السياق.

أخيرا:

إن حقوق الطفل داخل الأسرة السعودية تمنح أو تمنع من قبل الأب، رب الأسرة المقوم الرئيسي، فمزاجه وثقافته وتنوره، أو بالمقابل جهله وتخلفه، وبمقدار ما يتمتع به من حقوق في حياته عامة أوخاصة تمنع منه هي التي تحكم حياة وحقوق أطفاله وأفراد أسرته، وليدرك المجتمع جيدا إن حماية الطفل والإرتقاء يه من كافة النواحي الصحية والنفسية والتعليمية وإحترام حقوقه يعكس ما وصلت له الدولة من تقدم ورقي إجتماعي وإنساني ومؤشر على تقدم حقوق الإنسان.
—————–
[1] الملف الصحفي – الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان عدد -75.
[2] سورة الإسراء آية 70.
[3] صحيفة المدينة بتاريخ – 9/7/1427هـ 3/8/2006م.
[4] صحيفة الوطن – عدد 2244.

أضف تعليقاً