أ . عالية فريد >> حديث الشهر


مجتمعاتنا وحقوق الإنسان بـــ الحرية والمساواة نورث عزا لأبنائنا

20 مارس 2004 - أ . عالية فريد

قبل شهر تقريبا إحتفلت البشرية بالذكرى الخامسة والخمسين لحقوق الإنسان والتي جاءت نتيجة لأعقاب حربين عالميتين خلفت ورائها من الكوارث والمآسي ، والدمار ماليس له مثيل ، لاسيما بعد الحرب العالمية الثانية وما سقط فيها من القتلى والضحايا والذي يقدر عدده بالملايين.
و نتيجة لمعاناة الإنسان الغربي وسيطرة الإستكبار عليه ولد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر 1948 م تلت ذلك معاهدات وتعديلات خلال العقود المتلاحقة ، وعلى مدى نصف قرن تقريبا إندفعت لجان ومؤسسات حقوق الإنسان على مختلف الصعد الوطنية والإقليمية والعالمية لتحافظ على كرامة الشعوب من الذل والإمتهان، وتحمي حقوقها المشروعة وتدافع عن إنسانيتها من الإعتداء ،
مع العلم أن قوانين النظام الدولي وميثاق الأمم المتحدة لم تكن جديدة أو مستحدثة في تاريخ العالم ، وبغض النظر عن ظروف نشأتها وتأسيسها ،إلا أنها لم تنشأ تجاوزا لحقوق الإنسان في الإسلام و المدونة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة منذ 1400 سنة ، بل هي من صميم مبادئه وقيمه وتعاليمه السمحاء ، التي تدعوا للسلم والتسامح والتعددية والتنوع ورفض التمييز العنصري ، وإقرارالحقوق في السياسية والإجتماع والثقافة والإقتصاد لنظام الحكم في الدولة والمجتمع ، كما يحث من خلال تعاليمه على التقدم والتطور وتنمية الحياة البشرية ، ويساوي بين المرأة والرجل كل له حقوق وعليه واجبات ، ويهتم بحق الصغير والكبير والفقير والضعيف و يدعوا لمناصر ة المظلوم والإقتصاص من الظالم ، ويصون حرية الفرد ويحفظ كرامة المجتمع وغيره بالعدل والمساواة ضمن فضاءات واسعة ومفاهيم عميقة ورحبة في ظل نظام خالد ومتكامل يحتضن الإنسان ويتعامل معه ككيان وجودي فاعل في هذا الكون ……….الخ .
وإنه لمن دواعي الحزن والأسى أن العالم اليوم يحتفل بمرور العقد الخامس على إقرار نظام حقوق الإنسان وفي الوقت نفسه أنها لازالت تنتهك في غالبية الدول ، ولوسلطنا الضوء على مسرح الأحداث لنجد إنتشار الجهل والأمية العطالة والبطالة ، الفقر والمجاعة ، السلب والنهب ، إلإغتصاب وإنتهاك ا لحرمات ، العصبية والفرقة ، صراعات ونزاعات ، رق وعبودية وعنف وتجارة بغاء ، تهجير وإستغلال مهني وإعتداء جنسي للأطفال ، آهات وأنات لنساء ثكلى باكيات في أفغانستان وفلسطين و في أرض الفرات ، كل ذلك في مجتمعات أعلنت إحترامها لمواثيق حقوق الإنسان .
ونظرا لما يقع في العالم من أحداث تحط من قيمة الإنسان وقدره وتعرضه لأبشع أنواع الإهانة و الذل على مستوى ألأفراد والجماعات ، كان ذلك ضروريا ولزاما على بعض المؤسسات أن تبادر لإنشاء مؤسسات وطنية ودولية تضع مواثيق وقوانين تهدف إلى الإعتراف بحقوق الإنسان ، وتطلب مضاعفة الجهود من المجتمع الدولي للحيلولة دون وقوع مثل هذه الإنتهاكات و تتصدى لها وتدافع عنها ، ومن هذا المنطلق أصبحت هناك أهمية رئيسية لمنظمات ولجان الدفاع عن حقوق الإنسان بين شعوب العالم .
وقبل يومين أشتبشرنا خيرا عندما تم الإعلان عن إنشاء جمعية وطنية تعنى بحقوق الإنسان في السعودية ، وإنها لبادرة جيدة رغم تأخرها في طريق الإصلاح الذي تتطلع إليه المملكة ، حيث أن وجود مثل هذه الجمعيات دلالة على تقدم المجتمع وسمة من سمات تطوره متى ماعملت بمضامينها وحققت أهدافها لصالح الوطن وخدمة المواطن .
إن المسؤولية كبيرة وشاقة وتحتاج إلى أطر وأنظمة عمل تحدد مسؤولياتها ومهامها ، وحتى يتحقق النجاح التام لمثل هذه المؤسسة لابد أن تضع في الحسبان عدة أمور وملاحظات :
1- أن يفسح المجال وتمنح الفرصة لجمعية منتخبة مرشحة من صميم المجتمع تضم الكفاءات المتخصصة في الحقوق المدنية والقانونية والنشطة في هذا المجال ، فتحديد الأسماء يدل على التعيين وإن كان لابدمنه أتمنى أن يتجاوز حالة الولاء والمحسوبية الشخصية التي عادة ماتصاحب أي أمرما مماثل لذلك .
2- أن تكون مستقلة عن أي جهاز تنفيذي في الدولة ، وحسب إطلاعي بأن هناك مطالب تقدمت بها بعض النخب المختصة والمثقفة للمسؤولين وأصحاب القرار في هذا الشأن وتفائلت به وأعلنت عنه بشكل أو بآخر ، لكن فوجئنا بالإعلان وإصدار القرار ، وعلّ ذلك يدعوا المسؤولين في هذه الجمعية لتنسيق الجهود والتعاون مع النخب المطالبة سواء بإستقطابهم للجمعية أو إنضمامهم للفروع أو العمل على تأسيس جمعيات أخرى تندرج تحت نفس المسمى للدفاع عن حقوق الإنسان ، فالموضوع متشعب وممتد على مستويات عدة ، فإضافة إلى المحاور العامة المعلنة هناك أمور أخرى يجب أن تكون في المقدمة ولها الأولوية في تقديم الأهم على المهم مثل تعزيز حقوق المواطن السعودي و إحترام الحريات لاسيما حرية التعبير عن الرأي و الفكر والمعتقد ، و الدفاع عن حرية الصحافة والصحفيين ، دفع الظلم عن المرأة والدفاع عن حقوقها التي كرمها بها الدين الحنيف ، الدفاع عن حقوق الطفل ، إنصاف المواطن ورد الإعتبار إليه لا سيما من تعرض للظلم والإضطهاد ، الدفاع عن حقوق المواطن الإقتصادية و السياسية ، وتحديد العلاقة بين الحاكم والمحكوم ماله وماعليه …..الخ . وهذا كله يتطلب من إدارة الجمعية دورا كبيرا في إصلاح وتعديل ومراجعة القوانين الوطنية بما يتلائم مع مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، وإنتخاب لجنة مرشحة تمارس دورها الحقوقي للمصادقة على حقوق المرأة والطفل وتعميمها ليس فقط في إطار المناهج التعليمية ، بل حتى في إطار الجهات الرسمية وفي عموم المجتمع .
3- والأهم أن يتم البدء السريع والعاجل لإيجاد حلول سريعة لمعالجة البطالة المستشرية والتي باتت كالسوس ينخرالمجتمع .
4- الإعداد السريع بالعمل على تدريب وتأهيل العاملين في حقوق الإنسان ، والإستفادة من ذوي الخبرة والكفاءة والنشطة في هذا المجال .
5- توعية المجتمع ، بالعمل على نشر الثقافة الحقوقية فهو بحاجة لوضع الأسس الأولية لنشر هذا المفهوم .
وأخيرا :
حتى نحرز تقدما حقيقيا لمجتمعاتنا وشعوبنا ، ونورّث عزا لأبنائنا وأجيالنا ونقرّالحقوق ونحقّها ، علينا أن نحصل على الحرية أولا وأخيرا في الرأي الحر ، وفي مجتمع المؤسسات وفي التسامح ، وإن تحقيق أي إنجازا أو تطورا فهو رهن بإرادتنا في صنع واقع التغيير ، فالحق يؤخذ ولا يعطى أو يمنح وكما قال الشاعر :
إذا الشعب يوما أراد الحياة .. فلابد أن يستجيب القدر .

أضف تعليقاً