أ . عالية فريد >> حديث الشهر


عمل المرأة السعودية بين أحكام الشرع والتقاليد

27 مارس 2007 - أ . عالية فريد

ما أهمية ا لعمل بالنسبة للمرأة؟ وماذا يمثل لها؟ وهل الدين الإسلامي يقر حبس المرأة في البيت وعزلها عن أمور الحياة تحت مسمى الحجاب؟ وهل يمنع التشريع ممارسة المرأة وخروجها للعمل؟ وهل قيد الإسلام عمل المرأة في التدريس والتطبيب فقط؟ لماذا يرفض الكثير من أولياء الأمور خروج المرأة للعمل ولماذا تمنع المرأة من ممارسة الوظائف المستجدة؟ هل نقصا في كفائتها وقدراتها؟ أم أنها غير مؤهلة لذلك؟ ولماذا تضج البيوت اليوم بالجدل حول من يشجع ومن يحذر ومن يعارض عمل المرأة في ظل ما يعيشه المجتمع من تطور إقتصادي تنموي يتطلب مشاركة المرأة في بناء الوطن؟ هل يوجد خلل في التربية؟ أم في العادات والتقاليد؟ ولمن يحتكم الناس هل للشرع الإسلامي أم لأعراف المجتمع؟ أم للمزاجية والجهل بالحقوق الإنسانية العامة والخاصة؟من المسؤول؟ وماهو دور المرأة المطلوب؟ وماهي مسؤولية الجهات المعنية؟ وما هو دور الإعلام ومنابر التوعية؟ ولماذا يتوارى الكثير من الدعاة والعلماء عن مناقشة هذا الموضوع ويخشون إثارته؟ ولما كل هذه المزايدات و الإجتهادات الشخصية بين الحلال والحرام ليس في عمل المرأة فقط بل في كل شأن من شؤونها؟ وكأن الإسلام ثوب كل يريد أن يفصله على مقاسه..؟؟

• منال خريجة إدارة أعمال تتصل بي في ساعة متأخرة من الليل عازمة مع أختها خريجة – أدب إنجليزي – على الهرب من البيت لماذا لأنها منذ ثلاث سنوات وهي عاطلة عن العمل، وأختها حديثة التخرج لم تصدق أن الفرصة أتحيت لها وفتحت لها أبواب الحياة في وظيفة مناسبة أخيرا في قسم نسائي في إحدى الشركات، فوالدها متوفي منذ عشر سنوات وأخوها هو من يتولى الصرف عليها مع أخواتها تقول: المعيشة صعبة ولوازم الحياة تزداد يوما عن يوم فإضافة إلى والدتي نحن خمس بنات وراتب أخي محدود، وكلما ناقشناه للعمل يرفض وينفجر غضبا إلى إن ضاق بنا الحال، وكلما عاودنا الطلب أخذ ينهال علينا سبا وشتما وضربا بحجة كيف أترك أخواتي ينزعن – حجابهن – «العباءة وغطاء الوجه» ويلبسن الكتافي.. ماذا سيقول عني الناس.

• سناء متزوجة منذ سبعة عشر عاما وتحمل تخصص – إدارة أعمال – أنجبت طفلين وأحسنت تربيتهما ورعايتهما تخرج الإبن الأكبر وتوظف، والآخر بإنتظار شهادة الدبلوم، وأرادت مشيئة الله أن تنقطع عن الإنجاب، فزوجها تزوج وإنشغل بعائلته التي تفوق ستة من الأبناء،: تقول أعيش الكثير من وقت الفراغ فزوجي لايزورني إلا مرة أو مرتين كل شهر، ومطالب أبنائي لاتتوفر بإستمرار، دفعتني الحاجة والفراغ للبحث عن عمل بالذات فيما يخدم تخصصي إضافة إلى ما أحمله من خبرات في إستخدام الحاسب الآلي، وعرضت علي وظيفتين إحداهما وظيفة إستقبال في مستشفى، والاخرى العمل لشركة من داخل المنزل براتب مقطوع، فور ماسمع زوجي الخبر إنقلبت الدنيا رأسا على عقب، مرددا: لا أتصور أنك تتعاملين مع رجال فخيرني بين الوظيفة والطلاق.

• أم أحمد كانت تنتظر من يتقدم لخطبة إحدى بناتها الست، حيث توفي والدهم وأصغر أبنائها عمره سبع سنوات جعلها معهم في حالة صعبة من العيش – فهو فلاح وراتبه لايسع لإعالة الأسرة وتلبية حاجاتها لولا مساعدة أهل الخير وبعض الأقرباء، وفرح قلبها عندما تقدم شابين لخطبة بناتها لأن ذلك سوف يخفف الحمل فإحداهن خريجة من ثلاث سنوات والأخرى بإنتظار إستلام وثيقتها هذا العام، وبعد ثلاثة أشهر من إتمام الخطبة وعقد القران تبين إن كلا الزوجين يعمل بنظام وظيفي مقطوع فأصبحا الإثنين عاطلين عن العمل، أخذت الفتاتين تبحثان عن فرص وظيفية مناسبة وبعد الحصول عليها خابت آمالهن، فوظيفة محاسبة، والأخرى خدمة عملاء كلا الوظيفتين بحاجة إلى تعامل مباشر مع الرجل وإشترط فيهما – كشف الوجه وعدم إستخدام النقاب – من حينها والمشاكل أخذت تعزوا حياتهما الجديدة، وقضية زواجهما عالقة – بين البقاء في البيت أو الدخول في حياة زوجية تعيسة كما يطلقان عليها.

• ضحى، كفاءة عالية ونموذج مشرف في أخلاقها وحجابها، وهي في منصب عالي ورفيع في الشركة التي تعمل بها، ومثالا في النضج ورجاحة العقل إضافة إلى ما تتميز به من قدرات، وكل يوم يمر تحقق فيه الإبداع والإبتكار في مجال عملها، وتحسد عليه من الزملاء والزميلات لما تحققه من نجاح، عمرها اليوم ثلاثين عاما، غير متزوجة تقول: تقدم لخطبتي الكثير من الشباب، وأغلبهم كان يشترط إستمراري في العمل حتى أن بعضهم مثقفين ولا كن حساسيتهم غريبة فكيف يرتبطون بزوجة تعمل في موقع فيه إختلاط، لاكن لاأدري ماسبب هذه الحساسية ولا أجد لها مبررا، لذلك إخترت الوظيفة على الزواج.

تعيش المرأة في مجتمعنا حالة من الحيرة والقلق بين من يدعوا لزجها في العمل الإقتصادي بلا قيود أو ضوابط، لأنه لا يهتم بقيم الدين وتعاليمه، وبين من يعزلها في البيت بذريعة خير للمرأة الجلوس في بيتها وتربية أبناءها ورعاية شؤون زوجها وأسرتها، دون أن يسمح لها الخروج من البيت لأن ذلك مدعاة للفساد والإنحراف. وهناك من يزايد على الدين بإجتهادات فردية يحلل ويحرم كما يشاء فينتهك بذلك حرمة الشريعة، ويتعدى على المرأة فيظلمها وينتهك حقها الطبيعي في الحياة.

أمثال هذه الحالات المذكورة في مجتمعنا ليست بالقليلة، و بناءا على الكثير من الشكاوى الواردة التي تبدي فيها المرأة رغبتها للعمل خارج المنزل، وإمتعاضها الشديد مقابل ما تلاقيه من رفض عنيف وقسوة من قبل ولي الأمر سواء كان أبا أو زوجا أو أخ لذلك وددت إثارة الموضوع والتعليق عليه بمجموعة من الملاحظات وهي كالتالي:

1- الإسلام دين الرحمة و العدالة وتحقيق هذه العدالة يشمل أن يمارس كل إنسان مسلم حقوقه الطبيعية، والعمل وممارسة المهنة حق من حقوق المرأة، وحق الزوج على زوجته أن لايمنعها من العمل مادامت لاتتعارض مع حياته وعلاقته الزوجية، ومادامت تعمل في بيئة سليمة ونظيفة بعيدة عن الإثارة والإغراء والفتنة.كما يتوجب على الزوج وولي الأمر أن لا يسرف في إستعمال – الحق – بشكل سلبي تجاه الزوجة تحت عنوان لايجوز لها الخروج من بيتها إلا بأذنه، مادامت قائمة على حقوقه الزوجية، فيكفي من المرأة العاملة أن تنظم وقتها وتوفق بين مسؤوليات البيت والأسرة و بين مسؤوليات العمل، ومن الزوج التفهم لطبيعة العمل إنطلاقا بالثقة المتبادلة والتربية الحميدة التي نشأت عليها الفتاة، وتدعيم هذه الثقة بالتشجيع والمساندة، وتقليص حالة الخوف والحذر وإتاحة الفرصة لخوض غمار التجربة.

2- نحن نعلم يقينا بأن الإسلام إحترم المرأة، وأعلى شأنها وجعلها في أحسن مكانة، وشرفها بالحجاب كحصن منيع يحفظها ويصون كرامتها، ومنحها الحقوق الإنسانية النبيلة ومنها حق العمل، وتعاليم الدين لاتمنع من عمل المرأة إذا كانت محتشمة ومحافظة على عفتها، ولم يلزمها بتغطية الوجه «برأي أغلب الفقهاء»، فهي شريكة الرجل في تقدم المجتمع وفي تنميته وإزدهاره، وفي بناء المستقبل، وفي صناعة الحضارة وبناء الواقع الذي أراده الله لهما على هذه الأرض. والشارع الإسلامي يعتبر حجاب المرأة المسلمة نقطة بداية وإنطلاق لاعــــــزلة وإنغلاق، عبر الإلتزام الواعي الذي يعني ممارسة دور، و تأدية رسالة تجاه المجتمع، وتجاه الدين وتجاه خدمة الوطن والأمة، ويرفض التدين القشري الذي يمارس كطقوس وشكليات، بينما الحاجة الفعلية للدين الثقافة والفكر القابل للممارسة والتطبيق.

وإن منع فتياتنا ونسائنا من ممارسة العمل بشرط أن المهنة تتطلب من المرأة كشف وجهها وبإسم الإختلاط معللين ذلك بإسم الشرع والدين دون أن نوضح لها فلسفة هذا المنع، و ماهوالمباح فيه وغير المباح أمر غير مقبول، فالمرأة المسلمة كانت خير نموذج عبر التاريخ، وكانت تعمل في زمن رسول الله «ص» وإذا إستشكل عليها أمر ما كانت تذهب إليه «ص» و تناقشه وتجادله لتفقة أمور دينها وحياتها، وكانت تختلط بالرجال في مجالات كثيرة في الحرب والسلم عبر المداواة والتمريض، وفي الشارع والسوق عبر البيع والشراء، وكانت تعمل في الزراعة والغزل و قضاء الحاجات، وفي التكسب والعمل الحرفي.

يقول تعالى ﴿ هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوامن رزقه واليه النشور ﴾[1] . يقول المفسر: أن الخطاب في قوله تعالى ﴿ .. جعل لكم..فامشوا ﴾مطلقة لعامة البشر رجالا ونساء، والمشي في مناكب الأرض يراد منه العمل وإستنباط الثروة إبتغاء رزق الله تعالى، وهو يشمل جميع الأعمال المباحة في ذاتها التي لم يرد في الشريعة تحريم لها بعنوانها الخاص، فالآية تدل على مشروعية عمل المرأة المهني لنفسها أو لغيرها «بأن تؤجر نفسها للعمل» بهدف كسب المال.[2]

وجاء في سنن ابن ماجة عن زينب زوجة عبدالله ابن مسعود أنها “كانت صناع اليدين “، وروي ابن سعد في الطبقات الكبرى: ان إمرأة عبدالله بن مسعود وأم ولده كانت أمرأة صناعا، فقالت: يارسول الله إني إمرأة ذات صنعة أبيع فيها، وليس لي ولا لزوجي ولالولدي شيئ. وسألته عن النفقة عليهم، فقالت: لك في ذلك أجر ما أنفقت عليهم. صحيح سنن بن ماجه باب الصدقة على ذي قرابة.[3] فرسول الله مدحها على فعلها ولم يخص البيع للنساء أو الرجال، ففي الرواية إقرار بالمعاملة البيعية وعلى مشروعية عمل المرأة المهني وإن إستلزم الإختلاط بالرجال الأجانب وإن كان خارج المنزل في السوق أو غيره.

وروي البخاري ومسلم عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: ” تزوجني الزبير وماله في الأرض من مال ولا مملوك ولاشيئ، غير ناضح وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه، وأستقي الماء، وأخرز غربه وأعجن…. وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله على رأسي، وهي من على ثلثي فرسخ..”[4] . ومن خلال الرواية يتبين أن أسماء كانت تعمل عملا إنتاجيا – غير عمل الزوجة في البيت والغرض منه تنمية الثروة والكسب، وكان ذلك بمرأى ومسمع من رسول الله «ص» فدل ذلك على مشروعية العمل الإقتصادي الزراعي والصناعي والخدماتي – راجع ك حق العمل للمرأة – الشيخ محمد مهدي شمس الدين.

وإننا عندما ننظر إلى الحقبة الماضية من التاريخ – في مرحلة ما قبل النفط – ولسنوات غير بعيدة، فإننا نجد دور المرأة السعودية كان بارزا في ممارسة العمل الحر كالتجارة والصناعة والحرف، وكانت تشارك الرجل في زراعة الحقول وفي رعاية المواشي، وكانت تمارس العمل الخدماتي في أكثر من مجال برغم بساطة الحياة وزهدها.

ومع متغيرات الحياة اليوم أصبحت حاجة المجتمع لعمل المرأة ماسة وملحة، فالتحديات أكبر وأخطر وأوسع من قبل، والمجتمع سابقا كان فقيرا والحاجة لم تكن قائمة، لكن اليوم الوضع مختلف تماما فهناك تزايد في الحاجة مقابل قلة في العمل والإنتاج مما ينذر بالخطر. والحاجة تلزمنا أن نقيم علاقة سليمة مع المرأة ونتعامل معها كإنسانة لها طاقات وإمكانات وقدرات لبناء مجتمع صالح ومتقدم، وأن نحجب عنها نظرة الريبة والحذر والشك، فالتطلعات كثيرة والآفاق كبيرة وواسعة في مختلف المجالات، لاسيما بعد مرحلة العولمة والإنفتاح على منظمة التجارة العالمية، مما يحفزنا ذلك على سرعة تدارك الخطر، ويجعلنا نهيئ البيئة السليمة والمناسبة لإعداد المرأة وتمكينها كعنصر رئيسي ومشارك مهم في عملية التنمية و لتحقيق التوازن الإقتصادي في المجتمع، وتبقى المرأة هي الأم والأخت والزوجة والشريكة في تأسيس المستقبل.

وعلنا نتسائل ما أهمية حاجة المرأة للعمل؟ مادام أبوها أو زوجها مكلفا شرعا بالنفقة عليها؟ ومادامت هي في غنى عن ذلك؟
إن حاجة المرأة للعمل تنبع من عدة أمور أهمها:

1- العمل الوظيفي أو المهني ليس واجبا على المرأة، لكنه حقا من حقوقها تستطيع أن تتطوع به أو تؤديه لتتمتع بثمرة عملها وجهدها، أو تنفيه وذلك حسب رغبتها وإختيارها.
2- إن وجود ولي الأمر الذي يتولى الصرف على المرأة لا ينفي حرمانها من العمل إن طلبت ذلك، ولها حرية التصرف في مالها.
3- تمتلك المرأة الكثير من الطاقات التي يمكن أن تفيد بها المجتمع، كما تمتلك الوقت الذي يمكن أن تصبه في عمل مثمر يعود عليها بالنفع والفائدة، بدل إهداره في النوم والكسل، أو الثرثرة واللهو، أو أمام شاشات التلفاز حتى أصبحت تعاني من الترف والسمنة.
4- عمل المرأة مطلوب لتقدم المجتمع، فلا يمكن لمجتمع أن ينهض ونصفه معطل، ويمكن لها أن تسد الثغرات الناقصة في بعض المواقع المناسبة لها في العمل الإداري أو الخدماتي الخاص بها كالتمريض، والطب، والجراحة، والتجميل، والتعليم – الخاص بالنساء.
5- المشاركة في نفقات الأسرة والتوسيع على أبنائها، حسب رغبة المرأة دون إلزامها.
6- للقضاء على الفقر والعوز والحاجة، خاصة نفقة المرأة على أسرتها وتأمين سبل العيش لها، بالذات إذا كانت المرأة يتيمة أو مطلقة أو أرملة، أو هناك نقص وقصور وعجز يمنع الزوج من الصرف على الأسرة.
7- حاجة المرأة للعمل لتأمين مصدر مالي يمكن المرأة من المساهمة في أعمال الخير ومؤسسات العمل التطوعي التي تخدم المجتمع في الثقافة والتعليم والصحة وتوعية المجتمع.
8- سد النقص في بعض الظروف الخاصة، كالأزمات والحروب، وتبدوا الحاجة ماسة لإنطلاق المرأة لتعوض مواقع الخلل.
9- الإنتاجية والعمل لتنمية الوطن بد ل الإعتماد على العمالة الوافدة، وتفادي مشاكلها.

ملاحظات هامة:

• ليس هناك ثمة شك في دور المرأة المربية، وهو الدور الحقيقي الذي من خلاله ترعى أسرتها، وتربي أبنائها وتنشئهم التربية السليمة وتغرس فيهم المبادئ والقيم الإسلامية والتربوية الصحيحة، ولاكن بالمقابل ليس هناك حرجا في أن تمارس المرأة دورها في بقية أمور الحياة، فليس كل النساء متزوجات ويرعين أسر، والدليل نسبة العانسات التي تصل إلى المليون ونصف في المملكة حسب الكثير من الإحصاْءات، وهناك المطلقات والأرامل، بغض النظر عن أن هناك الكثيرات تزوجن وإنتهى دورهن في عملية التربية لاكنهم يروا أن لديهم طاقات وقدرات يمكن أن يساهمو بها في التنمية وخدمة المجتمع، إضافة إلى عدد الخريجات العاطلات عن العمل، فأيهما أصلح أن تفعل المرأة دورها ونشاطها، وتسد رمق حاجتها بعفة وكرامة وشرف فضلا أن تكون عالة على الأخرين من الأهل والأقارب، أم نحبسها في المنزل ونفرض عليها عزلة قاهرة بحجج ما أنزل الله بها من سلطان.

• لا خوف على المرأة أن تخوض مجال العمل وهي محافظة على حشمتها وروح الفضيلة في ذاتها، ولايمكن لاأحد أن ينالها بالتجريح والأذى مهما كان نوعه، فثقتها بنفسها تزداد وفكرها ينضج لأن التجارب التي تكتسبها في العمل تقوي فيها هذه الروح. وقد رأينا المجتمع في البداية كيف حارب التعليم وكيف حارب التمريض، واليوم نرى الطبيبة والمعلمة والكاتبة والصحافية، وسيدة الأعمال، والفنانة التشكيلية ومهندسة الديكور تشق طريقها، فلماذا لا نرى بجانبها الداعية والإعلامية والتاجرة ونرى المرأة في الشركة والمصنع وفي المجالات الأخرى تؤدي دورها ورسالتها التي تؤهلها لإطلاق مواهبها، و تجعلها تقضي على وقت الفراغ.

• إن للحياة في كل مظهر من مظاهرها جانبا للخير والفضيلة وآخر للشر والرذيلة، ولا يعني سقوط البعض في مهاوي الرذيلة والإنحراف يعني أن ننظر لعامة النساء بهذه الطريقة التي لا تليق بالتفكير الواعي فضلا عن منافاتها للمعنى الإنساني في العمل كحق من حقوق المرأة في الحياة. ولوفرضنا بأن وجود الفتاة في المنزل خيرا من خروجها للعمل، فمن سيضمن الحصانة والحماية داخل البيت، هذا إذا كانت نظرتنا مريبة تجاه بعض الشواذ من الفتيات وتصرفاتهن الخارجة عن اللياقة والأدب، فالأم مشغولة بمسؤولياتها، والفتاة تمارس سلوكيات مخلة ومنحرفة، فالقنوات مفتوحة، وشبكة الشات والنت وكافة وسائل الإتصال بين يديها وليس هناك مايردعها أو يمنعها من ممارسة ماتشاء، ووجود مثل هذه الحالات المريضة، لايجعلنا في موضع الإطلاق، فلكل قاعدة شواذ.

معوقات لابد من تجاوزها..

محاربة العادات والتقاليد الخاطئة التي لاتزال تحاصر المرأة السعودية، وتقف في طريق تقدمها، فتمنع المرأة من ممارسة حقها الطبيعي في الحياة، وتمنعها من ممارسة دورها في المجتمع ومساهمتها في عملية النهوض بالتنمية، وهناك الكثير ليس فقط من أولياء الأمور بل من المتدينين وبعض الدعاة من العلماء يمنع المرأة من دخول ميادين العمل بذريعة درء المفاسد والشبهات، والقواعد الفقهية موردها للرجل والمرأة سواء، والإستدلال بها في معالجة المشاكل الإجتماعية يجب أن يكون في ضمن معالجة عقلانية موضوعية علمية دقيقة تبين مقاصد الشرع وغاياته الحقيقية دون زيادة أو نقصان.

مسولية العلماء..

2- نحن بحاجة للمثقفين الواعين ولعلماء جرئيين لمعالجة مشاكل المرأة، وعلى رأسها مشكلة حرمان المرأة من حقوقها العامة والخاصة، وتصحيح الشبهات التي تثار حول الإختلاط و- الحجاب – فالشرع والفقه لايقف ضد حجاب المرأة مهما كان شكله مادامت تحافظ على قيمها وأخلاقها، نحن بحاجة لمحاربة العادات والتقاليد القاسية والخاطئة، وتصحيحها في أذهان العامة من الناس، كما نحن بحاجة للعلماء المتنورين للرقي بوعي المجتمع عبرإيضاح التأصيل الحقيقي والشرعي لقضايا المرأة وحقيقة دورها، وتصحيح الرؤية التقليدية تجاهها بتصنيف الأحاديث الواردة عن النبي «ص» وعن أهل البيت «ع» وصحابته «رضوان الله عليهم» التي تؤكد على قيمة المرأة ورفعتها، وتجاوز كل ماورثناه من مقولات وأحاديث ضعيفة السند أو وضعيه آنية، وبعضها يحتاج إلى تفسير وإيضاح، فقد غرست في نفوس المجتمع وأصبحت مبررا لظلم المرأة وإحتقارها على صعيد العلاقات الأخلاقية أو على صعيد المواد التشريعية والقانونية والتي دفعت المجتمع لوضع فروقات وتمايزات حتى أصبحت مبررا لممارسة الظلم والإهانة تجاه المرأة.

3- دور المرأة المطلوب في تصحيح هذا الواقع بأن تكون من نفسها نموذج واقعي وحقيقي للمرأة العاملة تقتفي على أثره وتقتدي بها مثيلاتها من النساء، في الإلتزام والأدب والحشمة، والإبتعاد عن مواطن الحرام والشبهة، ولتنظر إلى واقع المرأة السيئ في دول الغرب أمامها عن قرب وفي وسائل الإعلام وقد تجردت المرأة من إنوثتها حتى أصبحت أداة للإستمتاع واللهو والإثارة، تجدها على الفضائيات كالسلعة تتداولها مؤسسات الفن والإعلام المتدني، وتحصر إهتماماتها بالتجميل والأزياء والفيديوكليب بإسم العمل و الحرية من دون حاجز من دين أو خلق، وتنظر إلى المرأة المسلمة المحجبة في المجتمعات الإسلامية فترى المرأة اليوم أثبتت دورها وحضورها في المجتمع الإسلامي على أكثر من صعيد وبرزت كدورمتكامل مع الرجل في الثقافة والتربية، وفي الإجتماع والإقتصاد والسياسة وعلى أكثر من صعيد.

4- دور الجهات المسؤولة – خاصة وزارة التخطيط، ووزارة العمل، ووزارة المعارف في التخطيط التربوي السليم لإشراك المرأة السعودية بشكل حقيقي مدروس في خطط التنمية وتطبيق هذه الخطط، لخلق جيل نسوي واعي يحقق النجاح الأسري ويؤدي دوره في مختلف حقول الحياة، ولابد من صقل المرأة وتنمية مهاراتها، وتوعيتها بثقافة العمل وطبيعته، وأهميته وأن يتحول ذلك إلى منهج في الثقاقة والتربية و السلوك.

5- التفكير الجاد في عملية التوظيف الخاص بالمرأة في مختلف القطاعات التي تتطلب التفكير الجاد في حاجة سوق العمل، و تخريج الكوادر بناءا على ذلك، وإيجاد المناخات المناسبة، وفرض السعودة، وسرعة العمل على إيجاد برامج تأهيلية ذات جودة وكفاءة عالية للنهوض با المرأة في المجتمع السعودي.

6- تحديث الأنظمة والتشريعات الخاصة بعمل المرأة وتحديثها حسب متطلبات الواقع وحسب ما يتناسب مع وضع المرأة الصحي والإجتماعي.

7- توفير الحماية والأمن الوظيفي بضمان حقوق المرأة العاملة، وهذا دور وزارة العمل والمؤسسات الحقوقية بالعمل على إيجاد مادة قانونية سهلة التناول تتضمن حقوق المرأة العاملة كسيدة أعمال، وكمستثمرة، و موظفة سواء في القطاع العام أو الخاص.

أخيرا:

الإسلام دين الرحمة واليسر، دين الأخلاق والحضارة الراقية، دين الإستقامة والسلوك القويم، دين الرحابة والسعة، والرفق في المعاملة وتعاليم الإسلام وضعت ضوابط تمنع كل ما يثير الفتنة لاسيما في التعامل بين الرجل والمرأة، وقد حذر المولى بغض الإبصار عن كل مايدعوإلى العبث واللذة، قال تعالى «قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون»[5] .

وعلينا أن لانغفل أنه في الوقت الذي كرم الإسلام جهود المرأة في التربية وفي تكوين الأسرة الصالحة، في الوقت ذاته لايمنع أن تكون المرأة وزيرة، ونائبة، ومديرة، ورئيسة وأن تمارس العمل في مختلف مجالاته الإقتصادية والإجتماعية والسياسية وتحصل على كافة حقوقها مادامت في إطار الحشمة والفضيلة.
————————————-
[1] سورة الملك آية 15.
[2] حق العمل للمرأة، آية الله محمد مهدي شمس لدين ص 195.
[3] حديث رقم 1485 ج1 ص 207 ، الطبقات الكبرى لإبن سعد: 8/290.
[4] صحيح البخاري – النكاح – باب الغيرة ج11 ص 234 صحيح مسلم. ك السلام.
[5] سورة النور، الآية 30.

 

تعليق واحد على “عمل المرأة السعودية بين أحكام الشرع والتقاليد”

  1. سوسن علق:

    أنا مع عمل المرأة والأسلام لم يحرم هذا وكما قلتي ياأختي الفاضلة ضمن حدود الشريعه الأسلاميه وخاصة في هذا العصرلان ضروف الحياة تغيرت 180درجة بسبب غلاء المعيشة فامرتب الزوج لايكفي فالأسلام حثنا على التعاون في شؤون الحياة الزوجيه وفي بعض الأحياناالعادات والتقاليد هي لتي تحكم بعض الناس فاأصبحنا نخشى الناس في كل شي حتى لوكان عملنا صحيح لا أُطيل عليكم فأن معجبها في التجربه الماليزيه جداً رائعه وأيضا التجربه في الجمهوريه الأسلاميه الأيرانيه عن عمل المرأة وجزاكم الله كل خير أختي الفاضلة

أضف تعليقاً