أ . عالية فريد >> مقالات


القلاع والحصون التاريخية.. حضارة لاتنسى (أشهرها في دول الخليج)

3 ديسمبر 1993 - أ . عالية فريد

تعتبر القلاع والحصون من أبرز المعالم التاريخية التي شيدت منذ آلاف السنين, فهي رمز حضاري وتراثي ثمين, تشهد لماضيها العريق وتشير إلى أهمية موقعيتها على صفحات التاريخ, وما أدته من دورحيوي وبارز في خدمة الأمم والشعوب.
وهي نتاج تراكمي لعقود طويلة من المعارف الإنسانية إجتمعت فيها الخبرات والتجارب, وإنصهرت فيها القيم الدينية والبيئية والإقتصادية والإنسانية والعسكرية والعادات والتقاليد لتشكل حضارة, فحضارة مجتمع هي حصيلة تجاربه وإنجازاته, و شواهده ومدلولاته التي تشير إلى كل مرحلة من مراحل تطوره, وشواخصه ألأثرية التي إندثر بعضها وبقي البعض الآخر ليدل عليه كما هي اليوم.التاريخ

إتخذت القلاع أهميتها في العصور الإقطاعية حيث كانت أوربا تعيش حروبا مستمرة, وكان الناس بحاجة إلى الأمن والإستقرار, فاتخذوا القلاع ملجأ للحماية, فعرفت الموسوعات القلاع بأنها منزل السيد الإقطاعي وحصنه.
وباعتبار أن الغزو في العصور الجاهلية سمة من سمات توسع الدول والممالك والتعصب القبلي والهجوم المباغت – صراع من أجل البقاء – فقد كان التحصن آلة للدفاع عن النفس والقبيلة والدولة, ورغم شمولية الدين الإسلامي وتوسعه وإمتداده في أصقاع الأرض وإنه جاء ليطهر المجتمعات من هذه المفاهيم إلا أنه مع ذلك بقيت الحصون والقلاع في – بلاد العرب – تمثل قوة للدولة في الدفاع عن نفسها من غزو وإعتداء الآخرين.
فالقلعة (CASTLE) هي حصن أوموقع دفاعي تشيد على تل أو رابية أو فوق جبل أو على سفحه, وعادة ماتتكون من عدة أبراج حجرية ضخمة مربعة أو دائرية الشكل تتصل بأسوار منيعة ذات فتحات يقف خلفها المقاتل للدفاع عن حياض وطنه فيلقي منها سهامه في نجوة من أعين المهاجمين.

وكانت القلاع تمثل بيوتا للحرس, وتؤمن الحماية والحراسة من عمليات التسلل بين دولة وأخرى, وتقوم أحيانا بدور الحدود التي تفصل بين الدول والمواطن المجاورة, لهذا عادة ما يستحكم سور القلعة بشكل مثبت وقوي يضم بين جنباته فتحات إطلاق نار ومخابئ.
فكانت القلاع والحصون إلى وقت ليس بعيد مصدر سلطان نفوذ الدولة, وكانت قاعدة أساسية للممالك والدول وإمبراطوريات العصور القديمة التي تأسست في موطن العرب ومهد الحضارات., فالقلعة مكان إستقرار الحاكم والحصن يدافع به عن نفسه من مهاجمة الأعداء وأطماع الغير.

الإعمار والبناء

بناء القلعة يكون محكما, يتميز بسعة القطر والمساحة وعلو الإرتفاع في أسوارها وجدرانها, تضم بداخلها آبار متعددة يترواح عددها م7-10 آبار تقريبا, وفتحات متعددة لمرابطة المقاتلين والمدافعين, وتضم بداخلها مواقع متعددة تستخدم كسجون لتنفيذ العقوبات ضد مرتكبي المخالفات والجرائم.
و تبنى القلاع عادة إما على حافة سهل, أوحافة بحر أو وسط سلسلة من الجبال, وتستخدم أدوات البناء حسب البيئة الطبيعية التي تشيد فيها القلعة, فبعض القلاع مصنوعة من حجارة الجبال المنحوتة, وبعضها من الجص والطين والطابوق أو من السعيفات وأعواد الصندل والكندل والليف ومادة تسمى الصاروج وترتبط القلاع بحصون ذات ممرات طويلة معقدة تؤدي إلى أنفاق سرية وأبراج محصنة في الجهات الأربع.
وعندما نتأمل القلاع على إختلاف مواقعها فإننا نلاحظ إشتراكها في هيكلية تصميم واحدة, وذلك من حيث:
1- تبنى القلاع بفن دفاعي كبير وذوق معماري رفيع في نقوشاتها الرائعة, وجدرانها السميكة, وأبراجها العالية, وسقوفها المطلية, وأقواسها المتعددة.
2- تتكون أكثر القلاع من طابقين, يوجد بالطابق الأرضي (مساكن صغيرة ومظلمة) تعد مخازن للأسلحة, وغرف إستقبال كبيرة, وبوابات ضخمة وآبار، و بعض القلاع يضم إضافة لذلك مسجد للصلاة, وقاعات دراسية لتعليم القرآن والعلوم والمعارف الدينية.
3- تحتوي الطوابق العليا على فتحات مدافع متفرقة, كما توجد مساقط لصب الزيت أو عسل التمر المغلي على المهاجمين دفاعا عن النفس.
4- خارج القلعة عادة مايضم 4-6 بوابات كبيرة, وأبراج دائرية مجوفة, ومجموعة كبيرة من الحصون, وتحوط أكثر القلاع مجموعة كبيرة من الأشجار والنخيل.

وظيفتها وأهمية حصونها

كانت القلاع تقوم بدورين أساسيين المسكن والحصن, وقد دعت له ظروف الحياة في العصور الخوالي التي كثر فيها القتال, ويعتقد بعض المؤرخين أن القلاع بدأت في الشرق العربي في أيام الأيوبيين في سورية ومصر, وقد وصل بناء القلاع إلى أزهى مراحله في القرن الثاني عشر. وإن كان الصواب أن العرب عرفت القلاع في مرحلة مبكرة من تاريخهم قبل الإسلام, ومثال ذلك قلعة الكرك بالأردن والتي يرجع تاريخ بنائها إلى سنة 826 ق.م.
إن أقوى أقسام القلعة هو الحصن, والحصن لغة: حصن يحصن حصانة المكان: صار منيعا
يحصن البلد ويعلوشأنه برجاله, الحصن: المكان المنيع.
و البرج المحصن هو بناء شاهق يشبه البرج وله جدران سميكة, وكان بالإمكان الدفاع عن هذا الحصن بيسر حتى وإن تم الإستيلاء على بقية القلعة أو تدميرها.
وتعتبر الحصون هي المركز الرئيسي للدفاع عن المدن والتحصن من الأعداء, وأيضا مقرا للحكم, ومخازن للذخيرة والمؤن والعتاد وقوت العيش, وحامية للملوك والأمراء في بعض الدول, كما أستخدمت سجنا للمخالفين, ومقرا لإجتماع أهل الولاية وإدارة شؤون الدولة او القبيلة, وأيضا إستخدمت كمضيفا يستقبل فيه الزوار. وقد كانت معظم الحصون منيعة, حيث أن المهاجمين قد يحاصرون أي حصن مدة شهر أو أكثر دون جدوى وذلك لحصانته المنيعة حيث يعد إقتحامه أمرا عسيرا, ولايمكن أن يتم تغيير أي حكم ما مالم تتم السيطرة على تلك الحصون.

ويتألف الحصن من دور سكنية ومكاتب ومجالس ومستودعات, وكذلك إسطبل وزرائب ويكون في جوانبه وزواياه أبراج الدفاع التي عادة لاتقهر, ولهذه الأبراج فتحات خاصة يرمى من خلالها بالسلاح عن طريق البنادق والسهام.

ورغم العدد الكبير من القلاع والحصون التي وجدت في العالم العربي عبر تاريخه الطويل وفي دول الخليج خاصة, فإضافة إلى عوامل التعرية والحروب, كان تدخل الإنسان فبغية للتطور والطفرة النفطية والإقتصادية في الستينات, ومارافق ذلك من طفرة عمرانية هائلة أدى ذلك لمحو آثار الفقر والتخلف الذي كان سائدا من قبل, فقد أدى هذا النموالمتسارع إلى هدم مباني وأحياء تراثية عديدة, والتي تضمنت العديد من القلاع والحصون فمعظمها إندثر, وجزء منها لايزال باقيا إلى يومنا هذا يحاكي الزمن ويرثي الحال ربما تصيغه حكايات الماضي أو يسطره التاريخ للأجيال القادمة.
ومن أشهر القلاع والحصون في الخليج هي كالتالي:

عمان

قلعة نزوى, وتعتبر من أضخم المعالم الحضارية والتاريخية في عمان, قام ببنائها الإمام سلطان بن سيف بن مالك اليعربي سنة (1059 هـ – 1649م وإستغرق بناءها إثني عشر سنة, كانت أكبر المراكز البرتغالية البحرية في الشرق, وتتميز بعلوها وحصانها وموقعها المتميز, فهي تتوسط مدينة نزوى, تحولت إلى مزارا سياحيا بعد إن تم تأثيثها بجميع الحرفيات والأدوات التراثية التقليدية.
قلعة الجلالي والميداني, وهي من أشهر القلاع العمانية, بنيت قلعة الميداني قبل قدوم البرتغاليين إلى عمان, وفي عام 1588 م أعاد البرتغاليون بناءها وتوسعتها.
أما قلعة الجلالي, فهي تطل على خليج عمان وتم تطويرها في القرن التاسع عشر في عهد السلطان قابوس بن سعيد.
قلعة بهلا, يمتد سورها لمسافة 12كم حول القلعة, ويعود تاريخها للألف الثالث قبل الميلاد, وقد إرتبطت بالعديد من الحضارات القديمة في بلاد ما بين النهرين وبلاد فارس.
قلعة البرستاق, تقع عند سفح الجبل الأخضر في ولاية الباطنة, أنشئت عام 1250 م, وتتكون من أربعة أبراج, إرتفاعها من 11-18 متر, ولها أربع بوابات كبيرة.
أما الحصون في عمان فهي كثيرة وأشهرها,
حصن الرستاق, ويعود تاريخ بناء أقدم أجزاؤه إلى القرن الأول قبل الإسلام (القرن السادس الميلادي).
حصن بهلاء, ويعود تاريخه إلى ماقبل الإسلام, ونظرا لأهميته فقد أدرج ضمن قائمة التراث العالمي من قبل منظمة اليونسكوا عام 1409 هـ – 1988 م.
وأبرز الحصون في عمان حصن الحزم, حصن جبرين, حصن خصب, حصن المنتدب, حصن بلهاء, حصن صحار, حصن الخندق, حصن مرباط, حصن بيت النعمان, حصن طاقة, حصن بركاء.

الإمارات

وأهم القلاع فيها, قلعة البثنة ويعود بنائها عام 1735م تقريبا.
قلعة ضاية, ويعود بنائها للقرن التاسع عشر عام 1819م.
قلعة الفجيرة وقلعة الجاهلي ومزيد والميل.
وعن الحصون. فيوجد قصر الحصن, بناه حاكم أبو ظبي سنة 1793م 1816هـ, وكان مسكنا للحاكم وعائلته, ثم ملجئا لبقية السكان أوقات الحروب والنزاعات.
حصن الفهيدي, شيد عام 1787م، أستخدم مقرا للحكم ثم محكمة ثم مستودعا للذخائر ثم تحول إلى سجن للخارجين عن القانون وهايته صار متحفا.
حصن الشارقة, تم بناؤه عام 1820م, تتجلى فيه الهندسة المعمارية القديمة, وقد لعب الحصن دورا كبيرا في التطور الإجتماعي والتجاري والسياسي والعسكري لإمارة الشارقة, ويعد الآن مركزا يعكس مراحل التطور في الشارقة, فكل غرفة في الحصن تعكس مرحلة من مراحل التطور. بالإضافة إلى حصن كلباء, وحصن عجمان, وحصن أم القوين, حصن رأس الخيمة, حصن سلطان.

قطر

أهم القلاع في قطر, قلعة الزبارة, قلعة القارية, قلعة مآب, وقد رممت قلعة الزبارة وهي كل ما تبقى من المدينة. وقد إشتهرت قطر بالأبراج أكثر من القلاع.

البحرين

القلعة الإسلامية والتي بنيت في القرن الحادي عشر وتقع على ساحل البحر وأعيد تاسيسها إلى القرامطة.
قلعة البرتغال, تقع على تل وتعود إلى القرن السادس عشر.
قلعة الرفاع, بنيت في القرن السابع عشر فوق جرف يطل على الصحراء المنخفضة بين المستوطنات القديمة في الرفاع الشرقي ومدينة الرفاع الغربي.
قلعة المنامة (قلعة الديوان) بنيت في النصف الأول من القرن الثامن عشر, يشغل الموقع حاليا القيادة العامة للأمن العام.
قلعة عراد, بناها العمانيون في آواخر القرن الثامن عشر ولاتزال قائمة بإرتفاعها الكامل, بداخلها ثلاثة حصون ضخمة وعالية, وغرف وسلالم, وقباب.
قلعة أبو ماهر, أعيد بناؤها في شكلها الحالي عام 1840 م بواسطة الشيخ عبدالله الخليفة.

السعودية

إشتهرت المدينة المنورة من بين المناطق بعمارة الحصون والقلاع, كما إنتشرت عبر أرجاء المنطقة نفسها التحصينات الدفاعية, وعلت القلاع عند الواحات وعلى المرتفعات الجبلية, وعلى إمتداد طرق التجارة والحج منذ بداية العهد الأموي وإن أكثرها إندثر مع التوسع العمراني, ومن أهم القلاع والحصون التاريخية التي أنشئت في القرن الأول للهجرة هي:
قلعة الفرع, وهي قلعة أثرية مهمة بنيت على مرتفع العيص شمال ينبع, ويعود بنائها إلى فترة سابقة للإسلام, بنيت القلعة من الكتل الحجرية النارية وبإسلوب معماري مميز.
وفي الطائف يوجد عدد كبير من الحصون والقلاع والقرى الأثرية التي تدل على عراقة الماضي وأصالته, وتعود للعصور الأموية وعصور بني هلال, وتوجد هذه القلاع في المناطق المرتفعة وفي أعالي الجبال ويتراوح إرتفاعها مابين 10 – 30 مترا مبنية من الحجارة ومغطاة بالخشب وسعف النخيل, وتتكون من طابق أو طابقين كانت تستخدم مساكن للأقوام السابقة, ويوجد في أعلاها فتحات صغيرة كان يجلس بها رجال عرفوا بقوة النظر ودقة الرماية مهمتهم مراقبة الأعداء وحماية القبيلة من الغارات التي قد تتعرض لها. ويذكر أن بعض الحجارة التي بنيت بها كبيرة جدا, ويعجز عشرات الرجال عن تحريكها أو رفعها إلى كل هذه المسافات مما يدل على قوة السواعد التي قامت ببنائها بطريقة هندسية جميلة ولازالت صامدة.

المنطقة الشرقية.

أشتهرت المنطقة بالقلاع ومن أههمها:
توجد في الأحساء قلعة العقير في ميناء العقير, وقلعة صاهود, وقلعة إبراهيم باشا, إلى جانب وجود قلاع وأبراج متفرقة في مدن وقرى الأحساء, كما في مدخل الجفر وكذلك المطينة في خارج منطقة الطرف.
قلعة القطيف, الذي بناها وأسسها (أردشيربن بابك) مؤسس الدولة الساسانية سنة (226- 241م), وهي من جملة المدن التي بناها للتحصينات العسكرية.
وتقول رواية فارسية إن أردشير إبتنى هذه المدينة وسماها (تبن أردشير) لأنه بنى سورها من جثث أهلها الذين شقوا عصا الطاعة, فجعل سافا من السور لبنا وسافا جثثا. وكانت تتكون القلعة من الخان, الدروازة, قصور الضيافة, وحضائر المواشي, كما كانت تستخدم مخزنا للعطور والتوابل, وأنواع البضائع الواردة لها من جزيرة تاروت وتسمى (جبارو- jiparo).
القلعة البرتغالية قلعة تاروت وتقع في منطقة تاروت التي بنيت على أنقاض هيكل عش تاروت, ولاتزال معلما حضاريا شامخا إلى اليوم.
قلعة محمد بن عبد الوهاب, وتوجد في منطقة دارين, وهي قلعة دفاعية بناها البرتغاليون في القرن السادس عشر الميلادي لسنة 1313هـ, ثم جددوا بنائها سنة 1302 هـ.
قلعة عنك ويوجد بها برج مربع, لكنها هدمت وليس لها أثر.
قلعة سيهات, ولها أربعة أبراج وثلاث بوابات, تصدعت سنة 1258 م وأعيد ترميمها في العام نفسه, وهناك أدلة تاريخية تفيد بأن القلاع في منطقة القطيف قد بنيت بسواعد أهلها للدفاع والزود
عن حياض الوطن من كل معتد. وهناك كثير من الكتاب أيضا ذكروا أن القلاع في المنطقة عرفت قبل غزو البرتغاليين,,إنها قديمة بعيدة الأثر.

أضف تعليقاً