أ . عالية فريد >> حديث الشهر


كيف ينبغي أن نقرأ الحدث بعد إغتيال

21 مارس 2004 - أ . عالية فريد

بما تحمل جريمة إغتيال الشيخ أحمد ياسين من شجى وألم ، ففيها صحوة للضمير الحي ، ويقظة للوجدان الآدمي، وفيها إستنهاض لهمم الشعوب الواعية التي باتت ترفض الهزيمة وتقارع سياسة الظلم ، فقد إستفاقت من غفلتها و لم تعد كالسابق حيث نراها شعلة متوقدة ، وجمرة حقد غاضبة تهب في كل مكان لتشعل فتيل الرفض لا للمساومة والإستسلام ، و كأنها تقول للعالم كله كفانا تنديدا وإستنكار، كفانا مؤتمرات و مساومات وإنعقاد قمم لا نتائج لها . سوى التدمير وإحراق البيوت وإرتكاب المجازر وقتل الأبرياء وإستنزاف الدماء ، والصهيونية تمارس عنجهيتها في كل يوم أكثر مماسبق مخترقة كافة الأنظمة والأعراف الدولية مستبيحة للحقوق والقيم الإنسانية بدون أدنى رادع أو ضمير.

إن مقتل هذا الرمز المناضل لن يخيفنا ، ولن يثبط عزيمتنا تجاه القوى الصهيونية المتغطرسة ، فنحن نعشق إلشهادة ، ودمائنا متعطشة للحق والحرية ولن نرخص بأرواحنا تجاه تحرير أرضنا السليبة وحقنا المغتصب ، ولن يهزمنا إغتيال الرموز والقيادات ، فكلما رحل شهيد إستعد للمواجهة شهداء ، وإن قتل رمز ولد مئات الرموز وهذه سنة الحياة في صراع الحق ضد الباطل ، والحمدلله الذي جعل أعدائنا حمقى ، فهل ماحدث سيوقف جهادنا ضد العدو ؟ وهل سيضعف من عزيمة الشعب الفلسطيني ؟ وهل ستتراجع فصائل الحركات النضالية عن المقاومة ؟ كلا وألف كلا ! فقد رحل فتحي الشقاقي ورامي عياش وعز الدين القسام وغيرهم الكثيرمن المجاهدين الأحرار ، وعلى أثرهم نهضت العزيمة وقويت الشوكة وهب الشعب يحقق إنتصارا تلو الإنتصار ويصل إلى عمق الكيان الصهيوني زارعا فيه الخوف والذعر ، وماهذه الجرائم البشعة التي يرتكبها إلا نتيجة ما يعيشه من إضطراب وقلق ورعب .. فهنيئا الشهادة للشيخ المجاهد ، وهنيئا لأسرته وإخوانه وللشعب الفلسطيني الصامد بهذا العرس المجيد ، وأمام كل هذه العطاءات والتضحيات يحق لنا جميعا أن نفخر و نحني هاماتنا إجلالا وإكبارا لأحمد ياسين ولبقية الشهداء الذين ستبقى ذكراهم مشرقة على صفحات التاريخ تضيئ الدرب وتنير الطريق لكل مناضل شريف .
وإن الحدث الجلل الذي ألم بالشيخ رحمه الله يجعلنا نفكر في أوضاعنا وفي حال أمتنا مرة وألف مرة ، إلى متى هذا التخاذل ؟ وإلى متى هذا الضعف وهذه الفرقة ؟ فلايكفي أن ندين سياسة شارون ، بل ندين كل من يدعم شارون ومن يقف وراءه ويسانده من الساسة الأوربيين والأمريكيين .
إن الصهيونية حركة سياسية خطرة تهدد أمتنا وكياننا العربي والإسلامي ، وذلك كفيل بأن يدفعنا تجاه قراءة ماحدث بعقل نافذ وبصيرة واعية نجعلها ضرورة ونحسب لها ألف حساب وذلك لايتم إلا عن طريق مايلي :
1- قراءة الواقع السياسي الأمريكي ، ليجعلنا ذلك واعين بالمخططات والمؤامرات التي تدور حولنا ، فتراثنا وتاريخنا وعقيدتنا تحثنا على ذلك ، وتدفعنا تجاه الوعي بالأحداث عارفين بها ، لندرك الأساليب وطرق التفكير التي يلجأ إليها العدو حتى نكن منه على حذر ف( العالم بزمانه لاتهجم عليه اللوابس ) كما يقول الإمام الصادق (ع) ، أي أن من عرف زمانه وفهمه أدرك خفاياه ولم يفاجأ بالأمور المحيرة .
فما وقع من أحداث سابقة وما يمارس الآن بحق الشعب الفلسطيني من تشريد وقتل ، من سجن ونهب وسلب ودمار ، من ضحايا لم يراعى فيها الشيخ الكبير ولا الشاب الصغيرولا المرأة والطفل تأكل الأخضر واليابس وتحرق الأرض بما فيها وما عليها ، و بكل قسوة وإستبداد تمارس قوى العدو المحتل سياستها من تنكيل مستمر ومواجهة حادة بالصواريخ والقذائف والدبابات على شعب أعزل من السلاح ، آخرها تلجأ إسرائيل لتصفية الرموز والقيادات . وما جرى في أرض أفغانستان من ويلات ، ومايجري اليوم في العراق ليدمي القلوب ، ومايخطط له الآن ويحاك ضد مجتمعاتنا وشعوبنا ، كل ذلك كفيل بأن يجعلنا واعين بزماننا لاأن نكون قابعون وفي تهويمة النوم غافلون ، وعلى حين غرة نجد أنفسنا مستسلمون خانعون ، وقد تمكنت منا قوى الإستكبارلجهلنا بزماننا ولاأننا لم نحسب للأمور حسابها ولا نعلم بما ينبغي علينا فعله . نعم يجب أن لانكون غافلون عما يجري وما يحاك حولنا خلف الكواليس .
2- إن مايجري في فلسطين اليوم وفي بقية الدول من إعتداء وإحتلال و ما تؤول إليه الأحداث فرصة يجب أن نفكر فيها جميعا كيف نستعيد من خلالها قوانا وثقتنا بذواتنا ، ونعيد النظر في إستراتيجياتنا وتنظيم أمورنا عن وعي وحزم ، فقد آن الآوان للدول والأنظمة العربية أن يصحوا ضميرها وأن تحدد مواقفها ، فالساحة اليوم بحاجة إلى مبادرات و مواقف صلبة عملية تتبناها وتحدد مسؤولياتها تجاه التعامل مع قوى الإستكبار في العالم ، فالزعماء والحكام مؤتمنون على رقاب الناس وكل مؤتمن مسؤول ومحاسب إن لم يكن اليوم ففي الغد وليس ذلك على الله ببعيد .
وأيضا آن الآوان للشعوب أن تعلن صوتها وتفرض إرادتها وقراراتها . فإردة الشعوب المتحررة تصنع المعجزات وتغير الأقدار ف( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) مهما كان العدو متمكنا فلن تعجزه إرادة الجماهير ، ولنا في التاريخ الدروس والعبر ، فالجزائر هزمت فرنسا وفرنسا دولة عظمى ، وأمريكا لم تستطع أن تهزم الصين إبان الثورة الصينية ، وفي الستينات أمريكا لم تستطيع أن تنتصر على فيتنام رغم ما أحدثته من إنتهاكات وجرائم وكانت في أوج قوتها وإمتدادها ، وغرينادا حققت إنتصاراعام 1982م هزمت فيه القوات الأمريكية ، وإنسحبت أمريكا من لبنان بعد تدمير مقر المارينز في الثمانينات ، وعندما أصرت الإرادة قفزت المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان وهزمت إسرائيل شرهزيمة .. ونحن المسلمون بإيماننا ووحدة صفوفنا ومواقفنا قادرون على أن نحقق الكثير متى ماأردنا ..
يذكرني ذلك بمقولة للدكتور نجيب الكيلاني في إحدى مقالاته ” إن العرب والمسلمين أمة واحدة محددة الصلات والمقاييس ، باهرة القيم ، تم إصابتها الفرقة والتمزق لكنها عادت من جديد أمة قوية تنشر سلطانها على رقعة كبيرة من الأرض تحمي الحضارات وتغذيها ، وتتبادل معها المنافع والصلات ، ثم ينتابها الداء لسبب أو لآخر ثم تعود فتية قوية متحدة من جديد ، أطوارا مختلفة متباينة لكنها لاتموت ” .
وأخيرا : يجب أن لانستهين بقوة عدونا فإسرائيل جرثومة سرطانية تجثم على صدورنا منذ آمد طويل، وإمتدادها وتوسعها ليس حبا في الصهيونية بقدر ماهو كيدا للإسلام وتهديدا للأمة ضمانا لنفوذها وتحقيق مطامعها ، فهي تخوض صراعها ضدنا بكل ماأوتيت من قوة بلا ضمير ولا وازع من دين أو خلق لتحقق سيادتها على العالم ، وبعد تمكنها كدولة في فلسطين هاهي تعد العدة لدولنا ومجتمعاتنا الإسلامية فهل من مدرك ؟ !! .

أضف تعليقاً