أ . عالية فريد >> حديث الشهر


السعوديات محاصرات .. بين ثقافة المجتمع وتهميش الدولة

8 يناير 2010 - أ . عالية فريد

السعوديات محاصرات .. بين ثقافة المجتمع وتهميش الدولة

 

عالية آل فريد * – 7 / 1 / 2010م – 7:43 ص
إن تهميش المرأة وإبعادها عن دورها في المشاركة الفعلية لخدمة وطنها يعد من أبرز مظاهر العنف الذي يمارس ضدها، وبالتالي حرمانها من ممارسة مهامها الوطنية والسياسية ومشاركتها في السلطة وفي صناعة القرار بحجج واهية، كل هذه الأمور مجتمعة وغيرها تسبب في الأذى النفسي والفكري الملحق بها على طول التاريخ.
ويعد تهميش المرأة السعودية ودورها الإجتماعي والسياسي والثقافي والإقتصادي أزليا في المجتمع وحتى يومنا الحاضر، حيث يحصرنشاطها وحركتها ضمن مسيرة الرجل وتحت ظله وتابعا له، وبرغم التغيرات التي مر بها المجتمع خلال الأعوام الأخيرة وإهتمام المجتمع الدولي بقضايا المرأة على مستوى العالم في إحقاق التنمية، وتعزيز واقع المرأة في المجتمعات، فإنها لم تلقي بظلالها وتأثيراتها بالشكل المطلوب على واقع المرأة في السعودية.
التمييز والإقصاء مشكلة كبيرة وخطيرة لازالت تعاني منه المرأة والمجتمع على حد سواء، الأمر الذي ترتبت عليه نظرة إجتماعية متخلفة لمكانة المرأة وفي الوقت نفسه أفرزت واقعاً متخلفاً ضحيته الأولى والأخيرة هي المرأة، كل ذلك خلف إرثا إجتماعيا فكريا تراكميا هو وليد العادات والتقاليد الإجتماعية من جهة والنظرة الدينية المتحجرة من جهة أخرى، للأسف أمرا بات يتوارثة الأجيال عقداً بعد عقد وجيلا بعد جيل، فلا يزال واقع المرأة السعودية دون المستوى المطموح إليه.
وبرغم أن المجتمع يدرك أهمية دور المرأة كعنصر بشري ورئيسي على الصعيد السياسي والإقتصادي والثقافي والإجتماعي، وإن مشاركتها في صنع القرار يمثل مؤشرا على مستوى التنمية في المجتمع، ويعي أيضا كونها مواطنة وشريكة وذلك يخولها للمشاركة في الحياة العامة القائمة على مبدأ المساواة في الكفاءة وتنوع الفرص لاكنه في المقابل يقمعها لتبقى خاضعة لقرارات الرجل وأسيرة لتأثيراته عليها.
ففي المشاركة السياسية، المرأة السعودية مغيبة ومبعدة بالكامل عن مجلس الوزراء وعن مجلس الشورى، وعن بقية المواقع السياسية الأخرى، وإن أكبر منصب سياسي شغلته المرأة عندما عينت نورا الفايز كنائبة لوزير التربية والتعليم لشؤون البنات في فبراير 2009.
وفي المجالات الإجتماعية في مجال إثبات دورها الحقيقي في الأسرة وتنشئة الأبناء يتجاهل دورها التربوي في أكثر الأحيان، وفي المشاركة في الحياة العامة يوجد مشاركة لنساء في الجمعيات الخيرية وفي جلسات مركز الحوار الوطني وفي الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان وبنسب محدودة جدا.
وعلى مستوى الإنجازات التي حققتها المرأة في مجالات مختلفة فكثيرا ما يكون مصيرها الإغفال والتهميش والإهمال وعدم الإعتراف بدورها.
وفي قطاع الإقتصاد والتنمية لاتزال المرأة السعودية تحرم من العمل ويضيق عليها في مجال كسب قوتها وإتاحة فرص العمل لها، فحسب ماورد في الدراسات مقارنة بعدد الإناث حسب الإحصائية السكانية بثمانية ملايين أنثى – أي بمعدل نصف سكان المملكة أن مجموع نسبة النساء في القوى العاملة بلغ 9% أي عددهم لم يتجاوز الخمسمائة ألف إمرأة عاملة، وهناك ضغوط تواجه سيدات الأعمال، منها فرض – للوكيل الشرعي أو مدير – لإدارة منشآتهن وشركاتهن، وهناك صعوبات وعراقيل في إستصدار التراخيص والقروض الخاصة بهن. وفرض – المحرم – في مراجعة المعاملات في الدوائر المدنية وغيرها لتبقى المرأة تابعة للرجل إقتصاديا.
وهناك إعاقة وتقييد شديد لمشاركة المرأة، وإن فسح لها المجال كقرار مسؤول في عملية المشاركة، فهي تواجه صعوبات تختلقها الجهات المنفذة للقرار للحد من هذه المشاركة، وأبسط مثال الإقصاء والتهميش الذي تعرضت له سيدات الأعمال المرشحات – للدورة الجديدة لعضوية إدارة الغرفة التجارية الصناعية – في المنطقة الشرقية، وفي منعهن والإحتجاج على دخولهن الصالة العامة المخصصة لكافة المرشحين في يوم الإنتخاب، للتعريف بأنفسهن وعرض برامجهن الإنتخابية وما أحدث ذلك من بلبلة وفوضى حسمها إتصال إحداهن مباشرة بمكتب الوزير المسؤول، إن ذلك ينم عن حجم التهميش والواقع السيئ الذي تعيشه المرأة في بلادنا وفي ظل تضارب القرارات السياسية وصراع المصالح الذكورية وعدم وجود قنوات منظمة لسير القرارات ورقابة تطبيقها، ورغم أن الإنتخابات هذه المرة في غرفة الشرقية كسرت الرقم القياسي لعدد الناخبين على مستوى الغرف السعودية، بما يفوق الـ8 آلاف ناخب، إلا أن حصة النساء منها ظلت الأضعف، حيث لم تشارك سوى 67 ناخبة من بين نحو 890 سيدة ممن يحق لهن التصويت «7.5 في المائة»، إذ أظهرت النتائج النهائية تواضع عدد الأصوات التي حصلت عليها المرشحات الثلاث، دينا الفارس «77 صوتا»، سعاد الزايدي «17 صوتا»، فوزية الكري «9 أصوات»، ونتيجة لهذا الإحباط إضطر مجموعة من سيدات أعمال المنطقة الشرقية لعمل تكتل نسائي لمقابلة وزير التجارة والصناعة عبد الله زينل والذي يصادف حضوره للقاء الصناعيين في الفترة التالية للإنتخابات، ويكونوا في مقابلة إستثنائية ومباشرة مع الوزير للمطالبة بتعيين إحدى السيدات ضمن المقاعد الست التي ستعينها الوزارة. وللأسف أثيرت زوبعة أخرى من الفوضى تحت مسمى -الإختلاط – بين مؤيد ومعارض، وتم تبادل الرسائل والمسجات الإلكترونية تحت شعار ” إمنعوا النساء من اللقاء بالوزير كي لا تحدث فتنة ” وفعلا تم منع السيدات من المقابلة المباشرة مع الوزير، وإكتفين بإيصال صوتهن عن طريق القاعة المغلقة.
إنه لمن المؤسف حقا ما تتعرض له المرأة من قهر وما يمارس ضدها من ظلم يبقى آثاره السلبية في نفسها وعلى عقلها، وبالتالي يعكس نظرتها السلبية للحياة وللمستقبل.
إن المتأمل لهذه المشاهد يدرك حقيقة السياق المجتمعي بأبعاده المختلفة للواقع المعاش في السعودية، ومن جانب آخر فإنه يكشف عن حجم التعامل مع المرأة وإحتوائها لإستغلال مشاركتها كناخبة وقوة تصويتية لدعم الرجل فقط في مقابل إقصائها وتغييب دورها كمرشحة وناخبة، فأقصيت المرأة في الإنتخابات الأولى للمجالس البلدية، ومنع ترشيحها في الجمعيات والمؤسسات الخيرية والإجتماعية، وفي هذه الإنتخابات – الخاصة بالغرفة التجارية – تواجه كافة وسائل الإكراه والضغط لإبعادها، ويتعمد البعض إستخدام وسائل وأساليب دعائية للتأثير على الناخبين ضدها.
كما يكشف عن حقيقة غياب صوت المرأة بإختيارها هي مع الأسف الشديد، فغالبية النساء لازلن في جهل بحقيقة دورهن وأهميتهن في عملية المشاركة، ولازلن يفضلن البقاء على أن يكونوا مجرد تابعات، ولا يرغبن بتحسين أوضاعهن، فحضور المرأة في صالة الإنتخابات جاء لدعم الرجل فقط وليس دعما للمرأة.
 ما أود قوله أوجزه في هذه النقاط:
1- أنه وعلى الرغم من خوض التجربة الإنتخابية للمرأة بغض النظر عن الفوز والخسارة، لايمكننا أن ننكر وجود الكفاءات النسائية الجديرة بالوصول لمجلس إدارة الغرفة، سواء من بين المرشحات أو خارجهن أو حتى للمناصب القيادية الأخرى في مختلف قطاعات الدولة، وذلك لا يمكن تحقيقه فعلا إلا بنظام -الكوتا – في إقرار التعيين، فقد يفسر البعض أن الكوتا وضعت للأقليات لكن المرأة هنا ليست أقلية من الناحية العددية، والجميع يعلم أن المرأة أقلية سياسية في بلادنا وتعيش ضمن مفهوم الموروث الإجتماعي الذي لازال يميز الرجل عن المرأة، فالرجل هو السيد في كل شيئ وليس المكمل والشريك في عملية البناء وتطور المجتمع، ومع أننا نعلم أن المرأة أصبحت تحمل الشهادات العلمية وتمتلك الخبرة في مجالات عديدة قد تفوق بها الرجل ولكن!.. إنني من موقع الحدث أحي إصرار وتقدم المرشحات وشجاعتهن في فرض حضورهن على الساحة، فحتى نطور واقع المرأة نحن بحاجة إلى كفاح نسوي دائم وإلى إرادة قوية لتجاوز العقبات، لحين يتسنى للمرأة الفرصة ان تكون في موقع الصدارة وتحمل المسوؤلية في شؤون الحياة العامة فالحقوق تنتزع لاتأتي بمنحة.
2- إن تطوير واقع المرأة ليس هي المسؤولة عنه فقط، بل هي مسؤولية المجتمع بمختلف شرائحه الإجتماعية مما يتطلب ذلك توفير الأرضية المناسبة لولادة طموحات تليق بالبيئة الديمقراطية التي يتقدم بها أي مجتمع، فالمرأة تحتاج الرجل والرجل يحتاج إلى المرأة ليتكامل الدور وينهض المجتمع بثقافة جديدة تنفض عنه غبار الجمود والتخلف، فنحن بحاجة ماسة إلى بروز وعي نسوي ينهض بمستوى المرأة، وإلى نهوض إجتماعي حضاري فكري يعمل على تغيير الواقع الإجتماعي.
3- إن واقع المرأة اليوم الوكيلة، العميدة، الطبية، المديرة، الموجهة، المربية، العاملة في أي قطاع كان، بقدر ما يحتاج ذلك منها لمضاعفة الجهد في إثبات الذات وإلى شجاعة وإرادة قوية وعزيمة صلبة لمواجهة التحديات، فإن ذلك يحتاج منها إلى تنمية قدراتها وطاقاتها الشخصية في تحصيل المستوى العلمي الراقي وإلى الوعي والإطلاع والمعرفة إضافة إلى الكفاءة والخبرة، طبعا بجانب الإرادة السياسية الواضحة من صناع القرار عبر تفعيل القوانين والتشريعات، وإلى إيمان حقيقي لدى كافة النخب السياسية والمجتمعية بأهمية دور المرأة وتمكينها في تطوير المجتمع والنهوض به.
4- علنا نلحظ كيف منحت الفرصة للمرأة على مستوى العالم، فتفوقت وأبدعت في مجالات الحياة والعمل المختلفة، ونهضت بمجتمعها وبلادها في أمريكا ودول أوربا، وفي دول آسيا وفي الصين واليابان وماليزيا على كلا الصعد الإجتماعية والثقافية والإقتصادية والسياسة، وكيف باتت المرأة تتمتع بحقوقها السياسية وكيف تصدرت لموقعها في مراكز القرار، فترى السفيرة والوزيرة وممثلة الخارجية، وبعضهن يرأسن حكومات بلادهن، وعندما ننظر للواقع القريب فإننا نلحظ ما وصلت إليه المرأة من مناصب قيادية رفيعة كسفيرة ووكيلة وزارة، وتراها رائدة في الوزارات المهمة مثل التخطيط والتنمية، وكمديرة في شركات نفطية، ورئيسات لجامعات، إلى أن إستقرت المرأة اليوم في البرلمان ومجلس النواب وهاهي تحكم قبضتها على مراكز كانت في الماضي حكرا على الرجل فقط. وذلك لأنها تحررت من سلطته عليها، فأصبح قرارها بخيارها وبيدها.
5- أخيرا: نحن كمجتمع بحاجة إلى بيئة نظيفة متحضرة راقية كرقي قيمنا قائمة على العدل والمساواة نتمتع فيها بحقوقنا كمواطنين ومواطنات في ظل حياة ديمقرطية كريمة ولائقة بمستوى كرم قيادة هذه البلاد، وإنني متفائلة بواقع أفضل للمرأة السعودية فهي متى أرادت سوف تصل، وصدق من قال وما نيل المطالب بالتمني ولاكن تؤخذ الدنيا غلابا.

أضف تعليقاً