أ . عالية فريد >> حديث الشهر


جامعاتنا السعودية .. ومن يوقف المهزلة ؟

20 أغسطس 2004 - أ . عالية فريد

تعد الجامعة رمزا للمجتمع المتقدم والأمة المتحضرة، فهي تجمع الإنسان بالعلم وتصهره في بوتقة الأفكار لتبني شخصيته وتبني ملامح مسيرته العلمية وعطاءه في الحياة، ودلك لما يحصل عليه الجامعي من علم ناضج يجعله قادرا على تحكيم عقله وتصويب مواقفه وعلاقاته ليزن الأمور بموازينها ويتعامل معها بموضع الجد والإهتمام. والجامعة هي مؤسسة للتعليم العالي مؤلفة من عدة مدارس أو كليات يختص كل منها بفرع من فروع المعرفة وتشكل في مجملها عقل الأمة الواعي والمتحرك، وقد أطلق هذا الإسم على المدارس الفلسفية ومدارس الخطابة في اليونان القديمة وعلى المدارس العربية الإسلامية كالأزهر والقرويين والمدرسة النظامية وهي التي كان لها أكبر تأثير في نشأة الجامعات الأوربية حوالي القرن الثالث عشر، وقد إنتقلت كلمة الجامعة من الدلالة على مجموع الطلاب والمدرسين الذين كانوا يؤلفون رابطة ذات إستقلال ذاتي وإمتيازات خاصة بمختلف الجنسيات والميول والأفكار، فهي تجمع الطلاب في ملتقى واحد يحتضنهم مصبه حب العلم والمعرفة والتطلع معترف بها لتدل على ماتدل عليه مند القرن الرابع عشر، فدلالة وجود الجامعة وحيويتها دلالة على تقدم الأمة ومؤشر على حيويتها.

وعرف الباحثين الجامعة في المجتمع المتحضر على أنها مؤسسة تجمع بين إثنين هما – الإنسان والعلم – هذه العلاقة التي ترسم ملامح مسيرة الإنسان العلمية حيث في الجامعة يتلقى العلم مجتمعا بعد إن كان متفرقا مما يؤكد على حيوية وضرورة التعليم الجامعي للإنسان والمجتمع، ففي هذه المرحلة يكتسب الإنسان النضج العلمي بما يهيئه على العطاء وتحكيم العقل في حياته وعلاقاته ومواقفه والنظر إلى الإمور من حوله والتفاعل مع الأحداث والوقائع والمتغيرات من منظور العلم الذي يكسب صاحبه التبين والتثبت والإحاطة وأخذ الأمور بجدية وموضوعية تختلف عما كانت عليه حياته في السابق.

والجامعة هي مؤسسة إجتماعية تؤثر وتتأثر بالجو الإجتماعي المحيط بها فهي من صنع المجتمع نفسه وهي آداته في صنع قياداته الفنية والمهنية والسياسية والفكرية، وهي دماغ المجتمع وعصبه الذي ينمي القدرات العقلية والفكرية والعلمية والمنطقية لدى الطالب والطالبة فتوفر لهم الأجواء المناسبة وتساعدهم في بناء شخصياتهم و قدراتهم وتمنحهم الفرص الواسعة للتخطيط وبناء المستقبل.

وتعتبر الجامعة مرحلة متقدمة من الدراسات العليا تمد المجتمع بحملة العلم والفكر والمسؤولية فتجعلهم قادرين على مواجهة التحديات مسلحين بأحدث النظريات العلمية وأصلحها.

الجامعات قديما:

كانت الدراسة في الجامعات القديمة في بادئ الأمر حول اللاهوت والفلسفة التي تشمل العلوم والفنون والآداب ثم الحقوق والطب، أي أنها كانت تتألف عادة من أربع كليات ولكن تقدم العلوم وتشعبها في العصور الحديثة أدى إلى تأسيس كليات جديدة متعددة، كما أن طرائق التدريس تبدلت فإزدادت العناية بالمعامل والمكتبات وحلقات البحث، ولم تعد الجامعات تهدف إلى التعليم ونشر المعارف البشرية فحسب بل أنها تسعى كدلك إلى البحث العلمي والإعداد المهني وتربية الشخصية.
وفي الغرب إزدادت الجامعات وتكاملت خلال العصور الحديثة وتلاشت المدارس العربية القديمة ولم يبقى منها إلا القليل الذي إقتصرت فيه الدراسة على العلوم الدينية واللغوية، ولم يبدأ تأسيس الجامعات في العالم العربي إلا في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي.

فأول كلية حديثة تم إفتتاحها في العالم العربي هي كلية الطب بالقاهرة سنة 1827م، ثم جاء بعدها الجامعة الأمريكية في بيروت سنة 1866م، وجامعة القديس يوسف في بيروت سنة 1875م، وبعدها جامعة الجزائر سنة 1879م، ثم الجامعة المصرية التي أنشئت سنة 1908 م وبعدها تلاحقت الجامعات في العالم العربي والدي يقدر عددها اليوم بما لايقل عن 65-70 جامعة.

جامعاتنا السعودية..

رغم تأخر التعليم في الوطن العربي لاسيما في الخليج أي قبل 40 سنة تقريبا إلا أن مخرجاته كانت واضحة وسريعة بملاحظة إزدياد عدد المتعلمين، وحملة الشهادات العليا والتقليل من نسبة محو الأمية. ويعد التعليم في السعودية من أهم المكونات الأساسية لبناء الإنسان في المجتمع السعودي، فقد حقق قطاع التعليم بكافة مراحله نموا كبيرا ومتزايدا على مدى سنوات متوالية وتم على أثره إفتتاح 8 جامعات رئيسية بالإضافة إلى العديد من المعاهد والمراكز والكليات الجامعية في تخصصات مختلفة تمول وتقنن أعمالها من الدولة.

ولكن برغم الإنجازات التي أفرزها لايزال التعليم في جامعاتنا يواجه الكثير من المعوقات بحاجة إلى أن يتجاوزها ويعمل على تحسينها، ولوأمعنا النظر جيدا لأستطعنا بكل سهولة أن نشخص حاجاتنا التي تمد المجتمع بالعلم والفاعلية وتجعله في عداد المجتمعات المتقدمة إنطلاقا من «الجامعة» حيث تعتبر بنيته التحتية التي تملك كل مقومات الرقي والإزدهار، فما مدى تحقيق جامعاتنا لأهدافها الحقيقية والمرجوة لبناء الإنسان ولصناعة الواقع؟ فكما نعلم أن العلم هدف بحد ذاته وهو حق من حقوق الإنسان وطلبه فريضة على كل مسلم ومسلمة وفي تحصيله ومواصلته والتشجيع عليه تقدم كبير وثواب وأجر لايضاهيه شيئ، فمن منا يدرس العلم للعلم، وكم من أبنائنا يسعى للتزود منه ويجد في تحصيله؟ وإذا كان العلم من أجل الوظيفة فالعلم كله لا يوظف، وأين نحن من مقولة الرسول الأكرم عندما قال: «إطلبوا العلم من المهد إلى اللحد»! وما أحوج مجتمعاتنا إلى العلماء المفكرين والكفوئين في مجال تخصصاتهم وإبتكاراتهم، وياترى هل حقق أبنائنا كافة المستوى الأكاديمي والمهاراتي المطلوب؟

ومع أننا ندرك بأن الجامعة هي مركزا للإبداع والفكر والتأهيل تهيئ المتعلم فيها للثقة بالذات والإعتماد على النفس والتدريب للمشاركة في أمور الحياة، والإندماج في ساحة المجتمع ومواجهة التحديات! لكن ومع ذلك فإننا نلحظ ضعف إستيعاب طلابنا الجامعيين لقضايا مجتمعهم وقلة تفاعلهم مع مشاكله وأحداثه الجارية، وضعف قدرتهم على الربط والتحليل والإستنتاج والمقارنة وعلاقة ذلك بتركيبة المجتمع وهيكليته وخططه وأنظمته، بالإضافة إلى قلة تأثيرهم في أنظمته وقراراته السياسية والإجتماعية والإقتصادية..!

وإذا كان العلم وسيلة لتحصيل العمل والإكتساب فهل وصل لتحقيق الطموحات المهنية والمهارات الفنية والتقنية العالية التي تلبي رغبة كل طالب وطالبة في الحصول على شهادات علمية معترف بها ومقبولة في سوق العمل وبالتالي تؤهلهم لتحقيق الهدف الوظيفي المنشود؟ وإذا كان الأمر كذلك هل إحتضنت سوق العمل بما فيها من مؤسسات وشركات ومصانع هؤلاء الخريجين والخريجات؟ وهل تم توظيف الشباب بشكل يوازي توظيف العمالة الأجنبية المتقدمة؟ وكذلك في مختلف القطاعات الإقتصادية هل ساهمت في حل البطالة التي لا زال يعاني منها المجتمع؟ و.. و.. و.. كثيرة هي التساؤلات أين، وهل، ومتى، وكيف، ومن المسؤول عن كل ذلك؟

على ما أظن أنه آن الأوان لوزارة التعليم العالي في إعادة النظر للعمل بجدية وإهتمام على تغيير وضعها الداخلي بدأ بتطوير بعض مناهجها التي لاتمت للواقع بصلة والتي تعتبر مجرد نظريات قديمة عفا عليها الدهر وشرب، وتغييرأساليبها ووسائلها فالإعتماد على لغة السرد والتلقين في عملية التدريس لم تعد مجدية، ونفي الأقسام التي لاترتبط بالواقع العلمي والعملي والسعي لإيجاد تخصصات عصرية جديدة يحتاجها المجتمع، وإزالة العقبات التي تنفر أبناءنا من العلم لا سيما عوائق القبول لدخول الجامعة وإرغام الطلاب والطالبات على إختيار أقسام لا تناسبهم ولا يرغبون بها بـ« حجة عدم توفر شاغرمما يؤدي إلى دراسة دون حب أورغبة أو ميول وبالتالي ضعف نتيجة التحصيل، أو التراجع الدراسي»، وإنتهاءا بتعديل مخرجات التعليم بما يتناسب مع حاجة المجتمع العصرية وحجم إحتياجات السوق وأن تستثمر طاقاتها وفعالياتها البشرية التي بين يديها خير إستثمار بتنمية مواردها الفكرية وقدراتها المهنية، وحتى لا يتعرض المجتمع لمشاكل هو في غنى عنها مستقبلا.

وذلك يتطلب الإهتمام بما يلي:

1- بناء إستراتيجية تعليمية واضحة مناسبة للمجتمع وحاجاته العصرية المتطورة على مدى مستقبلي بعيد المدى واضح المعالم ورسم خطط منهجية للعلم والتعليم.

2- رفع مستوى التعليم العالي من خلال مراكز البحث العلمي المتعددة في مختلف المجالات إضافة إلى االمؤتمرات العلمية وتنمية المهارات العملية والفنية والتقنية الحديثة التي تحول التعليم العالي ليكون منتجا وشريكا فاعلا في مسيرة التنمية.

3- مضاعفة الموارد المالية ليس فقط لإدارة الجامعات بل للأساتدة والطلاب وكافة العاملين في الحقل العلمي وإشباع حاجاتهم الأساسية وتوفير الإمكانات التكنلوجية اللازمة للعملية التعليمية التي توفر الجهد وتحسن سرعة إيصال المعلومة للطالب وتعمل على زيادة وتحسين الإنتاجية في العمل.

4- الإشادة بأهمية العلم ودوره في صنع الكفاءات المبدعة على مستوى المجتمع ككل، وتعزيز روح الإنتماء للوطن وخدمته من خلال إستشعار أهمية العلم والإستفادة الحقيقية منه وصبه في خدمة التنمية الشاملة، وضرورة التدريب العلمي والعملي لهيئة التدريس وللطلاب كافة كي يساعدهم ذلك ويؤهلهم على تحسين الآداء الوظيفي والمهني.

5- العمل الجاد بفرض رقابة على أساتذة الجامعات والهيئات التدريسية وملاحظة علاقة المعلمين بالطلاب ومسألة الغياب، ومصداقية الآداء في العلم والكفاءة والأخلاق.

6- إزالة الصعوبات وتذليل العقبات أمام طلاب الجامعة لاسيما بعد التخرج من الثانوية وما يواجههم من مشاكل بعدها، وذلك بالعمل على «تحسين وسائل وأساليب القبول، وعدم إرغام الجامعيين على الدخول في تخصصات لا تتناسبهم، وحل الصعوبات التي تواجه الراغبين في مواصلة التحصيل العلمي والدراسات العليا، والإهتمام بالبحث العلمي بإيجاد مراكز خاصة للأبحاث والدراسات، والإنفتاح على العلوم والتخصصات الحديثة، والإبتعاث العلمي داخل وخارج المملكة، والنظر إلى المعاناة في الحصول على الوظيفة و معالجة هموم الوظيفة و.. و.. و.. الخ.

7- ضرورة إيجاد «دليل معرفي» يخدم طالب الجامعة ويعرفه بأهمتها وأهدافها وأنظمتها وأقسامها ومراجعها، ويرشده إلى المعرفة بالجهات المسؤولة في مختلف الأقسام والتخصصات ومن لها سبيل في حل القضايا والمشاكل التي يتعرض لها.

8- العمل على إزالة التمييز القبلي والطائفي وإزالة شبح «الوساطة والمصلحة والإعتبارات الشخصية» وفرض الكفاءة نفسها بتكافؤ الفرص على كل المستويات الإدارية والطلابية والعلمية.

وأخيرا: لا يمكن لأي عاقل ومخلص أن يتجاهل مايحدث في جامعاتنا، ومن منطلق الحفاظ على كيان هذا الوطن وبنيته الأساسية المتمثلة في الجامعات فهي جديرة بالإهتمام، وما المشاكل التعليمية التي طفت على السطح بحق أبنائنا وبناتنا لايستهان بها لا سيما آخرها في عملية إستقصاء التسعين طالبة عن مقاعد الدراسة وهن على أبواب إستقبال العام الدراسي الجديد لولا تدخل وزير الصحة مشكورا الدكتور/ حمد عبدالله المانع في قراره الذي ينص على عودتهن للإلتحاق بالجامعة، وإلا ماعساه أن يكون مصيرهن! فما خفي أعظم، ولا ننسى أن هناك «المنتفعون والمصلحيون الإنتهازيون» على حساب هذا الوطن، لذلك أناشد المسؤولين والمهتمين المخلصين في هذه الدولة أن يكونوا منهم على حذر لا سيما وزارة التعليم العالي وملحقاتها عليها مراجعة قراراتها ولوائحها وقوانينها ولتكن جادة في عملية التطوير والتغيير فالمستقبل واعد لحملة العلم والكفاءة بما يتناسب مع حجم المتغيرات ومطالب المجتمع حينها لم ولن تكون هناك مهزلة.

أضف تعليقاً