أ . عالية فريد >> مقالات


18 مليون نخلى تنتج 650 ألف طن

25 أبريل 2001 - أ . عالية فريد

التمور في السعودية تفقد مكانتها الغذائية والاقتصادية واستهلاكها أصبح ترفا مصانع التمور تعمل بأقل من طاقتها
تبلغ المساحة المزروعة بنخيل التمور في السعودية 95 ألف هكتار, وذلك وفقا لإحصاء سنة 1999م قبل الماضية, أي بزيادة 300% عما كانت عليه عام 1970م. وهذا يجعل السعودية من أكثر مناطق العالم إنتاجا للتمور حيث زاد إنتاجها من 240 ألف طن عام 1970مالى 650 ألف طن عام 1999م أي بنسبة تزيد عن 200%, وذلك جعل إنتاج المملكة من التمور يمثل 12, 6% من جملة الإنتاج العالمي البالغ 5, 13 ملاين طن.ومنذ ألاف السنين ظلت النخلة تحتفظ بقيمة عالية, فكانت مصدر نفوذ الفرد وجاهه و ثروته, ورمز مكانته الاجتماعية, فكان المرء يقاس بما يملك من نخيل, حتى صنفت الطبقة الغنية في المجتمع لامتلاكها هذه الثروة, و استمر ذلك حتى نهاية الستينيات من هذا القرن, ثم بدأت تتدهور متأثرة بظهور النفط في المنطقة.

و كانت مزارع النخيل في الفترة التي سبقت ظهور النفط حتى ذلك الحين في أوج عزها, لان مؤنبها لا تتجاوز 10% من قيمة محصولها, و بعد ظهور النفط في منتصف هذا القرن بلغت تكاليف المئونة أكثر من 50 % ثم صارت تتصاعد تدريجيا حتى أصبحت في الوقت الحاضر تزيد عن قيمة المحصول.

و أسباب تراجع مكانة النخيل عديدة, منها تغير نمط الحياة الاستهلاكية و من ضمنها وفرة العمليات و تنوع الموارد الغذائية كالفواكه و الحلويات. فكل ذلك قلل أهمية الاستفادة من تمور النخيل, إضافة إلى مشكلة مخلفات النخيل و التي أصبحت تشكل عبئا على الفلاحة و التخلص منها يحتاج إلى نفقات, بعد أن كان جميع ما تنتجه النخلة يستخدم في الأغراض المعيشية كافة.

و تبين دراسة للدكتور صلاح العيد وكيل الزراعة والأغذية للدراسات العليا والبحث العلمي بجامعة الملك فيصل أن حجم صادرات التمور في المملكة عام 1998م بلغ 30, 58 ألف طن بقيمة إجمالية 210 ملايين دولار أمريكي وهذا القدر يوازي 5% من الإنتاج ز بمتوسط 884 دولارا للطن و تتوقف سمعة التمور على النوعية و الجودة لذلك فان إتباع الخطط البحثية لتحسين نوعية التمور المنتجة للمملكة قد يؤدي إلى تحسين أسعارها في السوق العالمية.

وتأتي السعودية في المرتبة الرابعة بين الدول المصدرة للتمور و في المقابل تعتبر ايطاليا و تركيا و كندا والولايات المتحدة الأمريكية و الصين والأردن و الكويت و استراليا من اكبر الدول المستوردة للتمور.

و أهم منتجات مصانع التمور في السعودية هي التمور المعلبة المكبوسة و المحشوة, ودبس التمور, و عجائن التمور. وتتركز مصانع التمور بالمملكة في الإحساء و الخرج و المدينة المنورة و القصيم وجدة والطائف وبيشة.

ويؤكد الدكتور صلاح العيد أن الأجيال السابقة اعتنت بزراعة النخيل و رعايتها, و مع بدايات الطفرة الاقتصادية السريعة التي شهدتها المملكة تجد الاهتمام بزراعة النخيل و العناية بها ساعد على ذلك بالدرجة الأولى اهتمام وزارة الزراعة و المياه بزراعة وإكثار النخيل فساهمت في توفير عناصر الإنتاج للمزارعين من أراض زراعية وآلات الري والأسمدة والإعانات المادية الأخرى مما أدى إلى تزايد أعداد النخيل بالمملكة من 13 مليون نخلة عام 1990م إلى ما يزيد عن 18 مليون نخلة عام 1996م حسب احصاءت وزارة الزراعة و المياه. كما زاد الإنتاج من 513 ألف طن عام 1988م إلى ما يزيد عن 650 ألف طن عام 1998م وبمساحة تزيد عن 106 ألاف هكتار للعام نفسه.

و يضيف الدكتور العيد انه تم التركيز على زراعة الأصناف ذات الجودة العالمية كإخلاص و السكري و كانت زيادة الإنتاج نتيجة لزيادة المساحة المزروعة بالنخيل, لكن الزيادة في الإنتاج لم يصاحبها زيادة في الطلب على التمور مما أدى إلى تدهور أسعارها و انخفاض العائد الاقتصادي لزراعتها.

و على الرغم من ذلك أمكن رفع المردود الاقتصادي الإنتاج التمور وذلك عن طريق تصنيع التمور بالطرق الحديثة و التي تعتبر من الركائز الأساسية في تحقيق تنمية زراعة النخيل وبالتالي رفع كفاءتها التسويقية و توفيرها على مدار العام بالكمية و النوعية المطلوبة وبالتالي حفظ التوازن بين العرض و الطلب مما يؤدي إلى عدم كساد التمور.

و عن المعوقات التصنيعية أوضح الدكتور صلاح العيد قائلا ” يوجد في السعودية أكثر من 24 مصنعا للتمور تصل طاقتها الإنتاجية إلى 965 ألف طن بالإضافة إلى مصنع تمور الإحساء التابع لوزارة الزراعة والمياه و الذي تصل طاقته الإنتاجية إلى 21 ألف طن سنويا أما ما يتم تصنيعه من تمور في هذه المصانع فانه اقل من طاقتها الانتاجيه و يتم فيها تعبئة التمور المفردة و المكبوسة بأوزان مختلفة هذا بالإضافة إلى عجائب التمور التي تدخل في صناعة الحلويات الشرقية. ولقد تم حديثا إنتاج دبس و خل التمور على نطاق تجاري بطرق تصنيعية حديثة ويبقى نجاح تلك المنتجات من عدمه رهينة الجدوى الاقتصادية لها.

و من الأرقام نلاحظ إن الكميات من التمور و التي تمر بمراحل التبخير و الفرز و الغسيل و التجفيف و التعبئة تعتبر منخفضة جدا بالمقارنة مع إنتاجية المملكة من التمور لذلك لابد من الاهتمام بزيادة الكميات المصنعة من التمور بالطرق الحديثة مع أجراء البحوث التسويقية اللازمة لمعرفة متطلبات الأسواق المحلية و الدولية من أصناف و مواصفات التعبئة و التغليف مما يؤهل مصانع التمور إلى تغطية الطلب المحلي و تجاوزه للوصول إلى مرحلة التصدير. هذا بالإضافة إلى الدعاية والإعلان وذلك لزيادة كفاءة تسويق التمور كما تفتقر التمور الى عرضها بشكل جذاب يتناسب مع ذوق المستهلك و فتح قنوات جديدة لتصديرها مع التركيز على دراسة الأسواق العالمية للتمور و معرفة البلدان ذات الطلب العالي للتمور و محاولة تلبية احتياجاتها بالجودة و النوعية المطلوبة من تلك البلدان. كما يشير إلى ضرورة إقامة جمعيات أو شركات متخصصة تعمل على تسويق المنتجات الزراعية للحفاظ على عدم التذبذب في العرض بشكل يؤثر على الانخفاض والارتفاع الحاد في الأسعار وذلك لحماية المنتج والمستهلك في الوقت نفسه ويساعد على دفع عجلة التنمية الزراعية ليصب كله في مصلحة الاقتصاد الوطني. ومن المشكلات التسويقية التي تواجهها التمور في الوقت الراهن سؤ التعبئة و التغليف وسؤ التخزين وعرض التمور للمستهلك بطرق تقليدية و عدم توفير المعلومات لدى منتجي التمور عن حركة العرض و الطلب والأسعار في مختلف الأسواق المحلية الرئيسية في الأوقات المناسبة. كما انه لا يوجد جهاز يتولى تصدير التمور خارج المملكة و تعريف المنتجين على أفضل الأساليب التسويقية.

التمور العضوية

و لفت الدكتور صلاح العيد الانتباه إلى تزايد الاهتمام بالزراعة العضوية و إمكانية توظيفها لتنمية زراعة النخيل و أشار قائلا” مع تزايد الاهتمام بالزراعة العضوية كبديل للزراعات التقليدية التي تستخدم الإضافات و المبيدات الحشرية, حيث إن النظام العضوي و بشكل عام هو النظام القائم بذاته دون الحاجة إلى إعطائه الاضفات و الهرمونات و المبيدات و غيرها من المواد لكي يعتمد إنتاج الغذاء العضوي على وسائل الإنتاج الطبيعية بالإضافة إلى السماد العضوي.

و تناول الدكتور العيد أهمية الصناعات التحويلية و إيجاد مصادر تسويقية فاعلة و قال ” إن إنشاء صناعات تحويلية قائمة على التمور يعتبر من أهم الوسائل لإيجاد منافذ تسويقية جديدة لها و إنتاج منتجات ذات قيمة مضافة اكبر, فالتمور تمتلك من المقومات الغذائية ما يؤهلها لتحتل جزاء من المواد الخام الداخلة في صناعات كثيرة كالأعلاف مثلا, كما إن عجينة التمور تدخل في كثير من منتجات الحلويات الشرقية لذلك لابد من الاهتمام بإنتاج عجائن التمور بالطرق حديثة مع الأخذ في الاعتبار الحدود الميكروبية و الكيميائية التي تشترطها أوربا و أمريكا في حال استيرادها لعجائن التمور, كما يمكن لدبس التمر أن يحل جزاء من المواد الخام الداخلة في صناعة عصائر الفواكه مما يوجد منفذا واسعا لاستهلاك التمور بشكل غير مباشر نظرا للطلب الكثير على عصائر الفاكهة كما يكمن تطوير صناعة الحلويات التي تقوم على التمور لكي تنافس الشوكولاته و الحلويات الأخرى بحيث بلغت الكميات المستوردة من الشوكولاته عام 1998م نحو 17 ألف طن بتكلفة تزيد عن 60 مليون دولار.

ويقول عبد العلي السيف صاحب مزارع عديدة في القطيف إن الناس اليوم لا تعتمد على التمر كمصدر هام للغذاء, وإنما مجرد ترف يعد للأكل في جلسات الضحى و العصر, ويقدم للضيوف والأجانب و ليس كوجبة رئيسة كما كان في السابق.

و عن أهم مشكلة و واجهت النخيل و هي (السوسة الحمراء) التي قدمت من الهند عبر نخيل الزينة التي استوردها بعض المتعهدين في المنطقة, فانتشرت بين أطراف النخيل الأخرى و أدت إلى تأكلها و القضاء عليها, و يضيف عبد العلي السيف قائلا: في منتصف الثمانينات دخلت سوسة النخيل التي قضت على الكثير منها, والسوسة ألان تحت السيطرة بفضل ما قامت به وزارة الزراعة من جهود. و يواصل عبد العلي السيف حديثه عن النخيل و التمور قائلا: إن زراعة النخيل أصبحت غير ذات جدوى فكم عقدا من التمر تنتجه النخلة و العقد يحمل كم كيلو من التمور صالحة للأكل مما يجعله عرضا للربح والخسارة, إضافة إلى ذلك كون النخلة في السابق مصدرا متكاملا للرزق, فتستخدم للبناء و الطرق ولزم الحبال, ولعمل الجسور في البيوت, و يستخدم (الكرب) لدى الخباز ولدى سيدة المنزل في طبخ الطعام, و من سعف النخيل ينتج المديد و الحصر و المراوح و الزبلان, حتى صنع لعب الأطفال من جريد النخل الذي يستخدم للقبور, فالنخلة شجرة نافعة كلها, أما اليوم فلا يستفاد من النخلة إلا التمر.. كما إن الجهور المبذولة اليوم لخدمة النخلة و رعايتها من غرس وتسميد وري و تنظيف تكلفتها هي أكثر بكثير من إنتاج المحصول.
ويواصل السيف حديثة قائلا: ” هبط مستوى النخيل بعد ظهور البترول, إلى أن لنشات الدولة مصنعا للتمور في الإحساء في التسعينيات تقريبا, وبدأت تقدم معونات خاصة للمزارعين, و عملت على توزيع الفسائل والأراضي الزراعية للرقي بمستوى إنتاج التمور, وعادة النخيل إلى الانتعاشة نوعا ما قبل عامين, لكن عاد التراجع و استمر إلى يومنا هذا”.

و التقت “الوطن” حسن العوامي احد أعيان محافظة القطيف و المهتمين بهذه القضية فتحدث قائلا: ” كانت الجهات المسؤولة في القطاع الزراعي تقوم بشراء التمور من المزارعين بسعر مناسب جدا(الكيلو ب3 ريالات) و كانت الحياة منتعشة وقتها بين المزارعين, لكنها توقفت عن الشراء بحجة إن تمور المنطقة لينة و غير نظيفة, بينما عندنا أنواع التمور تضاهي في جودتها تمور أخرى, فقد كانت المنطقة في السابق منطلقا لتصدير التمور للبحرين والهند بمعدل (20000كيس و الكيس يحوي 100 كيلو من التمر) و مازالت المنطقة تحافظ على الأنواع الجيدة منه. فلدينا الخنيزي و العماري والغراو غيره. و قمنا بمراجعات عديدة لوزارة الزراعة لكنها لم تعط أعذارا واضحة و هذا أضاع الفرصة لكثير من المزارعين. و أضاف بقوله” الوزارة تقدم مساعدات مالية للفلاحين مازالت, فهي تخدم المزارع لكن لا تبحث جذريا في مشكلة النخيل.. يجب أن تقوم الوزراة بمسح جغرافي لتحديد مساحة القطع الزراعية المغروسة بالنخيل, فأكثر الأراضي متداخلة, وهذا يضر بمصالح الناس و يضر بحقوقهم و على أثرها تنشا الخصومات و العداوات بين الناس.

ويقول أبو فراس صاحب مزرعة: أنا اضطر لقطع جزء من راتبي حتى اهتم بهذه المزرعة, لكني عجزت عن ذلك, فانا احفظ النخلة حتى تعطيني دافعا و احصل منها على إنتاج ولا اطرح فيها من جيبي”.

لجنة لحماية مزراعي النخيل

و يقول أبو مصطفى ” يجب إيجاد لجان خاصة لحماية مزارعي النخيل, كما هو الحال في الدول المتقدمة في أمريكا و فرنسا ودول أوروبا, ففي المملكة توجد حماية للاسمنت وحماية لمنتاجت الألبان, و حماية للدواجن حتى البيض له حماية إلا مزارعي النخيل”.
و يعلق أبو كمال قائلا” قلة الماء هي أكثر ما نعنيه, فالعيون نضب ماؤها وحتى الآبار الارتوازية, والمشكلة إن مشروع التحسين الزراعي أدى إلى قطع الكثير من النخيل و أصبحت بعض الأراضي غير قابلة للزراعة”.

أما عن البنك الزراعي يقول علي الطويل شروط البنك تعجيزية ومضايقة جدا, فالزراعة معرضة للآفات والأجهزة معرضة للعطل, وقد لا يحصل المالك على مردود, والبنك لا يقدر ذلك ولا يمهل المزارع لتسديد ما عليه.

—–

الوطن (208) السنة الأولى 

أضف تعليقاً