أ . عالية فريد >> مقالات


لاأحد يبحث عن النوايا الطيبة حين تشتعل الفتنة: (المستقلة) في عين الإعتبار

9 أبريل 2003 - أ . عالية فريد

الإسلوب والتوقيت يدينانها والسيد الخباز: تربية الملايين على العدوانية.!
الشيخ الدرويش: إظهار أخطاء الآخر من المطالب الشرعية.!
القطري: في محاولات ” مغنية ” و”شلتوت” نموذج محترم للتحاور.. 
أخصائي نفسي: الإنفعالية تتسيد على الرأي العام.!
البحراني: البرنامج لم يقدم ولم يؤخر.!

ماتزال سلسلة البرامج التي تبنتها قناة (المستقلة) حول قضايا الخلاف والإتفاق بين الشيعة والسنة تفعل فعلها في الشارع الإسلامي بين طرفي التحاور على حد سواء, فقد أثارت هذه البرامج أجواء ساخنة, وحركت مشاعر ساكنة.

ومنذ مطلع شهر رمضان المنصرم و(المستقلة) تضع يدها على الجرح وتلامس واقع المسلمين من الداخل وتستنطق عقولهم وقلوبهم, وهو واقع تغاضى عن طرحه الكثير من المفكرين الإسلاميين والمثقفين والإعلاميين.

وبغض النظر عن حقيقة الأسباب التي دفعت القناة الناشئة إلى إيقاظ هذه الخلافات وكشف الإتفاقات, فإنها تحولت إلى منطقة جدل تعبر عنه الأذهان في المجالس المغلقة ويعيشه الكثير دون الخوض فيه بالضرورة, إذ ليس ماهو أغلى وأثمن لدى الإنسان من دينه وأفكاره ومعتقداته التي تشكلت لديه وأصبحت حقائق مسلمات.

لقد هتك تطور العصر وثورة المعلومات الخصوصيات,وأصبح العالم منفتحا على الكثير من الأفكار في مختلف المجالات الثقافية والسياسية والإجتماعية. وهذا ما أعطى (المستقلة) القدرة على تفجير مواضع الخلاف بين السنة والشيعة كدعوة منها للحوار, حسب ماأعلنت عنه. لكن هذا الإعلان أثار ردود فعل إنعكست في معطياتها على الواقع الإجتماعي بين السلب والإيجاب.

فما الذي تريده قناة المستقلة ومالذي تهدف إليه؟ هل تبحث عن مكسب دعائي وإعلامي على ذمة زعزعة الوضع الإجتماعي في بلادنا؟ وهل الوقت مناسبا لإثارة مثل هذه القضايا الحرجة في ظل هذه الأزمة العالمية والإقليمية التي تتعرض لها المنطقة؟ ولمصلحة من؟ هل هي لعبة سياسية إعلامية جديدة تهدف إثارة الفتنة بين أبنائنا أم ماذا؟

لماذا لانأخذ قناة المستقلة على محمل الصدق وحسن النوايا؟ ألم تكن إطروحتها صدمة أيقظت العقول وشجعت الكثير من الطائفتين على البحث والتطلع والمعرفة؟ ألم توجه العلماء حتى من عارضوها إلى النظر في إطروحاتهم التقليدية والتجديد فيها؟ ألم توجه الخطباء إلى بلورة أفكارهم ودعتهم إلى إعادة صياغتها؟ألا ينبغي من المسلمين العودة إلى تراثهم وإلى الروايات والكتب القديمة وغربلتها ومحاولة صياغتها من جديد؟

طرحنا هذه الأسئلة أمام عدد به من المثقفين والمشايخ والمهتمين, بغية الخلاص إلى رؤية واضحة حول ماقدمته (المستقلة) للشارع العربي. فكان لنا أن خلصنا إلى هذه السلة المتنوعة من الآراء.

تربية عدوانية

في محاضرة له ألقاها تحت عنوان (ملاحظات حول قناة المستقلة) شن السيد منير الخباز, وهو خطيب معروف في محافظة القطيف السعودية, هجوما واضحا على القناة واعتبر ” إن ما تتعرض له القناة مخطط مدروس يهدف إلى تحويل الأمة الإسلامية بهويتها وثقافتها وقيمها ومبادئها إلى حضارة تابعة للغرب ومبرمجة على أساس مبادئ التفكير العلماني والرأس مالي الذي يستحكم في الحضارة الغربية بمختلف حقولها “.

وذهب السيد الخباز إلى ” وإن المستقلة جاءت لتشغل المسلمين عن قضاياهم الأساسية وعن التفكير في مصيرهم والتخطيط لحضارتهم بالسجال الطائفي وإصدار الإتهامات من كل طرف للآخر “, مضيفا ” أنها تسعى لتشويه صور الطائفة الإمامية التي دأبت على خدمة الإسلام وخدمة التاريخ تقدم التضحيات والقرابين في سبيل النهوض بالمجتمع الإسلامي, ولازالت على ممر هذا التاريخ تقدم أروع البطولات والتضحيات للمحافظة على عز الإسلام والمسلمين تأتي المستقلة من خلال هذا السجال لتلغي هذا التاريخ البطولي وتفصل الطائفة عن جسد الأمة “.

وبلغة لاتخلومن التهكم دعا الخباز إلى إستمرارية مثل هذا الحوار الذي عبر عنه ” بالشجار” قائلا: ” إذغ شاهده ثلاثون مليونا من المسلمين فإنه سوف يربي ثلاثين مليونا على الروح العدائية الهجومية فيجعلهم يعيشون الحقد الطائفي والنعرات الطائفية, وهذه الحروب الكلامية إذا إمتدت فإنها ستتحول في يوم من الأيام إلى حروب أخرى وعداْء وحشي همجي من كل طرف للآخر “.

مع ذلك قال الخباز:” هذا لايعني أننا ضد الحوار, بل نحن مع (الحوار الموضوعي العلمي) الذي تسيطر عليه أجواء النزاهة والأمانة والإحترام. كما أن على المسلمين أن يتحولوا بالوعي السياسي الإسلامي الناضج ليدركوا ما يحاك لهممن دسائس ومؤمرات “.

الحوار مطلب شرعي

 

وبالمقابل الشيخ عبدالله صالح الدرويش, قاضي بالمحكمة الكبرى بالقطيف, أن ” الحوار مع المخالف مطلب شرعي سواء كان الباعث للحوار دعوة الطرف الآخر, أو بيان أخطائه, أو إقناعه بالصواب, أو إظهار الحق ورد الباطل وتقريب وجهات النظر, وقد قام الرسول – صلىالله عليه وآله وصحبه وسلم – بالحوار مع طوائف وأفراد, وسار على نهجه أصحابه الكرام وآله الأطهار وبهم تأسى علماء الأمة إلى هذا العصر “.

وأكد الشيخ الدرويش إن ” الحوار الصريح في أول خطواته ولا يحكم على آثاره الآن, بل لابد من إتاحة الفرصة الكافية ومشاركة أهل العقل والعلم فيه, أما إذا إستمر هكذا فقد تصبح الآثار السلبية هي الغالبة “.

أضاف: ” المقدم بذل جهده ولا يطالب الإنسان بما هو فوق إستطاعته, فهو ليس من المختصين بالفرق والمذاهب, ومع الأيام تزداد تجربته وينبغي إلتماس العذر له في مواقفه وتصرفاته, وبيانها له بالإسلوب الحكيم والنصح المباشر “.

وبشكل ما يتفق الشيخ حسن الصفار مع مبدأ الحوار ويختلف في الشكل إذ يقول: ” أنا لاأميل إلى إتهام النوايا ولا أفكر بعقلية المؤامرة, ولكن إشكالي على أمرين مهمين: إختيار التوقيت والمنهجية, فالوقت الذي أثيرت فيه هذه الحوارات غير مناسب, كما أن منهجية الحوار خاطئة لأنها تسعى للإثارة, وهذه الطريقة تثير الضغائن والأحقاد في نفوس الناس “.

تخبط جدير بالنسيان

الكاتبان السعوديان عبدالله الفوزان, وصالح الشيحي, لهما وجهة نظر ضد طرح (المستقلة). إذ يقول الفوزان بعد إعترافه بأنه لم يشاهد إلا القليل من حلقات القناة: ” أرى إحالة هذا الموضوع إلى النسيان ومثل هذه الحوارات لاجدوى منها, ولاتملك أي أثر إيجابي في التعاطي بها, فموضوع المعتقدات يعود إلى القناعة والإختيار فأحبذ ترك الموضوع “.

في حين يتسائل الشيحي – الكاتب في الوطن: ” من قام بطرح هذا الموضوع إلى ماذا كان يريد الوصول “؟ ويجيب بنفسه: ” لا الزمن ولا الظروف الحالية تسمح لنا بطرح مثل هذه المواضيع الحساسة فضلا عن كونها تعمل بشكل أو بآخر على زرع الفتنة والفرقة, ثم أن لي تحفظا كبيرا على منهج ما يسمى يقناة (المستقلة) وإن كنت أرى أنها لاتستحق أن يطلق عليها هذا الإسم بوضعها الحالي, فهي تسير وتتخبط يمينا وشمالا دون هدف ودون غاية, لاوحدة الصف العربي هدفها ولا المواطن العربي غايتها, ولا الرأي الحر النزيه سبيلها ! لذا فأنا لست مهتما بما يطرح فيها وتعاملي معها لا يعدوا عن كونها منتدى إلكتروني يقف خلفه أسماء مجهولة ويديره مجموعة من الأشخاص الهواة وتهدف إلى إثارة الطائفية البغيضة “.

إثارة مفلسة

ويعبر السيد حسن العوامي -وهو أحد وجهاء القطيف- ن موقف مماثل فيقول: ” لا مجرد الظن وإنما اليقين, القضايا التي تثيرها المستقلة لها بواعث وأسباب غير نزيهة ولا شريفة, وقد سلكت هذا المنهج لأن القائمين عليها أوشكوا على الإفلاس لعدم قدرتهم على مجارات القنوات التي أخذت الشهرة, فسلكوا طريق الإثارة – وقد نجحوا – وأظن أنهم لما نجحوا في إثارة النعرات الطائفية بحجة التقريب بين فئات المسلمين وهم أبعد مايكون عن ذلك, حصل لهم من أرباب التفريق والنقر على وتر الطائفية من شجعهم وأمدهم بالمال ووقف إلى جانبهم, وإلا أي تقريب هذا الذي يفتقد أبسط طرق الحوار والموضوعية؟ ويكون مجالا لإلتقاط العثرات وتتبع الهفوات ونشر الغسيل بين مختلف الأطراف, فالعالم من الطرفين لايزداد علما وقناعة, والمثقف قد يخرج من الساحتين متبرما, والعامي من السنة ترتفع عنده وتيرة الحقد والإنتقام وتزيد العداوة ومن ليس لديه أدنى ثقافة مذهبية يهتز بما يسمعه وتتخلخل عقيدته عندما يقال له روايات من كتبنا لانقرها كالقول بتحريف القرآن وأمثال ذلك “.

نموذج عراقي مصري

ويستمر الإعتراض على ما تقدمه (المستقلة). وقد ندد منصور القطري – عضو هيئة التدريس بمعهد الإدارة بالدمام – بمنهجية الحوار في مقال نشرته صحيفة (الوطن) ووضع فيه دهوة إلى التحاور النزيه فقال: ” إننا في هذه المرحلة الصعبة بحاجة إلى نماذج سلوكية وحوارات إسلامية راقية على غرار ماقام به العلامة الشيعي محمد جواد مغنية والعلامة السني محمد شتلوت, اللذان كانا يجلسان مع بعضهما على بساط الإخوة الإسلامية بلا تصنع وكانا يجتمعان في مصر في جو مشبع بالحميمية والود, وكان الحديث بينهما يستمر حتى ساعة متأخرة من الليل, فكان كل منهما يحترم فقه الآخر وتراث الآخر وكانا يعيشان والقواسم المشتركة تتفاعل, وكانت فلسطين في قلب كليهما على الرغم من أن هذا ينهل من الركام الثقافي الفقهي للأزهر, وذاك ينهل من مؤسسة النجف ذات الألف عام “.

ذاكرحبيل – مثقف – يدعوا إلى أن تكون ” المعركة العقلانية التي يجب أن تسود في حياتنا الإسلامية, هي التأكيد على صوغ الإختلاف والتعدد وقبول الآخر صنوا للذات وذخرا لها للمنافسة الشريفة المثرية لكوامن البحث عن الحقيقة لا (الحقانية) المفرطة في أوهامها, في داخل جميع دوائرنا المعرفية العلمية والعملية, وهذا ماكان بعيدا عن سياسة قناة المستقلة التي جعلت ذلك الحوار يفلت من عقاله “.!!

هزيمة نفسية

الكاتب بشير البحراني يؤكد ” أن المسلمين بشكل عام لايقرؤون وإذا قرؤوا فمن النادر أن يقرؤوا في المجال الديني العقدي المرتبط بمذهبهم أو بديانات ومذاهب الآخرين إضافة إلى التعتيم الإعلامي على الحوار العقائدي بين مختلف المذاهب الإسلامية, جاء هذا البرنامج ليكون بمثابة سنحة للإستزادة بالفكر العقائدي اللأزم لكل مذهب حتى وإن أريد له غير ذلك من قبل القائمين عليه أوالمشاركين فيه ألا أنه ينحو بالتأكيد لهذا الإتجاه والمستفيدون منه كثيرون وهذه إيجابية الحوار. كما أنني أعتقد أن وجود هزيمة نفسية تجاه العدو المتمثل في قوى الإستكبار كأمريكا وإسرائيل أدى إلى أن القلوب جنحت – قبل العقول – لتمابعة هذا البرنامج رغبة في الإنتقام من أي طرف يختلف معها حتى لو كان أخوها في الدين, فكأنما يعبرون عن عجزهم عن مقاومة العدو الحقيقي بتسلطهم على أنفسهم بسيادية فكرية قد لاترحم أحد !.

هذه الآراء يمكن أن نقرأ لها نتيجة في إنزعاج أبي عماد العباس – رجل أعمال – الشديد من هذه الحوارات فهي في نظره ” لم تكن ناجحة أو هادفة ووصلت إلى مبتغاها, فالوقت غير مناسب والوضع السياسي في المنطقة والأمة العربية لا يسمح بذلك, والهاشمي حر في إعلامه لكن يجب أن يمتلك ثقافة مذهبية, فهو ضعيف يعتمد على أسئلة وثقافة المتحاورين ولم يكن على إطلاع تام فهو ليس بالمستوى المطلوب, ولو أردنا حوارا مذهبيا صحيحا يجب أن يكون المتحاورون على مستوى جامع الأزهر والحوزات العلمية والمذهبية ويصاغ الحوار بصيغة علمية جريئة تحمل روح الحوار والوحدة, فالمستقلة مزقت أكثر مما وحدت, وعصبت أكثر مما ألانت, وحجرت العقول, لكني عتبي على الشيخ الكوراني أن ينزل بهذا المستوى ” !.

الجزء المليء من الكأس

 

ومثلما قرأ كثيرون في برامج المستقلة سلبيات من منظورهم, قرأ آخرون إيجابيات وإلتفتوا إلى الجزء المليء من الكأس. منهم مدير مركز التأهيل الشامل بالدمام – عبد اللطيف النعيم الذي يقول: ” إذا كان هدف المستقلة البحث عن الحقيقة وتقارب وجهات النظر, فهذا لايفسد في الود قضية, فأنا أحملها على حسن الظن ولا يمنع ذلك أن القناة دفعتني للبحث والتنقيب وعرضت لنا معلومات عن كلا المذهبين كنا نجهاها, مع العلم أن هناك شياطيين تحب أن تستغل الإمور وتعمل عملها, وأنت أيها المشاهد مطلع لست بجاهل تستطيع أن تصل إلى الحقيقة “.

أما أبوهادي – مثقف ومرشد إجتماعي – فيشيد بمثل هذه الحوارات بغض النظر عن منهجيتها ويعتبرها ” فرصة لبعض العلماء والخطباء ليراجعوا أنفسهم في تطوير أساليبهم وتجديدها, لاسيما في طرح المواضيع العقائدية ليتم تناولها بصورة حضارية ومقبولة “.

النضوج قادم

ويعلق حسين العوامي – صحفي – بأن ” جزأ كبيرا من حوارات المستقلة ضروري ومهم للشعوب الإسلامية وللشعوب الخليجية بالخصوص, لأنها تعلمنا أن نكون ليبراليين في الفكر بحيث لاتوقف عقائدنا بالإستماع للرأي الآخر ومناقشته, ولأنه حتى المسلمات يجب أن تخضع للنقاش العقلي, وقد تكون بعض حوارات المستقلة مستفزة وخارجة عن إطار الحوار لكن أعتقد أنها سوف تنضج وتكون أكثر عقلانية مما هي عليه وسوف تعلمنا مبادئ الحوار الصحيح “.

أما زميله في المهنة فارس بن حزام فيقول: ” الحوار مطلب أساسي في كافة المجالات إن كانت دينية أو غيرها, أما فيما يدور في استيديو المستقلة فلا يقبل المنطق أو العقل أن نصنفه بالحوار, فحوار على هذا الخط من الحساسية الطائفية لاينبغي أن يكون فضائيا وعلى الهواء مباشرة, فالمتلقي من كلا الطرفين ” السني, الشيعي ” ليس بتلك الثقافة التي تمنحه إستيعاب ما يدور من طرح, فالحوار مطلوب والتقارب السني الشيعي مطلوب, ولكن ليس على طريقة المستقلة, وفي إعتقادي أم مالك القناة قد تورط في الآونة الأخيرة ببرنامج كهذا, فلم تعد لديه القدرة على إنهائه ولم يجد المخرج الملائم لهذه الأزمة التي تورط وأورط بها المشاهد “.

يشارك حسن حمادة – عضوهيئة تحرير مجلة الكلمة – برأيه فيرى أن ” الحوار يحمل في طياته – إضافة للجوانب السلبية – جوانب إيجابية عديدة, منها أنه يحقق المجال لفهم الآخر مما يقول لسانه, كما أنه يقف سدا منيعا أمام تقبل (أبناء المذاهب) لعقائدهم بطريقة تلقينية دون مسائلة أو تمحيص, فقد وجدنا كثيرا من الأسئلة التي تطرح حول الأمور العقدية من أناس لم يعهد عنهم هذا الإهتمام, وفي هذا المنحى تباشير خير لمن ينشد الوصول إلى الحقيقة, أؤيد الحوار الصريح بين المسلمين على إختلاف مذاهبهم, وتبقى نقطة ينبغي أن نلتفت لها ونحن نسمع المتحاورين أو المتداخلين, فمن يتحاور من منطلق التأكيد على موضوع الوحدة والمصلحة الوطنية, فإنه قد يحاول الإلتفاف على بعض النصوص التي تقلل من شأن الخصم أو تتحدث عنه بشكل سلبي صريح, ولو كانت النصوص صحيحة ومسندة من قبل علماء مذهبه, وهذا الموقف مؤسس على قاعدة المصلحة العامة ولم الشمل بين المسلمين, وهذا قد لايروق لمن ينشد الوصول للحقيقة ولسان حاله يقول: مادمنا في نقاش علمي فلنتحدث بصدق وبعيدا عن المجاملاتالتي من شأنها أن تضر بلغة الحوار ووجهته, وأمنيتي أن لاتسلك القناة درب التهريج “.

لاحــــــراك

وإلى نتيجة صعبة يخلص القاص جعفر البحراني ملخص هذه النتيجة هي ” أن البرنامج لم يقدم أو يؤخر في ذات الموضوع (الخلاف بين السنة والشيعة) وذلك لأن المعترك الديني خطير, وإذا لم نحصل على ثقافة رسالية حقيقية فإننا لن نستطيع تجاوز الخلاف القائم بين المذهبين, فالساحة تشهد بأن الناس المعتدلين من المذهبين والساعين إلى التقريب هم في الحقيقة أشخاص مثقفين إستطاعوا تجاوز كل العقبات والحواجز والخلافات وإنطلقوا من مبدأ الإنسانية ومبدأ ” تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم “.

إنعكاسات سيكلوجية

أخيرا إستعنا بعلم النفس. فكان ضيفنا الإختصاصي أسعد على النمر الذي يرى ” ان هذه البرامج تركت آثارا إنفعالية سلبية لدى كثير من المشاهدين, فإذا ما حدد الرأي العام ب‘تباره إتجاها عاما للسكان نحو قضية ما أو مجموعة قضايا, فهذا يعني أن هذا الرأي يعكس وجهة نظر الأغلبية, وليس ثمة شك في أن إستجابة الرأي العام خاضعة في الغالب للخبرات السابقة التي شكلتها أنساق تربوية إجتماعية أنثروبولوجية, وعلى ما يبدوأن الحوارات التي إستمرت زهاء الأربيعين يوما هي بمثابة محرضات لمواقف ذهنية جاهزة مختمرة في الذاكرة بعيدة المدى لدى غالبية السكان ذادت من مستوى الإنفعالية (الغضب, الكراهية, الإشمئزز، التقزز, التبرم) تجاه كل طرف للآخر, هذا الحفر غير المنضبط في الذاكرة الجماعية, يحرك المخزونات اللاشعورية الجماعية لتراكمات التاريخ, ويزج بالأفراد في مواقف عدائية (دوان كامن) لدى الكثير, وعدوان صريح لدى القلة.

ويضيف النمر: ” ثمة أمر مهم نعالجه هنا, ألا وهو: أن برنامج تلفزيون المستقلة يهيئ المناخ الإجتماعي, سواء بقصد أم دون قصد, لقبول التعبيرات الحادة كإستجابات متطرفة إنفعاليا, فمعلوم أن الضوابط الإجتماعية هي رقابة عامة على الأفراد للتحكم في إستجاباتهم غير المقبولة إجتماعيا, كالإستجابة بطريقة عدوانية إلى أن تسيد الإنفعالية السلبية على الرأي العام, هذا يجعل المناخ الإجتماعي أكثر جاهزية لتقبل الآراء المتطرفة إنفعاليا مما لولم يكن هناك وسائل تحريض قادحة, بمعنى أن المجتمع يصبح قابلا لقبول الإستجابات الإنفعالية المتطرفة (غضب أو عدوان الخ) لأن رقابته قد خفت بفعل تغيير الرأي العام فيه باتجاه الحالة المتشددة إنفعاليا, بل يدفع كل تطرف للتمحور حول ذاته كنوع من الإستجابة الدفاعية ضد محور الذات, وهذا يدفع جميع الأطراف في المجتمع إلى حالة من التجزؤ الكامن القابل للإنفلات العلني السريع في حالة تضافر محرضات أقوى على التطرف الإنفعالي “.

أضف تعليقاً