أ . عالية فريد >> حديث الشهر


الحوزات الدينية بين الواقع والتطوير

27 مايو 2005 - أ . عالية فريد

كلما تنامت الصحوة الإسلامية في العالم كلما إرتفع رصيد علماء الدين وتعززت مكانتهم وموقعيتهم على الساحة، وبروز العديد من القيادات الدينية اليوم لم يعد مستغربا حيث نشهد تبؤ المواقع القيادية لأسماء وشخصيات بارزة في العديد من المجتمعات، والمؤسسات الدينية إحدى منطلقات هذه الصحوة فكلما تصاعد التوجه الديني في أوساط المجتمع كلما إرتفعت مكانة العلماء ولوحظ زيادة الإقبال على الحوزات والمؤسسات الدينية فماذا تعني هذه المؤسسة؟ وما مدى تأثيرها في تاريخ الأمة الإسلامية؟ كيف يمكن تطويرها ورعايتها كمؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني كي تمارس دورها وصلاحياتها الواسعة؟للحوزات الدينية دوركبير ومؤثر في تاريخ المجتمعات الإسلامية لاسيما في تاريخ الشيعة وثقافتهم، فهي المؤسسة الدينية المعتمدة التي تقوم بدور المرشد والموجه لكل مجتمع وهي مصدر الإشعاع الفكري والديني لمسيرته وذلك لما تقوم به من مهام وأدوار ريادية عظيمة، وماتسهم به في عملية التنوير الفكري في مختلف الجوانب العقدية والثقافية والمعرفية العلمية على مدى تاريخ العالم الإسلامي.

والحوزة هي مؤسسة دينية علمية تهدف إلى إبراز قيم الدين ومبادئه الحية كمنظومة إسلامية حضارية متكاملة قادرة على التعامل مع مجريات الأحداث ومتغيرات الحياة، من خلال ماتقوم به من دور كبير في تجميع وتطوير الفقه الشرعي وفي تعميق الدين وتجذيره في أذهان الناس لاسيما في نفوس طلبة العلم وتربيتهم بقيم الإسلام السمحة والأصيلة، إضافة إلى تخريجها دفعات كبيرة من علماء الفقه الديني الشيعي كمراجع ومجتهدين قادرين على إستنباط الأحكام الشرعية وتبليغها لأفراد الأمة. وتنتهج خط التبليغ فمن لم يستطع الوصول لمرحلة الإجتهاد من الطلبة فمهمته لاتقل أهمية في التوجيه والوعظ عن طريق المحاضرات، والندوات، وتأليف الكتب، والخطابة بإرتقاء المنبر وسط المجالس الدينية طيلة أيام السنة وفي المواسم التوعوية الخاصة كشهر رمضان وأيام المحرم، هذا بالإضافة إلى التصدي للمشاريع الإجتماعية والمؤسسات الثقافية التي تخدم المجتمع وتسهم في حل مشاكله، لذلك تمتلك الحوزات الدينية سلطة عليا في تأثيرها على ملايين المسلمين الشيعة حيث تعد مركزا للفتوى الدينية ومصدرا للإجتهاد حسب الإختلاف وتعدد المراجع.

وتقدم الحوزات العلمية على مدار التاريخ كان ملموسا وواضحا، فقد تميزت بنمو طلابها، وبوجود النوابغ من علماء ها الذين ساهمو بشكل فاعل في إثراء الحركة الفكرية عبر حقبات طويلة من الزمن عبر مختلف بقاع العالم بنشر المعارف والعلوم الإسلامية، وإذدهرت بحلقات الدرس والتدريس في مستوى متقدما من العمق الفكري والثراء الروحي والمعرفي المتواصل لخدمة الأمة، وظهرت أول حوزة علمية مع بزوغ فجر الإسلام حيث كانت حلقات الدرس التي إبتدأها رسول الله – كما يذكر المؤرخون – في دار الأرقم بن عبد مناف مع الذين آمنوا بدعوته حتى عرفت الدار بدار الإسلام الأولى في مكة المكرمة، ورسول الله هو أول معلم في الإسلام، فقد كان يجلس في منزله سواءا في مكة أوالمدينة ويلتف حوله المسلمون والصحابة ليعلمهم ويزكيهم ويتلوا عليهم القرآن ويفسره لهم وهم بدورهم يعلمونه للناس مع ما يترتب عليه أو يتفرع منه من علوم ومعارف، وقد سار الخلفاء على خطى الرسول ثم توالت حلقات الدرس في المسجد بعد الدعوة، ثم إستمرإنشاء الحوزات وتواصل عطاءها عبر المجتمعات جيلا بعد جيل.

يقول الإمام الخميني «قدس سره» «لاشك أن الحوزات العلمية والعلماء الملتزمين كانوا طيلة تاريخ الإسلام والتشيع أهم قواعد الإسلام الحصينة في مواجهة الحملات والإنحرافات والأفهام الملتوية، لقد بذل علماء الإسلام الكبار جهدهم في كل مراحل عمرهم لنشر مسائل الحلال والحرام كما هي ودون أدنى تدخل فيها أو تصرف، والحوزة العلمية عند الشيعة يجمع مكوناتها من فقيه مرجع ومجتهد وأساتذة وعلماء وطلاب، ومناهج دراسية وأنظمة مالية، بقيت مستقلة منذ نشأتها حتى اليوم عن السلطات السياسية المتعاقبة على الحكم، هذا ما يجعلها حرة في حركتها، متحررة من أية وصايا أو أي إرتباط مشبوه قد يؤدي إلى مسلكية معينة تحرف الحكم الشرعي عن طريقه وتحوله إلة مسلك ليس فيه روح»[1] .

وتنتشر الحوزات الدينية عادة في العراق، وإيران، وسوريا، وباكستان، والهند وشمال أفريقيا، وفي دول الخليج.

وحول أول حوزة دينية تم تأسيسها في تاريخ الشيعة فهناك تباين في الآراء، فرأي ذهب إلى أن أول حوزة تم تأسيسها في إيران في مدينة قم في أوائل القرن العشرين ل آية الله عبد الكريم الحائري، بينما ذهب البعض الآخر إلى النجف الأشرف في العراق على يد العلامة الجواهري قبل عشرة قرون تقريبا تم إنشاء أقدم حوزة دينية شيعية في العالم.

وفي إيران وحدها توجد عدة حوزات في مدينة قم، وفي طهران العاصمة ومدينة مشهد، وعدد المدارس التابعة لها تقدر ب 360 مدرسة فيها نحو 5 آلاف إستاذ وتضم 44 ألف طالب دين و90% من الدراسات باللغة العربية، وبجانب هذه المدارس هناك الحوزات النسائية التي يدرس بها 300 أستاذة تقريبا منهن 100 مدرسة أجنبية وعدد الطالبات اللاتي يدرسن فيها حاليا 5 آلاف إمرأة. وفي العراق هناك حوزة الكوفة، وحوزة النجف، وحوزة كربلاء.
وتستمر الدراسة في المؤسسات الدينية لسنوات متواصلة تمتد لعشرة أعوام بل أكثر، ومن أهم الشهادات التي يحصل عليها الخريج في الحوزة هي إتمام درس «السطوح» ومن ثم بحث الخارج.

وتتركزالمواد حول قضايا دينية تقليدية ومذهبية فقهية متوارثة صاحبها بعض التغيير والتطوير مع مجيئ الإمام الخميني أي بعد قيام الثورة الإسلامية، حيث سعت بعض الحوزات لتطوير دراستها في المعاملات، والعبادات، وفي عدة فروع دينية وفقهية متخصصة مثل التفسير، والعلوم القرآنية، وعلم الكلام، والفلسفة، والفقه الإسلامي، والحقوق والقضاء الإسلامي، والتبليغ، وتاريخ الإسلام، والعلوم الحديثة، ونهج البلاغة، وعلوم اللغة العربية في النحو والصرف، والمنطق، والعقائد، وعلوم الحديث والدراية في علم الرجال، بالإضافة إلى دروس في الأخلاق.

ويمثل وجود المؤسسات الدينية في المجتمعات الخليجية إمتدادا لتلك الحوزات العلمية العريقة معتمدة على نهجها، ومحافظة على مسيرتها العلمية ساعية لمواكبة الأساليب الحديثة في عملية التدريس وخدمة المجتمع. وقد حاز المجتمع على مكتسبات كبيرة بفضل هذه المؤسسات، والذي حافظ من خلالها على هويته وثقافته الدينية، ووفرت له الحماية الأخلاقية، وحافظت على وحدته من الإنقسام والفرقة والتعصب، وساهمت في حل ومعالجة الكثير من مشاكله الإجتماعية المستعصية وعملت على الحد من ظواهر الفساد والإنحراف.

وتتواجد هذه الحوزات عادة في المناطق التي يسكنها الشيعة فهناك حوزة الرسول الأعظم في الكويت، وحوزة في مسقط، والبحرين، وفي السعودية حيث ينتشر الشيعة بأعداد متفاوتة في مناطق المملكة، ونظرا لتمركزهم وثقلهم الأساسي في المنطقة الشرقية حيث توجد حوزة في «هجر» الأحساء، وحوزة في «الخط» القطيف التي تم تأسيسها عام 1412 هـ، وبلغ عدد الطلاب فيها حتى عام 1425 – 1426هـ 162طالبا 82 منهم متفرغين للدراسة الدينية في الفترة الصباحية و80 طالبا في الفترة المسائية، عدد الخطباء 38 خطيبا تم توزيعهم على نحو 114 مجلسا دينيا، مارسوا دورهم التبيليغي داخل وخارج المملكة، عدد المرشدين في حملات الحج 40 مرشدا، وعدد إصدارات المدرسين من العلماء والطلاب لهذا العام وصل 21 كتابا تم توزيع بعضها مجانا.

إلا أنها وبمعية أدوارها وعطاءاتها، ورغم التطور الذي رافقها في بعض المناهج وعلوم التدريس، ونظام القبول للطلبة، وتقليص المدة الزمنية إلا أنها لازالت بحاجة إلى أن تكون في مستوى تحديات العصر مواكبة للتطوير والتحديث..

أضف تعليقاً