أ . عالية فريد >> مشاركات


الشراكة في الوطن كأرضية لحقوق المواطن

22 مايو 2010 - محرر الموقع

الشراكة في الوطن كأرضية لحقوق المواطن
 

الدكتور توفيق السيف * – « صحيفة الأيام البحرينية » – 13 / 5 / 2010م – 10:26 ص
التعريف الذي قدمه الزميل محمد المحمود لفكرة الوطن «الرياض 6 مايو» ينطوي على عناصر مثيرة للاهتمام، لكنه يستدعي جدلا في مؤدياته. الوطن لا يمثل، حسب عبارته، اكثر من «فعالية شركاء متعاقدين، شركاء يُمارسون تنفيذ عقودهم الضمنية والصريحة على مساحة من الجغرافيا التي يمتلكها المجموع، المجموع كوجود «ما بعد فردي»، ولا يملكها أي أحد، أي ليست ملكية أفراد من حيث هي: وطن».
بدأ المحمود بالتأكيد على مفهوم الشراكة ضمن مساحة مادية «اي بما يتضمن شراكة في الماديات المتوافرة في هذه المساحة»، لكنه انتهى بنفي المشترك المادي. في نهاية المطاف لا احد، باعتباره الفردي، يملك شيئا، طبقا لما يؤدي اليه رأي الزميل. نوقشت هذه الفكرة كثيرا في بحوث الفلسفة السياسية، وذهب اليها بالخصوص قلة من التيارات الفكرية والسياسية المحافظة التي تنفي هوية الفرد وتشكك في استقلاله، وتنظر الى الرابطة الجمعية، وما ينطوي تحتها من مصالح وموارد، كموجود مستقل عن المشتركين فيها، اي افراد المجتمع. بينما ذهب الليبراليون الى التأكيد على ان العقد الاجتماعي لا ينفي الحقوق او الهويات الفردية او الفرعية السابقة ولا يغير من طبيعة العلاقة بين المتعاقدين وموضوع العقد، بل يقيم اعتبارا معنويا جديدا هو الشراكة في تلك الحقوق ضمن الرابطة الاجتماعية التي تتولد في اطارها مصالح مشتركة وإرادة مشتركة «او عامة حسب تعبير روسو».
 هل لهذا الكلام أي أهمية؟
اذا اتفقنا مع الزميل المحمود وقلنا بان الشراكة الوطنية مفهوم مجرد لا يتضمن العلائق المادية السابقة على التجريد، او قلنا انه كل واحد او وصف نوعي، يشترك المجموع، ما بعد الفردي حسب تعبيره، في ملكيته اشتراكا اعتباريا، لا اشتراكا ماديا، عندئذ فان ملكية الجميع لذلك العنصر المادي الواحد لا تتجلى في الواقع الا حين يجتمع كافة المالكين دون استثناء. فاذا اراد كلهم او بعضهم المطالبة بالحقوق التي تترتب على الملك «ونعلم ان الملك أقوى مصادر الحق» فان هذه الحقوق المدعاة لا تثبت الا اذا اتفقوا جميعا ومن دون خلاف.
من البديهي ان هذا الشرط مستحيل، وبالتالي فان المشروط غير قابل للتحقق. ويترتب عليه سقوط كل حق للمجتمع في الموارد والمصالح العامة التي افترضنا شراكة اعضائه فيها. بعبارة أخرى فان نهاية تلك الدعوى سقوط مفهوم الشراكة في التطبيق رغم ثبوته على المستوى النظري.
هذه الفكرة، اي تجريد الشراكة من مضمونها المادي بعد قيامها في إطار العقد الاجتماعي، كانت من اركان نظرية العقد الاجتماعي في الصيغة التي اقترحها جان جاك روسو. لكن معظم المفكرين اللاحقين طرحوها جانبا لاستحالتها، اي كونها غير واقعية، رغم امكانية اثباتها فلسفيا.
البديل الذي نقترحه هو تعريف الوطن كشراكة مادية اعتيادية قابلة للتجريد والتقييد بحسب ارادة الشركاء. وقد ناقشت الفكرة بشيء من التفصيل في اطار نظرية «شراكة التراب» التي عرضتها في كتابات سابقة. واوضحت انها قابلة للتأسيس على أرضية القيم الدينية ونتائج الدراسات الفقهية. في هذا الاطار، ينبغي التمييز بين مفهوم «الملك المشترك» الذي تترتب عليه حقوق معلومة للافراد المشتركين، وبين «الارادة العامة» التي هي بمقتضى الطبع مفهوم مجرد.
الفارق بين المشترك والعام يتمثل في قابلية الاول للتخصيص. ولهذا يصح حيازة بعض الافراد لبعض الاجزاء، وهو أمر معروف وسائد. بخلاف المفهوم المجرد للارادة العامة، التي يكمن جوهرها في عمومها وتجريدها، فاذا قيدت او جزئت فقدت مفهومها وسقطت.
الشراكة التي نقترحها تطابق مفهوم «الملك الشائع» المتداول في البحوث القانونية والفقهية. والفارق بينها وبين المفهوم السابق يكمن في سريان الحقوق المترتبة على الملك لكل فرد من المالكين أو لمجموعهم، مجتمعين او متفرقين، سواء اختص أحدهم ببعض المشاع أو تركه ضمن الملكية المشتركة. وأهم تلك الحقوق هو المطالبة باحترام رأيهم عند تصرف بعضهم في الملك المشترك. وعلى هذا الأساس أقرت معظم دساتير العالم مبدأ التصويت كوسيلة لتعبير الأفراد عن رأيهم في الشؤون العامة والمشتركة.

أضف تعليقاً