أ . عالية فريد >> حديث الشهر


أبناؤنا الموقوفون ولجان المناصحة

30 مايو 2014 - أ . عالية فريد

خطر الإرهاب لايزال مشتعلا يهدد أمن وإستقرار مجتمعاتنا مخترقا كافة القيم الإنسانية والقواعد الأخلاقية وهو ليس ظاهرة خاصة بدولة معينة دون غيرها، وليس لأحد منا مأمن عن أخطاره وشروره، فهذه الظاهرة كما هومعروف لا تعترف بحدود اخلاقية أو وطنية أو دينية ولا يمكن اخماد فتيلها الا إذا ماتم إيقافها والحد منها والقضاء عليها.

وفي الوقت الذي أصبح فيه الإرهاب وليد الخطاب الديني المتشدد الذي يشرعن لممارسات وأعمال إرهابية لتحقيق أغراض دينية آن الآوان لإتخاذ كافة التدابير العلمية والعملية لمواجهته وهذا لن يتم في ظل غياب استراتجيات دولية ووطنية كبرى تقاوم الظاهرة، فلم يعد الحل الأمني بالإعتقال والسجن كافيا وليس هو الخيارالوحيد للمعالجة، كما لم يعد إستخدام العنف وسيلة لقمع حريات الناس لاسيما في إبداء الرأي والتعبيرعنه أومنع الاحتجاج وتجاهل مشاكل المواطنين وسيلة ناجعة أيضا فالإرهابيون العائدون من خارج البلاد وداخلها باتوا يشكلون خطرا حقيقيا على الوطن. غير ان قانون الإرهاب الذي أصدرته وزارة الداخلية مؤخرا ونتيجة لنصوصه التعويمية وغير الواضحة باتت وصمة الإرهاب تلاحق الكثير لاسيما فيما يرتبط بحرية الرأي والتعبير بغض النظر عن المنهجية الثقافية أوالفكرية العقدية أوالسياسية الأمر الذي خلق ربكة إجتماعية إختلط فيها الحابل بالنابل. هذا لاينفي طبعا وجود الإرهابيين بشتى توجهاتهم فالتكفيري المتطرف إرهابي، والإقصائي التفجيري إرهابي، ومن يحمل السلاح ضد الدولة والأجهزة الأمنية إرهابي حتى بات اليوم كل من توجه له تهمة ”مخالفة النظام العام“ فهو يوصم أيضا بصفة الإرهاب فالمدون إرهابي والمغرد إرهابي والمطالب بحقوقه ضمن أطر سلمية أيضا إرهابي،،، الخ.

في الوقت الذي نطالب فيه مؤسسة الدولة الأمنية بإيجاد لائحة قانونية توضيحية لقانون الإرهاب، في ذات الوقت نشد على يدها في مواجهة الإنحراف الفكري المتطرف ونساندها في محاربته حفاظا على أمن الوطن وعدم زعزعة إستقراره الداخلي، فالإرهاب يهددنا جميعا ويحاول النيل من مكاسبنا ويهدد مستقبل ابنائنا.

وإننا نثني على المبادرة التي إتخذتها وزارة الداخلية للحد من الممارسات الإرهابية ومعالجة التطرف الفكري بإيجاد ”لجنة المناصحة“ وتحويلها من لجنة إلى مؤسسة رسمية لخدمة جميع الموقوفين، فهي بادرة إيجابية وحكيمة نالت إستحسان الكثير من مختلف شرائح المجتمع نتيجة لما بذلته من جهود في إصلاح المغرر بهم وإعادتهم إلى رشدهم وتحصينهم من شبهات التكفير وماعلق بأذهانهم من أفكار تحريضية تجاه أمن الوطن والتي على اثرها أصبح الكثير من الموقوفين اليوم يطالبون بها وعرضهم عليها فهم يرون فيها أملا بالإفراج عنهم لشم نسيم الحرية.

مع أن الفكرة تشكلت نتيجة لتكرار حوادث الإرهاب في المملكة منذ عام «1416 هـ ، 1995» وتأسست بصفة رسمية في بداية عام «1425 هـ ، 2004م». ونظرا لأن وجود القانون والعقوبة بالسجن والغرامات المالية يشكل رادعا للشخص المتطرف، فإنه من ناحية أخرى لا يعالج جذور المشكلة التي تستدعي وجود مراكز متخصصة لمعالجة المتطرفين فتم ضمها فيما بعد إلى مركز رعاية وتأهيل المنحرفين فكريا الذي تأسس عام «1427 هـ ، 2006م» وأصبح لها إدارة مستقلة لها هيكلها التنظيمي وتشريعاتها القانونية التابعة لوزارة الداخلية السعودية.

ومع ما حققته لجان المناصحة من إنجازات إلا أنها بحاجة إلى أن تستكمل خطواتها بالشكل السليم الذي يتناسب مع إحتياجات الموقوفين وحل مشاكلهم وبما يحفظ الأمن والسلم الإجتماعي. ان وجود بعض الثغرات القائمة في عمل هذه اللجان يجلعنا لا نستغرب عودة البعض ممن خضعوا للجنة المناصحة إلى ذات المنهج الفكري العنيف الذي ترعرعوا عليه وعاشوا بين أحضانه، ولا نتعجب أيضا من إنبراء مجاميع إرهابية تخريبة من المنحرفين ومدمنين المخدرات للعبث بمنجزات الوطن فالتصدي لظاهرة الإرهاب والكشف عن دوافعها وآثارها السياسية والإقتصادية والنفسية بات ضرورة ملحة تستدعي أهمية تظافر الجهود ليس من الأسرة فقط فالمسؤولية مضاعفة من المجتمع ولكنها مطلوبة بشكل أكبر من كافة أجهزة الدولة ومؤسساتها جميعها للعمل على تفكيك هذه الظاهرة وتجفيف منابعها وتوفير البيئة الآمنة لأبنائنا وشبابنا.

وحتى تؤدي ”لجنة المناصحة“ دورها تجاه المغرر بهم داخل السجن لابد من مراعاة أمور عدة أهمها كالتالي:

– إختيار أعضائها من العلماء الشرعيين وفق معايير واضحة تضمن الإعتدال وسلامة المنهج والحيادية بمعنى أن لايكونوا على ذات الأرضية الفكرية والمنهجية الذي نشأ عليها هؤلاء المتطرفون، كذلك لا يكون العضو منتميا للأجهزة الأمنية.

– أهمية البحث عن جذور المشكلة وإجتثاثها، فالمعالجة الدينية والثقافية غير كافية ف 60 ساعة شهرية دروس ومحاضرات دينية وتوعوية وتأهيل نفسي وبرامج اجتماعية ترفيهية لا يفي بالغرض، فقد يعاني هذا الإرهابي من مشاكل أخرى كالفقر، البطالة، تفكك وعنف اسري، مشاكل سياسية، وأخرى إجتماعية واقتصادية وغيرها، مما يتطلب وجود معالجة شاملة من مختلف الزوايا.

– أن يمتلك أعضاء اللجنة سلطة حقيقية بأن توكل لهم صلاحيات ومهام تعزز الثقة بينهم وبين الموقوفين كالإفراج عن المتهم أو تقديم تسيهلات وخدمات معينة للسجين.

– مراعاة النزاهة والثقة والمكانة الإجتماعية والعلمية التي يتميز بها العضو بالإضافة إلى المرونة وقوة التأثير والحكمة في الطرح.

وعل الكثير يتسائل ماذا بعد المناصحة والخروج من السجن وماهي ضمانات الحماية لعدم العودة والإصرار على ذات المنهج؟
من هنا تنبع الحاجة إلى أهمية وجود بيئة آمنة وسليمة لحماية المفرج عنهم، وبمزيد من اليقظة والوعى وفى اطار جهد قانونى ومجتمعى متكامل يظهر تماسكنا ووحدتنا فى مواجهة أى تهديدات بأمن الوطن وسلامته. وذلك لا يتم إلا بتفعيل لجان المناصحة لدورها الجاد وذلك بالعمل على مايلي:

– تغيير وتصحيح المناهج التعليمة،

– تجريم التحريض على الكراهية والعنف، وتكثيف الملاحقة الأمنية لمثيري الفتن ودعاة التعصب والأفكار المتطرفة، وتعزيز قانون الوحدة الوطنية.
– تغيير الخطاب الديني والدعوي، فعلي رجال الدين والدعاة أن يرسخوا في عقول شبابنا أصول القيم الإسلامية الدافعة إلي تقدم المجتمع، وتصحيح المفاهيم الخاطئة والأفكار المغلوطة التي حجبت جوهر الإسلام وتعاليمه السمحة التي لا تعرف التطرف أو التعصب أو الإرهاب. وإيضاح صورة الإسلام في الحث علي التنمية واعمار الأرض وبناء الحضارة وتذكيرهم بأن حضارة الإسلام هي حضارة تنشد الخير لكل الإنسانية. حضارة سلام لا تعادي أحدا أو تعتدي علي أحد. حضارة تسامح لا تعرف المغالاة والعنف أو التطرف أو الإرهاب. حضارة تؤكد إنسانية الإنسان. وتحترم أدمية البشر دون تمييز”.
– تطوير الخطاب الإعلامي، فليعمل المثقفون على نشر الوعي المدني الذي يرقى بثقافة الإفراد وينعكس على سلوكهم في المحبة والرفق والصفح والتعاون بعيدا عن التشكيك وإثارة التشنجات والفتن والنعرات الطائفية ونبذ كافة أشكال الكراهية والتعصب. ولنثبت لأنفسنا وللعالم أننا أمة قادرة على إعلاء قيم الإعتدال والتسامح.
– تفعيل دور مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني في تحقيق أهدافه الخاصة بالحوار في تعزيز مبادئ الحب والسلام والتسامح، فالمناصحة شكل من أشكال الحوار، مما يتطلب التنسيق لإدماج السجناء ضمن برامجه ودوراته ومحاضراته وندواته الحوارية أثناء فترة المناصحة وبعد الخروج من السجن.
– أهمية وجود تعاون وتنسيق بين المؤسسات الحقوقية والوطنية وإدارة السجون وذلك لضمان منع التعدي على حقوق السجناء من جهة، والعمل على غرس ثقافة حقوق الإنسان المنبثقة من التشريع الإلهي والقوانين الوطنية والدولية طبقا لما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والشرعة الدولية التي تؤكد على احترام كرامة البشر ونزع العنصرية واحترام الرأي الآخر والتنوع والتعددية.
– أهمية النظر والتعجيل بإقرار مؤسسات المجتمع المدني لإحتضان الشباب، والسماح لهم بحرية الرأي والتعبير وفق أطر توجيهية مدنية، وحتى لا تسيطر عليهم الجماعات والمنظمات الإرهابية وتحولهم إلى أدوات قتل وتدمير.
– محاربة الفساد والمثابرة في حل مشاكل المواطنين، فااستمرار العديد من الأوضاع والقضايا والمشكلات إنما يغذي قوي الإرهاب‏، ‏ ويوفر لها الغطاء والذرائع، والتناول المتوازن والعادل للكثير من القضايا مطلب رئيسي في المعركة التي تخوضها بلادنا ضد الإرهاب‏ حتى لو تطلب ذلك تكرار لجان مناصحة أخرى لحلحلة الكثير من الملفات للوصول إلى تسويات سريعة وعاجلة.
لا خيار أمامنا لدرء خطر الإرهاب إلا السعي في تطوير الآليات القائمة على احتواءه واستحداث آليات وقائية جديدة تبعد شروره. عدا عن ذلك سيظل هذا الخطر قائما ومهددا لأمن وإستقرار مجتمعاتنا.

أضف تعليقاً