أ . عالية فريد >> حديث الشهر


أيتها الدولة… ليس بعد الرفق إلا الأمن؟!

27 نوفمبر 2011 - أ . عالية فريد

في المقال السابق حاولت التعبير كسعودية لا تزال تحاول أن تستحضر حقيقة مواطنيتها وتسعى للإفصاح بكل براءة وصدق عن تصورها للدولة التي ترنو للعيش في كنفها دون أن تتعقد من الآخر الذي قد يختلف معها إما مناطقيا أو مذهبيا أو فكريا أو سياسيا، واستطرادا للهاجس الذي يهدد وعينا لهويتنا العربية الاسلامية السعودية وتناسب ذلك كله بواقعية الأمن الاجتماعي أو عدمه، أحاول عبر هذه السطور أن أقف بعجالة على ما هو متعارف لدى منظري العلوم السياسية بأركان الدولة الرئيسية: الشعب والأرض والسيادة ونظام الحكم، فأي مساس أو إضرار بالصالح أو انتقاص من السيادة أو إعتداء على أي من هذه الأركان بأي درجة كانت يعد قضية كبرى ويمس الأمن الوطني في الصميم، ولاغرابة في ذلك فكل الدول تحافظ على كيانها وشعبها ” شعبا وأرضا وسيادة ونظام حكم “، والوحدة الوطنية التي تتمثل في وحدة الشعب ووحدة التراب ووحدة العقيدة هي الأساس الصلب الذي تستند إليه استرتيجية الأمن الوطني.

و قضية الأمن الداخلي من أهم واجبات الحكومات في الدولة الوطنية الحديثة «وطنية تقر بالحقوق والواجبات» بل ومبرر وجودها. ولقد كان محور اهتمام الملك عبد العزيز منذ دخوله الرياض عام 1319هـ وخلال جهاده وحتى استقرار الأوضاع منصبا على الأمن، ولذلك جاء الأمن الداخلي في رأس قائمة الإنجازات التي يعض عليها بالنواجذ، ولا مناص أن استقرار الأوضاع الداخلية هو من أهم أهداف الحكومات والدول، ويتحقق ذلك عن طريق السياسة الداخلية التي من أهم أسسها، إقامة العدل وحفظ الحقوق، والمساواة وتكافؤ الفرص، ومنع الفتن، وحماية ورعاية الحريات الأساسية للمواطن والمقيم على تراب الدولة، وضمان الحياة الحرة الكريمة للمواطن وغيرها من العوامل. إذ السياسة الداخلية هي حجر الأساس والقاعدة الصلبة التي يستند عليها الأمن الوطني ويلي ذلك المكانة الدولية والعالمية، والعلاقات الخارجية للدولة، فكلما كانت هناك مشاكل داخلية، كلما انكفأت الحكومات والدول للداخل وربما تأثرت مصالحها الخارجية وزادت الأطماع في أراضيها ومواردها ومياهها الإقليمية، وكلما كانت الأوضاع الداخلية مستقرة والجبهة الداخلية متماسكة، كلما كانت الحكومات والدول أقدر على مواجهة الأزمات الخارجية ومتابعة حقوقها في المجالات الإقليمية والدولية، حيث يبقى ذلك رهين بالمبادرات المرحلية التي يجب أن تتخذها الدولة في سياستها الداخلية هذا من جهة.

من جهة أخرى وزارة الداخلية بقدر ماهي وزارة للأمن فهي جزء لايتجزأ من تحقيق التنمية الشاملة ودعم البرامج التنموية ودعم المشاريع عن طريق أمراء المناطق ومجالس المناطق المعنيون بالتخطيط للبرامج والمشاريع والإصلاح الإداري ومكافحة الفساد، حماية للمنجزات الداخلية وتوفير البيئة الاقتصادية والاجتماعية الآمنة.

بناءا على ما سبق من البديهيات في مقومات الدولة الحديثة وأدبيات الحداثة السياسية وعبر القراءة الموضوعية لما شهدته المنطقة الشرقية من أحداث مؤخرا، هناك بعض المحددات يجب أخذها في الحسبان في ما يتعلق بالشرعية القانونية للدولة أمام الرأي العام الوطني وكذا الآخر العالمي، والتي تؤكد عليها الشريعة الإسلامية التي هي عماد الحكم في بلدنا وكذا العهود والمواثيق الدولية التي تعتبر ” التعدي على المواطنين وقتلهم بالرصاص الحي، وازهاق ارواح الأبرياء: جريمة ضد الإنسانية ومخالفة لكافة القوانين والأعراف الدولية والعالمية، ويعتبر إنتهاكا صارخا لحقوق الإنسان وإنه لمنزلق خطير تمارسه الجهات الأمنية في المنطقة. مما يستوجب مؤسسات الدولة – بحسب القانون والعدالة – الساهرة على حفظ أمن المواطنين وأمن المجتمع الذي من المفروض هو روح الدولة، أن تجيب بالمتابعة والمحاسبة لكل مسؤول عن هذه الجرائم ومن سولت له نفسه بأن يرتكب هذه الجرائم دون مراعاة شرعية المؤسسات التي يمثلها وما هنالك من إساءات لوظيفة الدولة كمنظم للشؤون الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجتمع والأمة، عبر شرعنته للعنف والاجرام بإسمها…؟؟؟
فبأي حق تسيل دماء الأبرياء؟ وبأي حق يستخدم السلاح تجاه المواطنين العزل؟ وبأي حق يستباح دم الشباب درع هذا الوطن؟

وعلى مؤسسات الدولة أن تحافظ على أمنها من الداخل بمعاقبة كل من يسيء لها وتستحضر في هذه المرحلة وغيرها أن العنف لا يصنع أمنا، لأن النبي الأكرم قال: “إن الله ليعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف” والقرآن مرشد وهاد لنا عبر الآية الكريمة: ﴿ وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ «فصلت/34» وأي سيئة أعظم من قتل النفس البريئة المسالمة التي خرجت لتقول أريد حقي كمواطن، أريد أن أشعر بإنتمائي الفعلي والكريم لهذا الوطن بدون حساسية ولا عصبية ولا تخوين، أريد إحتراما كما أحترم وجودي وانتمائي لهذه الأّرض المباركة، وللعلماء المخلصين أليس لهذه الآية في القرآن الكريم درسا بليغا في كرامة النفس الانسانية: ﴿مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي ٱلأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِٱلّبَيِّنَٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ فِي ٱلأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾ «المائدة/32» حيث الأولى بنا كوطن يمثل مركزية الأمة الإسلامية أن نتحرك بنباهة وحزم ليس لتوليد العنف المتبادل ولكن لإنتاج الاصلاح ومحاسبة العابث والمتاجر بالأحداث والمواقف السلمية لشباب المنطقة لإعادة الاعتبار كجزء من نسيج هذا الوطن الغني بتنوعه والآمن بوحدته وعدالة مؤسسات دولته…

بناءا على ما سبق أوجه نداءا لكل العقلاء في قمة هرم الدولة مما عرفناهم بشجاعتهم في إصلاح ذات البين داخل الوطن وخارجه والذين يشهد تاريخهم على مواقفهم العادلة ودعمهم لخيار بناء الدولة القوية، مناشدة كل أهل الحكمة من العلماء الصادقين والإعلاميين الأحرار والنخب الثقافية والاجتماعية للإسراع في وضع حد لهذا الأسلوب المشين لصورة الدولة وهوية الوطن، مما يستجلب إلينا عار سياسي يسقط هيبتنا بين الدول والأمم، حيث كسعودية مهتمة في مجال حقوق الانسان استنكر هذا العمل اللاخلاقي المنافي لقيمنا ومبادئنا وتعاليم ديننا الإسلامي ولشخصيتنا السعودية المعروفة لدى عامة الأمم بالرأفة والرحمة والحكمة والانفتاح والانسانية، كما أتقدم لتعزية الوطن في فقد أبنائه وأخص محافظة القطيف هذا البلد الطيب أهله، لاسيما أسر وعوائل الشهداء في مصيبتهم، وأدعوا الله بالشفاء العاجل لكافة المصابين، وأعلن في هذا الوقت الذي لا تزال الأجواء فيه مشحونة بالغضب المحتقن، والتوتر والقلق في هذه اللحظات العصيبة التي ما خرج فيها المتظاهرون سلميا إلا للمطالبه بحقوقهم وبمزيد من الإصلاحات السياسية ضمانا لمستقبلهم ومستقبل أبنائهم للعيش بحرية وعدالة وكرامة، لأن في عمق هذه العاصفة الهوجاء للفوضى الخلاقة على مستوى العالم العربي نحن بأمس الحاجة لإستعادة مبادئ وآداب وحاجات ملحة في الراهن السعودي العام والشرقي على وجه الخصوص، لا يمكن أن تنتفي من صميم شخصيتنا الوطنية حيث نطالب:

1 – الوقوف صفا واحدا وقويا في وجه العنف والعمل على نزع فتيل الفتن الطائفية ومحاربتها بل القضاء عليها وعلى كل عمل من شأنه بث سموم الفرقة والضغينة مع محافظة الجميع على سلميتهم وحضاريتهم المعهودة، وفي الوقت ذاته

2 – المطالبة بالوقف الفوري لهذه الإعتداءات والممارسات حقنا للدماء فلدماء المسلمين حرمتها والجهات المسؤولة تدرك جيدا أن دورها واضحا وحازما في عملية إستخدام السلاح أو الذريعة الحية، فالسلاح يستخدم للدفاع عن سيادة الوطن ويوجه لأعداءه الحقيقيين، وليس لأبنائه ومواطنيه، أليس الله عز وجل يقول «أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً» ويقول سبحانه «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً»..

3 – ازالة حواجز التفتيش والمراكز الأمنية التي تحاصر مدن وضواحي محافظة القطيف، فتزايد إنتشار القوات وحالة التأهب القصوى عند نقاط التفتيش والإجراءات الأمنية المشددة تطبق الخناق على المواطنين وتعاملهم وكأنهم مجرمين ناهيك عن كثير من الإنتهاكات الإستفزازية التي لا يرتضيها عقل أو ضمير.

4 – على جميع الجهات والمؤسسات القانونية والحقوقية الداعية لضمان حقوق الإنسان ممارسة دورها ومسؤوليتها وعلى رأسها الجهات القضائية في تشكيل لجنة تحقيق لمحاسبة المعتدي وكشف الملابسات ومعرفة المتسبب والجاني يأخذ جزاءه الطبيعي ف” المتهم بريئ حتى تثبت إدانته ” لوضع حد لسفك وإراقة المزيد من الدماء. فديننا دين الحب والألفة والتسامح فبماذا نبرر قتل شباب الوطن فهؤلاء ليسوا مجموعة أرهابيين أو مجرمين كما تصورهم وسائل الإعلام، إنهم مواطنين لهم حاجات ومتطلبات يعانوا من التمييز الطائفي ومن حرية التعبير ومن البطالة ومن عدم ممارسة مواطنيتهم كبشر، وقد عبر بعضهم بطريقة خاطئة عن مطالبهم، لكن ينبغي أن لا نتعامل معهم بإجرام وإتهام وتشكيك فهم جزء من هذا الوطن، والقيادة السياسية عليها إحتضانهم واستيعابهم كما يليق، وكما عهدناه من أبويتها ورعايتها.

5 – تحية لشجاعة الناس ومواصلتهم وسعيهم في المطالبة بحقوقهم المدنية والسلمية المشروعة لكن ذلك يجب أن يعزز السلمية وعدم الإنجرار وراء أصوات وأبواق لها مصالح على حساب خربطة الوضع الداخلي الحساس، حيث نقول لها بملأ الفم وبكل ثقة وصدق “نحن ضد السلاح وضد اطلاق النار وضد العنف بكافة أشكاله وضد تدمير الممتكات العامة والخاصة، إذ يبقى العمل السلمي في المطالبة بالحرية والعدالة والكرامة والمساواة عمل حضاري، لعن الله الطائفية وتبا للطائفيين. ونؤكد على ضرورة التأسي بسلمية المطالبة بالإصلاح…

6 – تأكيد رفض العنف بكل أشكاله وصوره وقد نبذته تعالمينا الدينية، وهذا مايجب أن يلتزم به الجميع في سلمية المطالبة والحكمة من الجهات المسؤولة في استيعاب الحدث، والعقوبة والردع مطلوبة، ولكن العقوبة التي تقع بناءا على جرم، والجرم يقع بناءا على حكم قضائي تتوافر فيه جميع الإشتراطات القانونية التي نصت عليها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان… وليس من سلطة أي حكومة أن تسلب حياة الأفراد دون محكمة قضائية عادلة أو محاكمات صورية، وليس باستخدام اسلوب الرصاص الحي خلال المظاهرات والمسيرات السلمية.

آن الآوان لإدراك حاجة المجتمع السعودي لمبادرات وإصلاحات سياسية عاجلة تعزز حسن النوايا والثقة بين الحاكم والمحكوم، وتعيد للجميع تلاحمهم وإعتزازهم بقيادتهم متى ما تم تفهم الأمر وحل المشكلات وإستيعاب الأزمات فإستفحالها ليس في صالح الوطن. حمى الله الوطن وحفظ الله بلادنا من كل مكروه… وليس بعد الرفق إلا الأمن…

أضف تعليقاً