أ . عالية فريد >> حديث الشهر


حتى لا تبقى حقوق الإنسان الخليجي حبرا على ورق!

23 ديسمبر 2014 - أ . عالية فريد

لا يخفى على الجميع أن أهم وسائل ضمان حقوق الإنسان والحريات المدنية هو الإقرار بها وتنظيمها بقانون. خاصة وأن قانون حقوق الإنسان ينبغي أن يحظى بأهمية قصوى تسمو على كافة القوانين الوطنية للدولة، لما له من أهمية كبيرة ملزمة للأنظمة الحكومية من جهة، ومنظمة لحياة البشر من جهة أخرى، ولما يفرضه من إحترام لحقوق الإنسان بناءا على المساواة القانونية التي تضمن نفس الحقوق لجميع الناس دون تمييز او عنصرية بسبب الأصل أو الجنس أو الدين أو النسب أو الثروة. فالقانون عادة ما يعمل على تنظيم المجتمعات ويحفظ سيادة الدول، ويحمي كيانها وأمنها ويبعث على إستقرارها وسلامة أفرادها. من هذه الزاوية يمكن النظر إلى أهمية إصدار أول وثيقة حقوقية لدول الخليج، تحت مسمى «إعلان حقوق الإنسان لدول مجلس التعاون الخليج»، سيما والمنطقة تغرق في لجة الأزمات والعواصف الإقليمية والدولية.

بداية، الإعلان عن نظام حقوق الانسان كمشروع يعتبر خطوة ايجابية في مسيرة تعزيز حقوق الانسان. حيث تناول أبرز القضايا الحقوقية المثارة على الساحة مثل سحب الجنسية، التعذيب، المحاكمات غير العادلة والأحكام القاسية، اللاجئون السياسيون، توطين البدون، حرية الأديان، حرية الرأي والتعبير، حق التنقل والإقامة والمغادرة باعتبارها حق لكل إنسان، كما تناول الإعلان الكثير من القضايا الحقوقية التي تمس المواطن الخليجي.

لقد جاء الكشف عن إعلان حقوق الإنسان لدول مجلس التعاون الخليجي مفاجأ ودون سابق إنذار. فهل يكون ذلك ناتجا عن قناعة وصحوة ضمير؟ إذا كان كذلك فكيف تم تأسيس هذا الإعلان، الذي يفترض إعداده مسبقا بالتعاون والتشارك المجتمعي لأنه يرتبط بمصير شعوب المنطقة. وكون «الشعب مصدر القرار» لماذا تم إستبعاد أصحاب الرأي من المحامين والمراقبين وممثلي المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الانسان عن المشاركة؟! أم أن إعداده كان واردا نتيجة الأوضاع الإقليمية والدولية المتأزمة والتحديات التي تواجهها المنطقة.

ومع ما بذلته دول مجلس التعاون من جهد في إعداد مشروع الإعلان، إلا أنه، وكما هو معروف في ميثاق الأمم المتحدة عام 1945، أن احترام حقوق الانسان في المجتمع لا تتوقف على الدول فقط. بل هي جهود مشتركة بين الأفراد والحكومات والمجتمع الدولي، فالفرد ليس متلقيا للحقوق فقط، فهو مناط بواجبات إزاء الآخرين وحرياتهم. كما ان مسائل حقوق الإنسان في اية دولة ليست من الإختصاصات المطلقة للحكومات، ولذلك لابد عند اعداد الإعلانات والمواثيق المرتبطة بحقوق الإنسان أن تتم بصفة تعاونية مشتركة مع المجتمع المدني.

لا يخفى ان الكرامة قيمة إنسانية وأخلاقية عالية والمساواة هي حجر الأساس في حقوق الانسان، وكلاهما أساس لتقدم المجتمعات. هذا ما تمت الإشارة إليه في ديباجة الإعلان التي تضمنت 47 مادة. كرامة الإنسان والمساواة في الحقوق والحريات وما تحويه من قيمة كبيرة كأساس لسيادة الأمن والسلام والإستقرار كفلتها الشريعة الإسلامية الغراء وأكدت عليها الثوابت الأساسية لسياسات دول المجلس. مؤكدة فيه على «حق كل إنسان في الحياة، ووجوب حمايته من كل اعتداء عليه، وأن الناس متساوون في الكرامة الإنسانية، وفي الحقوق والحريات»، وتضمنت مقدمة الإعلان أن «الدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، انطلاقًا من إيمانها العميق بكرامة الإنسان واحترامها لحقوقه والتزامها بحمايتها التي كفلتها الشريعة الإسلامية والتي تعتبر تجسيدًا للقيم والمبادئ النبيلة الراسخة في ضمير مجتمعاتها، ومن الثوابت الأساسية لسياساتها على كافة الأصعدة والمستويات».

ما ندركه جيدا أن الحقوق الإنسانية هي معايير أساسية لا يمكن للناس أن يعيشوا بكرامة من دونها، وإن حقوق الإنسان هي أساس الحرية والعدالة والسلام، ولا يتم احترام حقوق الانسان إلا بتنميته كفرد ومجتمع تنمية كاملة ومستدامة.

ومع ما ورد في الإعلان الأخير، فجل القوانين المعمول بها حاليا تتنافى مع هذا الإعلان، مثل حق الجنسية والتنقل وحرية الاديان وممارسة الشعائر الدينية وغيرها. فهل يعني ذلك إعادة نظر للتعديل والتصحيح أم مجرد فرقعات وإثارات إعلامية؟

ولذلك يحق لنا أن نتسائل، أين هذه الكرامة وكيف يمكن أن تتحقق إن لم تدرك هذه الدول حقيقة واقعها السياسي في التعامل مع شعوبها؟ وكيف ستحميهم من ممارساتها التعسفية التي لاتزال مستمرة حتى يومنا هذا؟ وأبرزها يتمثل أمام الجميع ولا يخفى على العامة، فمثلا دور سلطات التحقيق والإدعاء العام في السجون والمعتقلات والتي هي مسؤولة عن ممارسة إختصاصاتها وفق نظم التحقيق والإستجواب والحبس المقررة في القوانين واللوائح الوطنية، ولكن في المقابل لا يجوز لها تعريض المتهمين أو المحكوم عليهم للتعذيب أو المعاملة القاسية أو المهينة والحاطة بالكرامة، كما هو واقع في أكثر من منطقة خليجية.

ان للحكومات أن تضع ما تشاء من قوانين لحفظ أمنها وسلمها ووحدة شعوبها وحماية إستقرارها من التطرف والتنظيمات التكفيرية ومن الإرهاب هذه الآفة المضرة والخطيرة لكن ليس من حقها السكوت عن خطاب العنف والكراهية وتمزيق مكونات شعبها، أو اللجوء لممارسات شبيه بالعقاب الجماعي في تجميد الحياة السياسية بخنق الحريات وقمع المدافعين عن حقوق الإنسان وتضييق الخناق على التيارات والجماعات الإصلاحية تحت ذريعة الإرهاب.

كما ان للأنظمة السياسية تشريع الإنتخابات وفقا لنظام الإنتخاب بالقائمة أو الإنتخاب الفردي، ولكن ليس من حقها التلاعب بأصوات الناخبين أو إساءة إستخدام السلطة وغيرها لفرض أشخاص ضد إرادة المواطنين. ومن واجب السلطات المحافظة على الأمن والقبض على المتهمين ولكن ليس من حقها تناول الحق الشخصي بانتهاك حق الإنتقال وتفتيش الأشخاص والمركبات والأمتعة الخاصة بدون إذن من القضاء، أو حجز حرية المواطن دون معرفة أسباب الإعتقال.

واذا كان القانون ينص على عقوبة الإعدام فلا بأس من توقيع العقوبة بحكم قضائي تتوافر فيه الإشتراطات التي نصت عليها المواثيق الدولية لحقوق الانسان، ولكن ليس من سلطة الحكومات أن تسلب حياة الأفراد عبر القنص بفرق الإعدام وإطلاق النار أو قتل المتهمين دون محاكمة قضائية عادلة او عقب محاكمات صورية أو باستخدام الرصاص الحي خلال تجمعات أومظاهرات عامة.

قد لا تستطيع الحكومات تنفيذ مستويات الحقوق الانسانية الاقتصادية والثقافية والإجتماعية لأسباب قد تختص بمصالحها أو حسب إمكانياتها المتاحة، لكن في ذات الوقت لا يجوز لهذه الحكومة أن تقدم خدماتها على أساس التمييز العنصري أو الديني أوالمناطقي بين المواطنين. وقس على ذلك قضية سحب الجنسية والتجنيس السياسي المضاد لمصالح الشعوب و،،،، الخ. فهذه الأمثلة وغيرها في كثير من ممارساتها لا تعتبر من الإختصاصات المطلقة للدولة.

اعتقد انه لن تسود هذه المفاهيم في مجتمعاتنا الخليجية إلا بتوفير الوسائل والمناخات اللازمة لممارسة هذه الحقوق فعلياً. عبر ترسيخ الكرامة والقيمة الإنسانية في وعي أفراد المجتمع برسم استراتجية منهجية شاملة ترقى بكرامة الأفراد والجماعات وتفرض من خلالها إحترام السلطات التنفيذية للمواطنين، واحترام الناس بعضهم بعضا دون تمييزأو عنصرية فالعنصرية سببا في حدوث إنتهاكات فادحة لحقوق الانسان.

هنا لابد من القول ايضا، ان إحترام هذا الإعلان يبقى مرهونا بجدية قادة مجلس التعاون وبمدى تفعليه وتحويله الى لائحة نظام قانونية تنفيذية تطبق على الأرض مع ضمان حمايتها. وإلا سيبقى مجرد إعلان يحمل نصوصا براقة تلمع صورة الأنظمة الحكومية مع غض النظر عن ما يخفى من إنتهاكات وخروقات في المجتمع الخليجي، فعندما وضعت إعلانات ومواثيق حقوق الإنسان في العالم وتم الاعتراف بها وضعت لها آليات لحمايتها، والحقوق لا يكون لها وجودا إلا إذا كان القانون يعترف بها ويحميها محليا ووطنيا ودوليا. فلا يكفي مجرد الإعتراف بالحريات العامة في صلب وثيقة دستورية أو مدونة مكتوبة توضع على الأرفف، أو يتم التباهي بها اذا لم تكن ممارستها من الناحية الواقعية ممكنة.

إن ظهور إعلان حقوق الإنسان لدول مجلس التعاون الخليج، يبقى خطوة رمزية مهمة، حتى مع كونه لا يرقى لمستوى القانون الالزامي. فالإعلان رغم ما يشوبه من ملاحظات وتناقضات الا انه في المجمل يتفوق على كثير من القوانين المحلية المعمول بها حاليا. الإعلان وحده لا يحل مشاكل المنطقة الخليجية ولكنه قد يعطي جرعة أمل حتى لوكانت ضعيفة في حلحلة بعض الأوضاع المتأزمة، ويبقى المعوّل على آلية وزمن التفعيل. هذا ما سوف تجيب عنه الإرادة السياسية الجادة من خلال مبادرات حقيقية تتلمسها الشعوب الخليجية لتعزيز الثقة بينها وبين مواطنيها، ولإنتشالهم من مستنقع الإحباط نتيجة لإخفاق نتائج وقرارات إجتماعات القمم السابقة،

وحتى يتم ذلك لابد من مصالحة حقيقية بالاتفاق على الثوابت الوطنية، بينها وبين الشعوب.

أضف تعليقاً