أ . عالية فريد >> حديث الشهر


صرخات اللاجئين في العالم هل نسمعها؟

13 سبتمبر 2015 - أ . عالية فريد

في خضم الحروب والصراعات والنزاعات التي تشهدها وتعاصرها الشعوب العربية والإسلامية تتفاقم أعداد اللاجئيين في العالم اليوم، وتتضاعف معاناتهم في ظل ظروف حياتية قاسية لا تقل ضراوة من مشاهد القتل والدمار، حيث اختار الآلاف منهم الهروب والفرار للنجاة بأرواحهم بعد إن فقد غالبيتهم أسرهم وعوائلهم وممتلكاتهم بحثا عن الأمن والأمان. فهل تشكل قضية اللاجئين والنازحين وتفاقمها على نحو مأساوي هاجسا مقلقا وصرخة تصم أسماع الشعوب والساسة في المنطقة؟

ثمة سيل من الصور لرجال ونساء وأطفال اعتراهم الحزن والبؤس والشقاء لما آلت اليه حياتهم، يفترشون الصحارى ويجوبون القفار يهيمون في كل وادي، بعد إن صهرت حرارة الشمس جلودهم وأجسادهم، وأنهكت قواهم بعد ان سقط منهم من سقط ورحل منهم من رحل، ومات الكثير منهم إعياءا ورعبا وغرقا وضياع غير مبالين بوعورة الطريق الذي يسلكون، عل آخرها صورة الطفل ”إيلان“ الذي وأدت براءته وجرفته مياه البحر الأبيض المتوسط على شواطئ تركيا، مع 11 جثة للاجئين آخرين، غرقوا جميعهم أثناء محاولتهم التوجه من شبه جزيرة بودروم التركية فرارا من الموت إلى إحدى جزر اليونان، والتي مثلت صورته وهو مسجى على الأرض صرخة مدوية تعبر عن كارثة انسانية حقيقية لضحايا الصراعات والحروب بحق الطفولة وبحق الإنسان فأي ذنب وأي جرم أقترفه هذا الطفل الصغير ليموت بتلك الصورة البشعة فينهى مشوار حياته قبل أن يولد، ومن هو المسئول عن وفاة الكثيرين غرقا في البحر هاربين من الموت وفارين هلعا ورعبا من جرائم العنف والاضطهاد ومن المسئول عن تشريد اللآمنين عن أوطانهم؟ هل هي قنابل الحقد والانتقام ام هي عناقيد الغضب تنفجر سطوا وبطشا واستبدادا للاستيلاء على مقدرات الأمم والقضاء على حضاراتها وطمس هوياتها!

يا ترى من يقف خلف الستار؟ من هي الأيدي الخبيثة التي تتلاعب بمصير أمتنا وشعوبنا وأمننا؟ طيلة ما يقارب الخمس سنوات ومجتمعاتنا تشهد الويلات تلو الويلات دون تحريك ساكن بل للأسف نقف وقفة العاجزين الصامتين متباكين نادبين، فكم من آلاف الأطفال ماتوا بالبراميل المتفجرة وكم من الآباء والأمهات احترقت قلوبهم كمدا على أطفالهم قتلا بالرصاص وحرقا بالأسلحة وقضوا بالموت جوعا وغرقا وسجنا واختطافا، ومنهم من هدمت بيوتهم فوق رؤوسهم ودهسوا تحت عجلات الدبابات دون تحريك ساكن.

لقد باتت قضية اللاجئين والنازحين اليوم تتنامي وتتفاقم لتشكل هاجسا حيا ومقلقا لشعوب المنطقة، نتيجة إغفال قضيتهم وإهمالهم لملاقاة حتفهم ومصيرهم المجهول، وجعلهم يواجهون أقسى الظروف الحياتية الصعبة التي لا ترحمهم من قيض الصيف او قرص الشتاء لمجرد أنهم يبحثون عن حقهم في الحياة وفي الكرامة الإنسانية، إنها معابة لنا جميعا ووصمة عار على جباهنا كإخوة ومسلمين وعرب تجمعنا قومية وطنية واحدة ومبادئ وأهداف انسانية مشتركة، كل ذلك ينم عن تدني مستوى أخلاقنا وقيمنا الإنسانية والحضارية وعن عجزنا ونحن ”أمة اقرأ“ عن إيواء الضعيف ونصرة المظلوم كيف لا ونحن ذوي القربى.

لقد آن الأوان لساسة الدول وعقلائها وما تبقى فيهم من عدل وإنسانية ان تستعيد قواها ساعية بالمواقف الجادة والحاسمة لإصلاح اولا بيتها الداخلي ولمراجعة حساباتها وتصحيح مواقفها ولملمة شتاتها المتمزق نحو السلم وإقرار مبادئ العدل والمساواة وتنقية الأجواء الاجتماعية من الخلافات والنزاعات الفكرية والسياسية والقبلية والمذهبية لا بالتصلب والتعنت السياسي بل بالرفق والمرونة وتقديم التنازلات، وأن تسعى تجاه حلحلة المواقف وإصلاح الأزمات التي ادت الى تدهور الأوضاع الإنسانية وتقريب وجهات النظر للارتقاء بأدائها في التعامل الإنساني للحد من النزوح الجماعي للاجئين وتحسين أوضاعهم المعيشية وبناء علاقات إيجابية بين الدول.

ان جثة ”إيلان“ وصرخة اللاجئين هي رسالة انذار للعالم ولما آلت اليه مجتمعاتنا نتيجة لكل هذه الصراعات والخلافات ونتيجة للهزيمة والإذلال الذي تعيشه الأمة والتي تنذر بكارثة حقيقية فيما لو استمرت هذه الحروب.

مع ”إيلان“ أهتز ضمير العالم فهل ستهتز ضمائر الزعماء والرؤساء والحكام في أروقة السياسة؟ هل ستتوقف سيول الدماء؟ وهل سيتوقف الظلم والقتل وتشريد الأبرياء؟

ام ستبقى الجراح تنزف؟! ويبقى عزاءنا في ”ايلان“ والضحايا بحسبنا الله عند الصراط واجتماع الخصوم في يوم لا ظل إلا ظله. فحسبنا الله ونعم الوكيل.

أضف تعليقاً