أ . عالية فريد >> مشاركات


الشبكات الاجتماعية: حياتنا التي كنا نبحث عنها

27 مارس 2016 - جريدة الرياض

فاضل العماني

لا شك أن مواقع التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية، تُمثل أعظم ظاهرة تكنولوجية في القرن الحديث، ولعل التزايد اللحظي لعدد مستخدميها الذي يصل لأرقام فلكية يضع أكثر من علامة استفهام حول ظاهرة الهوس الشديد بهذه الوسائل والوسائط المثيرة.

1365572987إن أهمية وخطورة وتأثير هذه الشبكات التفاعلية على مجمل الحياة العصرية بكل ما تحمله من تفاصيل إنسانية ومادية، لا يمكن اختزاله ببعض السلبيات والمخاطر والتأثيرات التي تنتج من سوء استخدام أو من قصور في فهم طبيعة ووظيفة تلك الأدوات التكنولوجية الرائعة، بل على العكس تماماً فهذه المواقع الاجتماعية التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، بحاجة ماسة لأن تُمارس الكثير من الأدوار والعلاقات وتُقدم الكثير من الخدمات والمبادرات التي تُسهم في إحداث نهضة حقيقية للمجتمع بمختلف أفراده وفئاته وشرائحه.

منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، بدأت مجموعة من الشبكات الاجتماعية في الظهور، وكان موقع Classmates. com الذي وضعه المصمم راندي كونرادز مع زملائه في العام 1995 هو الركيزة الأولى لمواقع التواصل الاجتماعي، ثم تبعه موقع SixDegrees. com الذي أنشئ في العام 1997، ليبدأ عصر جديد أطلق عليه ”ثورة الشبكات الاجتماعية“ يتضمن مواقع التواصل الاجتماعي المعروفة والمدونات العامة والشخصية والويكي الذي يسمح للمشتركين بإضافة وتعديل المحتويات.

إن مواقع التواصل الاجتماعي كتويتر والفيس بوك وسناب شات وانستغرام وغيرها، رغم ما بها من بعض المخاطر والتأثيرات وتلك طبيعة الأشياء، تتمتع بملامح إيجابية مذهلة لا يمكن حصرها، ولكنني سأورد بعضها في عجالة.

لقد استطاعت هذه الشبكات الاجتماعية الرائعة أن تجعل هذا العالم أكثر انفتاحاً، لأنها لا تعترف بالحدود والحواجز والمسافات، فقد حولت العالم إلى شاشة كونية صغيرة جداً لا تزيد مساحتها عن عدة بوصات، مفتوحة على كل الفضاءات ومتصلة مع كل السماوات.

كما ساعدت هذه المواقع على تنوع مصادر الأخبار، فبعد أن كانت وسائل الإعلام التقليدية كالصحف والتلفزيونات والإذاعات ووكالات الأنباء هي المصادر الوحيدة التي يُعتمد عليها في معرفة الأخبار والأحداث، ظهرت هذه المواقع لتكسر الاحتكار وتؤسس لإعلام جديد عابر لكل القارات والعادات والقناعات، إعلام لا يمكن وقفه أو حجبه أو احتواؤه.

أيضاً، أصبح الإعلام الجديد بأذرعه القوية كتويتر واليوتيوب والفيس بوك، يُمارس دوراً رقابياً مهماً عبر ما يبث وينشر ويعرض لكل مكامن القصور والخلل في الكثير من الوزارات والمؤسسات والهيئات، والأمثلة على تأثير هذا الدور الرقابي الذي فضح الكثير من الممارسات والتجاوزات كثيرة جداً.

كثيرة هي الإيجابيات لهذه المواقع الاجتماعية الرائعة، ولكن أعظمها على الإطلاق هو قدرتها المذهلة على إخراج ذواتنا الحقيقية من بين تلك الجدران السميكة التي بنيناها حول أنفسنا كل تلك السنين الطويلة، فقد أظهرت هذه الشبكات الإنسانية كل ملامح ومعالم الطفولة والبساطة والعفوية التي نتمتع بها، بل لقد حرضتنا على الانفلات الجميل من كل تلك التقاليد والعادات والضغوطات والالتزامات والخرافات التي سيّجت حياتنا بأسوار عالية من ثقافات العيب والشك والحرام. لقد أصبحنا نستمتع بمشاركة الأهل والأصدقاء بل حتى الغرباء في أطباقنا وأغانينا وملابسنا وأفلامنا ورحلاتنا وصورنا وكل تفاصيلنا الصغيرة والكبيرة، تماماً كما لو كنا قد عُدنا لزمننا الجميل الذي سُرق منا.

مواقع التواصل الاجتماعي، ليست مجرد وسائل ووسائط لتبادل الصور والمقاطع والأخبار، ولكنها أكثر من ذلك بكثير، فهي الحياة التي كنا نبحث عنها.

أضف تعليقاً