أ . عالية فريد >> مشاركات


جرائم «داعش».. وموسوعة العذاب التاريخية «1»

19 مارس 2016 - الاقتصادية

الدكتور محمد المسعود

المحامي والباحث التاريخي، العراقي الجنسية عبود بن مهدي بن محمد الشالجي، الذي توفاه الله في منفاه في لندن في يوم 15 ذو القعدة لعام 1416 هـ ، هذا المحقق لكبير.. ألّف ”موسوعة العذاب“ في سبعة مجلدات، وهي موسوعة فريدة وغريبة المضمون، وهي الأولى من نوعها في العالم العربي، إن لم تكن الوحيدة في العالم كله، حيث لاحق المؤلف فيها وبروية وصبر عظيم، كل أصناف التعذيب والعذاب وأنواعه، وكل طرق القتل وأساليبه المروعة، التي تجعل ”مافيا داعش الإرهابية“ بكل تنوع وحشيتها التي تقشعر لهولها الأبدان، ويرتاع منها الضمير، وتشمئز من خستها وقسوتها النفوس، حلقة من حلقات بعيدة متكررة الحدوث والوقوع بين البشرية في هذا الكون.. من التوحش، وغياب الضمير، وردة الإنسان إلى ”أسفل سافلين“. وهذا علم سبق للملائكة الإحاطة به، وأخبرنا الله عنه.. ”أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء“.. فلم يزل الإنسان يعيد إنتاج الفساد، ويترك من خلفه الإفساد ويهلك كل أخضر ويابس!

download (2)لو رجعنا إلى جريمة الحرق بالنار التي مارستها مافيا الفواحش الإرهابية على الطيار الكساسبة وآخرين بعده.. سبقتهم أمم شتى إليها بقرون كثيرة، فهذا الشاعر عبد بني الحسحاس، قال شعرا تغزل فيه بفتيات القبيلة، فحفروا له أخدودا وألقوه فيه، وألقوا عليه الحطب، فأحرقوه حيا.. ”الأغاني ج 22  ص 309“ «عن الموسوعة ج 6 ص 187».

وفي عام 119 في مسجد الكوفة قام خالد بن عبدالله القسري بحرق الوزير السختياني مع أصحابه، بعد أن ربطهم في القصب اليابس، وصب عليهم أطنانا من النفط، ثم رماهم بالنيران في ساحة المسجد، فتعالت صرخاتهم، وضجت أجسادهم من شدة الحرق. ”برواية الطبري ج 7  134“.

وفي عام 276 هـ .. أمر أحمد بن طولون صاحب مصر والشام.. بحبس الأديب والكاتب أحمد بن حنون الفايدي، وكان كاتبه الخاص.. على ذنب كان منه، فكتب من السجن رسالة استرحام، وطلب الصفح عنه، كان منها:.. “وانقياد مثلي  أعز الله الأمير  انقياد من دحضت حجته، وأوبقه جرمه، فالحظني بعين عفوك، واعطف علي بنشر نعمتك، فإنك للفضل والطول أهلا.

هبني أسأت فأين العفو والكرم إن قادني نحوك الإذعان والندم بالغت في السخط فاغفر غفر مقتدر،

إن الكبار إذا ما استرحموا رحموا ”، فلما قرأ رسالته، كانت ردة فعله، معاكسة تماما للمتوقع والمأمول.. قال: يكتب لي هبني أسأت..! وقد أساء، والله لو كتب“ إني أسأت ”لعفوت عنه، وأطلقت سبيله، ثم أمر به، فجعل في تابوت، وأحرقه بالنار وهو حي يستغيث حتى سكن..“ العيون والحدائق ج 4  ص 120″. وهكذا تتوالي الأخبار.. وتتتابع عن حرق المعتضد لمحمد بن الحسن بن سهل، وحرق الوزير ابن الفرات لكثير من خصومه.. برواية ابن الأثير الجزء 8  ص 146. ولا يفوتنا هنا ما جرى من مجازر وحشية في أوروبا وما فعله الأمريكيون بالهنود الحمر.

وليس بوسع قلمي إعادة كل الوقائع التي نقلها مؤلف الموسوعة الشالجي في باب القتل بالحرق بالنار.. لأنها كثيرة وطويلة جدا، وهناك ضروب من الوحشية، لا تدري أيها أعظم شناعة من الآخر.. كتلك الأساليب التي استعملها الوزير ابن الزيات على خصومه.

ولكن جرائم ”داعش“ اليوم، وأساليبها المروعة في حق ضحاياها.. تجعلنا نلتقي بهذه الموسوعة، لنتوقف عند أسباب القدرة على ”إنتاج التوحش“. ولماذا لم تتخلص البشرية من مخزون الكراهية الذي يجعلنا قادرين على إنتاج مرضى بالسادية  متعة تعذيب الضحايا  بأكثر من الموت، فالقتل وحده لا يكفي.. ولا يشفي الغليل.. فيأتي كل هذا العذاب كمتعة للقتل.. وزيادة عذابات ضحاياه..

وللحديث تتمة.. في المقال القادم.

أضف تعليقاً