أ . عالية فريد >> أخبار و مقالات


التسول بين الخصوصية والعجز

18 يونيو 2016 - الاقتصادية

الدكتور محمد المسعود

كتب الله لي لأسباب لا تتصل ببعضها أن أسافر لدول الخليج العربي.. جميعها، وبعد عودتي رجع لي المشهد الذي يمثل عجزنا أو – خصوصية شوارعنا – المتسولون والمتسولات عند كل شارع، والوقوف على نوافذ السيارات عند كل إشارة ضوئية، بالصورة نفسها والتفاصيل المكررة في نيودلهي وبومباي..! ولكن من المستحيل أن تجده في دبي أو الدوحة أو عمان، وأكثر استحالة أن يكون للعمالة الوافدة فرق توزيع منظمة للتسول، تحتل الأرصفة، وتستقر عند الشوارع الرئيسة، في المدن السعودية كافة.

ومن أغرب ما قد يصادفك.. في المقارنة بين دول الخليج وبيننا أن أجهزة مكافحة التسول، تحذر المواطنين والمقيمين من التصدق على عصابات التسول، لأن مافيا الإرهاب، واحد من مصادرها المالية هو التسول..! وهنا تشعر أن هذا التسول الظاهر لكل عين، والواضح كوضوح الشمس في رابعة النهار، وأمام كل بصير، هو مادة هلامية غير قابلة للقبض عليها..! أو هو يمثل قدرة نافذة، بسطوة غالبة، تجعل الجهات المعنية، تحذرنا منها، عوض التوجه مباشرة للقبض على الفاعلين لها، والمستترين خلفها..!

بحسب الإحصاءات الرسمية عدد المواطنين من هذه الجريمة لا يزيد على 5 في المائة، وأن 70 في المائة رجال مقيمون من جنسيات آسيوية وعربية يستترون بعباية نسائية، ويحصدون مبالغ تصل في أكثر المرات إلى أكثر من 30 ألف ريال شهريا.. ما يسهم في مضاعفتها، وتناميها، مع قيام رجال الأمن بأنفسهم أحيانا بالتصدق عليهم.. ومن سياراتهم الرسمية، ما يعطيك هذا الحس بالألفة بين الطرفين، ولا يفارق المتسولون مواقعهم عند عبور الدوريات الأمنية، لأن هناك جهة يفترض أن هذا اختصاصها، وربما العتب على العين والبصر للقائمين عليها، إذ ربما تم توظيف مخرجات معهد النور فيها أخيرا، أو هو احترام الخصوصية السعودية إذ يظهر أن التسول في شوارعنا هو مما نمتاز ونتميز به عن سائر دول الخليج.

إن في البحرين والإمارات وقطر وسلطنة عمان.. ملايين الأجانب.. لم يتجرأ واحد منهم على أن يتسول عند إشارة مرور في شارع رئيسي وعند انفلاج النهار..! فلماذا هم قادرون على فعل هذا كل يوم.. ومن عشرات السنين عندنا؟! ولماذا يتم تصويرهم كسمة بارزة لشوارعنا.. ومدننا، وكأنهم جزء من الخصوصية السعودية.. أو هم تعبير عن ”العجز“ لكثير من الدوائر الحكومية المعنية بشكل مباشر بمعالجة هذه الظاهرة.. وهي عليها قادرة في يوم واحد.. لو حضر القصد.. وتوافرت العزيمة..؟! إلا أنها الخصوصية أو العجز.. والله أعلم..!

أضف تعليقاً