أ . عالية فريد >> أخبار و مقالات


أخلاق التعامل في الأسرة والمجتمع

18 يونيو 2016 - محرر الموقع

الشيخ حسن الصفار

من عادات المؤمنين في هذا الشهر الكريم التوجّه إلى إحيائه بالعبادات، كالإقبال على تلاوة القرآن الكريم، وقراءة الأدعية، وأداء العمرة، والنوافل. وثواب هذه الأعمال العبادية أكبر في هذا الشهر من سائر الشهور.

image006
العلاقة مع الآخر في دائرة التوجيه النبوي

مما جاء في خطبة رسول الله ﷺ عند دخول شهر رمضان: «أيها الناس، من حسّن منكم في هذا الشهر خُلقه، كان له جوازاً على الصّراط يوم تزلُّ فيه الأقدام. ومن خفّف في هذا الشهر عمّا ملكت يمينه، خفّف الله عليه حسابه. ومن كفَّ فيه شرَّه، كفَّ الله عنه غضبه يوم يلقاه. ومن وصل فيه رَحِمَه، وصله الله برحمته يوم يلقاه. ومن قطع فيه رَحِمَه، قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه» [وسائل الشيعة. ج10، ص314، حديث 13494].

يلاحظ في هذا الجزء من خطبة الرسول ﷺ زيادة الاهتمام بتفعيل العلاقات بين الناس، التي ينبغي أن يكون لها نصيب من اهتماماتنا وتوجّهاتنا خلال هذا الشهر الكريم، من باب التقرّب إلى الله سبحانه وتعالى بحسن الأخلاق، وليس فقط بأداء العبادات.

إن أخلاق الإنسان هي سجاياه وطبائعه، التي يدير بها حياته، ويتعامل من خلالها مع الناس.

والكثير من الأفراد يقعون تحت وطأة الاستسلام للسلوكيات التي ألفوا السير عليها، ولا يقبلون المناقشة، معللين ذلك بأن هذه طريقتهم وطبيعتهم.

وعلى ضوء ذلك نسأل:

هل إن سلوكيات الإنسان وطرق تعامله مع الآخر ثابتة حتمية لا يمكن تغييرها؟

هل طريقته في التعامل مع الآخرين هي المثالية بحيث لا شيء أفضل منها؟

هل يطرح الفرد على صفحة نفسه ليسألها عن كيفية علاقته مع والديه، وزوجته، وأبنائه، وسائر أرحامه، فيسعى بعد ذلك لتصحيحها أو تطوير القاصر منها؟

لا شك أن الإنسان لديه القدرة على تغيير سلوكياته وأنماط معاشرته للناس، وإلا لو لم يكن قادرًا على ذلك لما صحّ معاقبته ومحاسبته، وأصبح لا جدوى من وضع المناهج لتعديل السلوك الإنساني.

وتحسين الخلق، ليس فقط بالانتقال من السلوك السيئ إلى الحسن، بل هو أيضًا رفع لدرجة الأخلاق إلى أفضل مستوى.

تحسين الأخلاق في شهر رمضان

ورد عن النبي محمد ﷺ أنه قال: «من تطوّع فيه بخصلة من خصال الخير والبر كأجر من أدّى فريضة من فرائض الله عزّ وجلّ، ومن أدّى فيه فريضة من فرائض الله، كان كمن أدّى سبعين فريضة من فرائض الله فيما سواه من الشهور» [الكافي. ج4، ص66].

ليس التطوّع بأداء الصلاة ودفع الصدقة فقط، بل منه أن يتبع الإنسان سلوكًا حسنًا جديدًا في سيرته وتعامله، وبالتالي يكون كمن أدّى سبعين فريضة من فرائض الله. فإذا طوّر الإنسان في أسلوب علاقاته مع الآخرين، في رحاب هذا الشهر الكريم، وواظب عليها فيما بعد، فإنه سيخرج من هذه المدرسة الروحية التربوية بثمرة وحال جديدة، لم يكن قد تعوّد عليها، وقد يجد في بداية الأمر صعوبة في الألفة معها، لكن تصبح فيما بعد مألوفةً وعاديةً.

مبادرات يسيرة ذات قيمة عالية

هل تعوّدت حينما تدخل بيتك أن تلقي السلام على عائلتك؟

إن لم تكن متعوّدًا، فعوّد نفسك بالسلام على أهلك، حينما تدخل بيتك. فليس إلقاء السلام على الأجانب فقط.

هل عوّدت نفسك شكر عائلتك وأبنائك على ما يقدّمونه من خدمات منزلية؟

لماذا لا توجّه شكرك لزوجتك إذا قدمت لك طعامًا أو أيّ خدمة أخرى؟ فله الأثر الطيب على قلبها ونفسها.

وكذلك الزوجة في المنزل، إذا جلب زوجها حاجيات العائلة ومستلزماتها، مع أن هذا من واجباته، لكن أن تشكره وتدعو له بطول العمر والسعة في الرزق، فإن هذا الأسلوب له تأثير كبير على الطرفين، وعلى الأبناء، الذين سيجنون ثمرة هذه العلاقات الطيبة بين الوالدين، التي من أهمّها الاعتياد على شكر من أحسن إليهم. وكذلك الإحسان إلى والديهم. هذه العادات والتجارب اليسيرة على الإنسان أن يواظب عليها؛ لأنها من الخير، وكما قال أمير المؤمنين : «الخير عادة» [غرر الحكم ودرر الكلم].

تصحيح لمفهوم خطأ

ليس صحيحًا أن يبرّر الإنسان لنفسه قوله: إن هذا من طبيعتي، فماذا أصنع؟

الإمام علي يقول: «لا تسرعنّ إلى الغضب فيتسلّط عليك بالعادة» [غرر الحكم ودرر الكلم]، فإذا عوّدت نفسك تصبح أسيرًا لتلك العادة.

وورد عنه : «تخيّر لنفسك من كلّ خلقٍ أحسنه، فإن الخير عادة، وتجنب من كلّ خلق أسوأه وجاهد نفسك على تجنبه» [غرر الحكم ودرر الكلم]، وعنه : «عوّدوا أنفسكم الحلم» [تحف العقول. ص224].

وورد عن الإمام الصادق قوله: «إذا لم تكن حليمًا فتحلّم» [الكافي. ج2، ص112]. حاول أن تعود نفسك على الحلم بالسيطرة على أعصابك، ولا تنفعل حينما يكون هناك ما يسيء إليك ويزعجك.

فعن أمير المؤمنين علي أنه قال: «عود لسانك لين الكلام وبذل السلام» [غرر الحكم ودرر الكلم].

بين المجتمع الشرقي والغربي

ذات مرة أعدّت إحدى الفضائيات برنامجًا تلفزيونيًّا يطلق عليه «الكاميرا الخفية» حيث يواجهون فيه الإنسان بتصرّف استفزازي، ليروا ردة الفعل الصادرة عنه. فقاموا بإجراء تجربة رشّ الماء، وبشكل فجائي، على مجموعة من الأشخاص، الذين ينتمون لأحد المجتمعات الغربية، وإلى مجموعة أخرى تنتمي لأحد المجتمعات الشرقية، وقاموا بمقارنة ردود الفعل بين المجموعتين، فبدا الفارق واضحًا. ففي المجتمعات الغربية كانوا يبتسمون ويضحكون، ويردّدون عبارات فيها نوع من المزاح والابتهاج؛ لأنه بالتأكيد حينما يواجه الإنسان هذا التصرف فإنه ينزعج في بداية الأمر، ثم ما يلبث أن يفكر لماذا هذا التصرف؟ فهناك من يدرك أن هذا التصرف لا بُدّ وأن يكون له باعث معيّن، فلماذا الانفعال والانزعاج؟

أما في المجتمع الشرقي، فكانت ردّة الفعل أن انطلق اللسان كالبارود، إذ ينفجر بالسّباب والشّتائم.. المسألة إذًا ترتبط بالحالة النفسية والتعوّد.

حسن الاستماع

ومن العادات التي اهتمّ الإسلام بها حسن الاستماع، فعن الإمام علي أنه قال: «عوّد أذنك حسن الاستماع»، فالمشكلة التي تتكرر في الكثير من المجالس، هي قطع السامع كلام المتكلم، وإدخال حديث آخر على كلامه، وهي عادة غير جيدة، ولا تلتقي مع ما تنشده تعاليم ديننا الحنيف.

أفضل زمن لتنمية العادات الطيبة

من أهم معالم حسن الخلق في هذا الشهر الكريم صلة الرحم «من وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه ومن قطع رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه».

وأول درجة من درجات صلة الرحم: منع الإساءة للزوجة، والوالدين، والأولاد، وإساءة الزوجة لزوجها.

والدرجة الثانية: الإحسان، فحسن التعامل، والعطاء لهم، والتواصل معهم، نَدَبَ إليه الدين الإسلامي، فرسول الله ﷺ يقول: «ومن خفّف في هذا الشهر عمّا ملكت يمينه، خفّف الله عليه حسابه»، فمن كانت لك السيطرة عليهم، كالعمّال، والخدم الذين يكونون تحت إشراف الإنسان، حيث يخفّف الضغط عليهم في أسلوب التعامل معهم، وتشير بعض التقارير إلى أن الخدم وخاصّة في المنازل يتضاعف عليهم العناء في هذا الشهر، حيث زيادة الطبخ، وإعداد الطعام، والنشاط البيتي الذي يكثر ويزداد.

أضف تعليقاً