أ . عالية فريد >> حوارات معها


الحقوق لا تعطى ولا تمنح على طبق من ذهب

30 نوفمبر 2008 - شبكة راصد الإخبارية

سيدة من بلادي، تخرج من قلب المجتمع السعودي لتمارس على أرض الواقع نشاطها الإنساني المرفوع على أسس علمية وأدبية، وعلى درجة عالية من الوعي وملامسة خصوصية المرأة في المجتمعات العربية بشكل عام، وفي المجتمع السعودي بشكل خاص.وقد اختارت الطريق الصعب لمواجهة ظواهر تقيّد حركة المرأة وطموحها وقدرتها على الانطلاق في عوالم الأعمال كشريكة حقيقية في بناء المجتمع.

سيدة سعودية أديبة، وسيدة أعمال، عضوه في مركز سيدات الأعمال في الغرفة التجارية السعودية، ناشطة اجتماعية وحقوقية، تحضر الماجستير في العلوم السياسية والقانون، ونصيرة للمرأة في المطالبة بحقوقها كاملة غير منقوصة.

إنها السيدة عالية آل فريد التي نتشرّف بإجراء هذا الحوار معها لنتعرّف على آرائها والمعايير والمحاور التي تعمل عليها وتنشط بها في مجالات متعددة، ولعل موضوع المرأة هو الأكثر حضوراً وأهمية وحماسة هذه الأيام، نتمنى أن تحقق طموحها المشروع في هذا الشأن الحيوي والإنساني.

أولا: السيدة عالية نسمع كثيرا من يتحدث عن حقوق المرأة والمساعي التي تبذل على جبهات متعددة لتكرس مفهوم حقوق المرأة، فهل لك أن تشرحي لنا باختصار ما هي تلك الحقوق التي تسعى المرأة للحصول عليها والمحرومة منها؟

المرأة كالرجل إنسان مكرم وكيان محترم، وهي بكل فخر الأم ربة الأسرة وهي الشريكة في صناعة الحياة وأعمار الأرض وفي بناء المجتمع وصنع الحضارة ونهضة الأمة، لها من الحقوق ما للرجل وعليها ما عليه في جميع الحقوق الإنسانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية.ولا يجوز بأي حال من الأحوال الانتقاص من حقوقها على أساس الجنس بالتفرقة أو حرمانها من التمتع بحقوقها الإنسانية وممارسة حقوقها الأساسية المتعددة.

والمرأة السعودية اليوم امرأة واعية ومدركة إلى وظائفها وأدوارها الإنسانية والوطنية بعد إن حصلت على أعلى الشهادات العلمية العالية، وعاصرت المتغيرات الثقافية والعالمية وعايشت الانفتاح الاجتماعي والسياسي الذي ساهم كثيرا في تغيير نظرة المرأة تجاه نفسها وتجاه دورها ومكانتها الاجتماعية، فأصبحت أكثر طموحا وتطلعا نحو المستقبل مما أدى إلى تعزيز مكانتها ورفضها الانزواء والانطواء والبعد عن ممارسة أدوارها الطبيعية، وأصبح شوقها التاريخي والثقافي أن تمارس حقوقها دونما تقييد أو تمييز…

والمراقب لوضع المرأة في مجتمعنا اليوم يرى بأن هناك نقصا واضحا في ما يرتبط بشؤون المرأة وحقوقها على مستويات عدة قد لا يرتبط ذلك بأصل التشريعات والنصوص الدينية ذلك لأن الإسلام جاء وأرسى قواعد العدل والحرية والمساواة فكرم المرأة وأحترمها وقدرها خير تقدير، بل تخضع المرأة في تهميش دورها وحرمانها من ممارسة حقوقها نتيجة لحزمة من المفاهيم الخاطئة التي تراكمت وتشكلت مع الزمن لتمثل عقبات وتحديات تقف أمام مسيرة المرأة السعودية وتحول دون تقدمها..

فعلى مستوى التعليم، لازالت تحرم الفتاة من إكمال دراستها في المراحل المتوسطة والثانوية، وتلزم بدراسة تخصص مالا ترغب فيه ولا يتوافق مع قدراتها ورغباتها وطموحها. وهذا بطبيعة الحال يعود إلى غياب الرؤية المتكاملة بين التعليم بكل مراحله ومشروعات التنمية.

وعلى صعيد العمل، فالجميع يدرك بأن المرأة طاقة فاعلة ومنتجة ولها دور كبير في دفع عجلة الاقتصاد في الأسرة والمجتمع، لكن لا زال الأب أو الزوج أو الأخ أو النظام الاجتماعي العام يحرم المرأة من العمل وهو يعلم أنها تحمل تخصص جامعي أو مهني يحتاجه وطنها، ومع تزايد عدد الخريجات العاطلات عن العمل فالفرص أمامهن في القطاع العام والخاص مغلقة وغير متاحة.

وفي الحقوق المالية لازالت تهدد المرأة بالحرمان من الإرث، إضافة إلى إلغاء ذمتها المالية بالاستيلاء على راتبها إن كانت زوجة أو فتاة، كما يتم تعنيفها وإجبارها على ترك العمل في حين عجز الأب أو الزوج عن استلام راتبها. ونحن هنا لا نعمم حيث هناك الكثير من الصور الايجابية في التعامل مع المرأة سواء كانت طالبة أو عاملة.

وعلى صعيد ممارسة الدور الاجتماعي، لازال دور المرأة قاصرا في العمل العام، حتى أنها تحرم من ممارسة هواياتها الخاصة بها التي تنمي مهاراتها وتصقل شخصيتها، وتمنع من الانخراط في الجمعيات والمؤسسات.

وفي المشاركة في الحياة العامة تصد الأبواب في وجهها فيما إذا رغبت بترشيح نفسها لعضوية المجالس البلدية وتمنع من صناديق الاقتراع.

وفي الحقوق الخاصة تحرم المرأة من إبداء رأيها، ولا تشرك حتى في القرارات المصيرية الخاصة بها مثل الزواج والطلاق، وتجبر على الزواج المبكر،وحتى فرض الرأي في اختيار الزوج المناسب لها، وللأسف تمنع من إبداء رأيها أمام الآخرين.

إذا دققنا النظر وتمعنا جيدا في كل هذه الأمور ندرك جيدا مدى الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة.

هل نستطيع بعد ذلك أن نركز على الجهة التي تحمل مسؤولية حرمان المرأة من حقوقها المشروعة؟

واقعا المسؤولية مشتركة بين الأسرة والمجتمع والدولة والمرأة بذاتها، وأقصد بالأسرة ولي الأمر – الرجل – صاحب الوصاية والولاية في أي موقع كان ففي التشريعات الإسلامية وحتى الأنظمة والمواثيق الدولية تحدد ولاية الرجل على المرأة فإذا كانت المرأة بالغة راشدة فهي كالبالغ الرشيد هي كفيلة بنفسها ولها شخصية مستقلة لها حرية الاختيار في تصرفاتها وقراراتها، فهي شخصية قانونية كاملة تملك نفسها وتملك التصرف في حياتها ولا ولاية لأحد عليها، أما في بعض مجتمعاتنا وللأسف حكم على المرأة أن تكون تحت عباءة الرجل طوال حياتها، فالفهم الخاطئ للدين وتجبيره لصالح – الذكورية – بمسمى «القيمومة» تدفع الرجل لممارسة الظلم والعنف ضد ها، فلا يمكن لها العمل أو السفر أو الدراسة أو الزواج أو حتى اتخاذ أدنى القرارات بخصوص أطفالها دون وصاية.

وهناك النظرة الاجتماعية القاصرة تجاه المرأة وتهميش دورها لجعلها حبيسة المطبخ والمنزل، وتجريدها من أبسط حقوقها. إضافة إلى سيطرة الأعراف والعادات والتقاليد.

وللأسف نظرة المرأة تجاه نفسها فقد قبلت الوضع في أسلوب الحياة التبعية الذي عاشته برغم ما يفرض عليها من قيود وما يحاصرها من تقاليد، فهناك البعض يرفضن أن تكون لهن شخصية مستقلة أو يمارسن أدوارا اجتماعية أو ثقافية دون وصايا من الرجل عليهن، ويرفضن حتى اتخاذ القرار في محيط البيت والأسرة حتى في تقرير مصيرهن في الزواج والطلاق وإنجاب الأطفال، ويرفضن القرار في اختيار نوع العمل أو الوظيفة التي تتفق مع ميولهن ويتنازلن عن الكثير من الاختيارات مقابل ما يملى عليهن من قبل المجتمع أو من قبل الرجل سواء كان أبا أو زوجا أو أخ، فأصبحن يرفضن أي متغير يهتم بوضعهن الاجتماعي وحقوقهن الشرعية وأهليتهن النظامية.

والدولة مسؤولية أيضا، فإضافة إلى ما تم إنجازه على مستوى التعليم والتحصيل العلمي المتقدم للمرأة، هي مسؤولية عن نهضة المرأة ورفع مستواها الوطني بتصحيح وتعديل وضعها القانوني.

إن من يراجع القوانين يجد أن هناك تمييزا واضحا فيما يتعلق بالمرأة السعودية وحقوقها، فعندما ننظر مثلا في واقع الحياة اليومية..فإننا نجد ما يلي:

1- المرأة في قانون العقوبات وفيما يرتبط بحق التقاضي لا يحق لها الترافع في المحكمة للدفاع عن نفسها رغم أن هذا الحق مكفول لها في التشريع، إلا أنه من الناحية العملية تصطدم المرأة بمعوقات اجتماعية وإدارية في المحاكم، وتواجه بإجراءات ومتطلبات غير التي يواجهها الرجل، إضافة إلى ذلك فإنه وإلى اليوم لا يوجد قانون خاص ب الأحوال الشخصية للمرأة، فإذا أنجبت طفلا لا يحق لها تسجيله وعمل إجراءات الولادة اللازمة؟ وفي حال وفاة زوجها لا تمتلك الحق في التبليغ عنه؟ ولا يمكن لها أن تمنح جنسيتها لأولادها إذا كانت متزوجة من أجنبي.

2- وفي قانون الأحوال المدنية لا تمارس المرأة دورها كمواطنة، فلا يجوز لها مراجعة الدوائر الحكومية أو على الأصح مراجعة الأحوال المدنية لاستخراج بطاقة الهوية الشخصية بمفردها، ولا يحق لها استخراج جواز سفر بنفسها.

3- وفي قانون العمل والتنمية، المرأة الموظفة العاملة ليس لها راتب كما الرجل ولا تمتلك المرأة الموظفة المتقاعدة الحق في راتب التقاعد مثلها مثل زوجها. ومشاركتها التنموية ضعيفة جدا لا تقارن بحجم الطفرة أو النهضة الاقتصادية التي تعيشها المملكة.

4- المرأة والمشاركة في صنع القرار، فحجم المشاركة لا يكاد يذكر فهناك تغييب واضح وإقصاء بشكل ملحوظ تعاني منه المرأة على مستوى وجودها في المراكز القيادية وفي المشاركة في الوظائف العليا للدولة، وفي الهيئات الحكومية، ففي مجلس الشورى وهو مجلس تم تشكيله بالتعيين والانتخاب ويتكون من 120عضو فكم امرأة بين هؤلاء الأعضاء؟ وفي المشاركة الحكومية في الوزارات مثلا لا توجد وزيرة واحدة بحقيبة في الحكومة بينما عدد الوزراء لا يقل عن وكذلك في بقية المجالس المعينة في المناطق والمحافظات، وقس على ذلك في السفارات وفي المنظمات الدولية الدبلوماسية، وفي الترشيح والانتخاب لم تشارك المرأة في التجربة الديمقراطية التي مرت بها البلاد – الانتخابات البلدية – رغم الإقرار بكفاءتها.

وعلى كل حال إننا نعتقد أن التشريعات الإسلامية تفسح المجال للإنسان سواء كان رجلا أو امرأة لممارسة أدواره النوعية في شؤون الحياة المختلفة. ووجود عقبات اجتماعية وعرفية تحول دون تحقيق هذه الرؤية الإسلامية يحملنا جميعا مسؤولية العمل لإزالة الركام الاجتماعي الذي يحول دون مشاركة المرأة في الشأن العام.

كيف يمكن أن نضع معايير لتحرر وحرية المرأة؟ هل يمكن الاعتماد على المعايير الخاصة بكل سيدة والتي تضعها امرأة بعينها لها وما يتوافق مع شخصيتها ورغباتها؟ أم هي معايير عامة يجب أن تراعي الظروف العامة للمرأة وتكوينها الفيزلوجي ما هي أسسها؟

المعايير التي يمكن العمل عليها هي أساسيات وثوابت عامة يمكن الاعتماد عليها لأنها توجب الصالح العام أرى انه يجب أن نميز فيها أولا: بين ما هو من الأعراف والتقاليد والموروث الاجتماعي وبين ماهو من الشريعة فنحن مجتمع ملتزم ومحافظ بموجب الشرع وقيم العدالة السماوية وليس الأعراف والتقاليد أو بعض التشريعات الموضوعة التي لا تتناسب مع أيدلوجيتنا الثقافية.

ثانيا: الأخذ بالأسباب بما يتناسب مع مجتمعاتنا ويتوافق مع ثقافتنا وهويتنا، فليس كل ما يناسب المرأة في المجتمعات الأخرى يمكن أن نطبقه على واقع المرأة في مجتمعنا.

ثالثا: الإيمان والرقي بالحفاظ على ثوابت الشريعة الإسلامية بعيدا عن التغرب الفكري والانسلاخ الأخلاقي والقيمي، فالإسلام منهج شامل وقويم لبناء الحضارة وصناعة الإنسان.

رابعا: لا تعني المطالبة بحقوق المرأة بضدية تجاه الرجل، بل الرجل والمرأة لهما حقوق وعليهما واجبات في الوقت نفسه إن دورهما في الحياة تكاملي، والعدل في الإسلام ساوى بين الذكر والأنثى في النوع، وفرق بينهما في الجنس وجعل لكل منهما وظائف ومهام تتفق مع أدوار كل واحد منهما في صناعة الحياة، ولا يعني ذلك أن هناك جنسا أفضل من الآخر، بل يعني أن كليهما يتميز على الآخر في بعض الجوانب وجعلت التقوى كمبدأ وقيمة هي معيار التفوق.

بالمعيار العام فإن حرية الفرد تنتهي عند بداية حرية الآخر، بمعنى أن الحرية ” رغم الصفة الإطلاقية عليها كحرية ” لها مرجعيات أيضا قد نعتبرها قيود عندما تقترب من إلغاء أو الحد من حرية الآخر، ومن المفترض أن ينطبق ذلك على كل أفراد المجتمع وكلا الجنسين، إذا برأيك كيف يمكن أن نضع الحدود لحرية المرأة بشكل عام؟

أخي الكريم لا توجد حرية خاصة للمرأة وحرية خاصة بالرجل، أي لا يمكن أن نضع قانون خاص بالمرأة وقانون خاص بالرجل، القانون المدني عادة يحكم الجميع وفي حال وجوده فإنه يفرض احترامه ولا أرى أنه يمثل قيود إلا في حالة تكون فيه القوانين مبهمة وغير واضحة، أما إذا كانت محددة ومقننة وبلغة سهلة ومبسطة يستوعبها الناس وفي متناول الجميع، فإنها سوف توضح حقوق كل فرد وتدفعه لأحترم الآخر بمساواة دون تمييز، وبالتالي مرجعياتنا الرئيسية والقانونية واضحة وصريحة وفقا لما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الطاهرة، وانطلاقا من مبادئ الشرع الحنيف الذي أعز الجنس البشري وشرفه كإنسان مكرم على جميع المخلوقات وقد ورد في الذكر الحكيم قوله تعالى ﴿ ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ﴾، وقوله تعالى في سورة النساء ﴿ يا أيها الناس أتقو ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا لله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ﴾ وقوله تعالى ﴿ من عمل صالحا من ذكرا وأنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ﴾ وقول الرسول «النساء شقائق الرجال».

وفي الوقت الذي نعتز به بالتشريعات الإسلامية، هناك الأحكام الفقهية لاسيما فقه الأحكام والمعاملات الذي دورا كبيرا وهاما فيما يخص تقنين الأحكام، ولكن تعدد المذاهب والاجتهادات والآراء برغم إيجابياتها جعلها واسعة وفضفاضة بحاجة إلى إعادة تنظيم قانوني واضح يخدم مصالح الناس ويحفظ حقوقهم ويعالج مشكلاتهم مع ما يستجد في حياتهم العصرية، ولابد من حلحلة الإشكالات والعمل على توضيحها،ولو أخذنا مثالا ما يصدر في المحاكم من صلاحيات مطلقة للقضاة، ففي التهمة أو القضية الواحدة هناك اختلاف في الأحكام بين محكمة وأخرى، وفقا لإصدار الأحكام وللاجتهادات الخاصة للقضاة بالاستناد للمرجعية الإسلامية، وقد أشارت لذلك الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان فقد رصدت في تقريرها الأول عن حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية عام 2006 انتهاكات لضوابط المحكمة العادلة، منها عدم المساواة بين الرجل والمرأة في بعض الحالات، وعدم الالتزام بحق المساواة في التقاضي من تمييز بين الخصوم أو تمييز بين المواطن السعودي وغيره، وعدم المساواة بين المتهمين من ناحية العقوبات الصادرة ضدهم بحيث يكون هناك أكثر من عقوبة مختلفة مع توحد الجرم المرتكب وعدم التقاضي العلني حيث يتم اللجوء إلى سرية الجلسات.

وإضافة إلى استنادنا للشرع الحنيف وتقنين وإيضاح الأحكام وفقا للمرجعية الإسلامية يجب الأخذ بالمرجعيات القانونية الأخرى الواردة في الإعلانات والاتفاقيات والمواثيق العربية والإسلامية والدولية العالمية التي صادقت عليها الكثير من الدول ومن ضمنها المملكة العربية السعودية، وهذا بدوره يحتم على مجتمعاتنا أن تكون لها قوانين وأنظمة دستورية وتشريعية واضحة يقرها المجتمع وتساهم في تنظيم حياة الناس.

ومتابعة للسؤال السابق فإننا جميعا ندرك أن هناك تباين في الصفات بين الذكور والإناث سواء في الجنس أو في القدرة، وكل يحمل جزءا من مسؤولية بناء الحياة، فهل هذا يفرض قيودا على حرية وحركة المرأة وكيف ذلك؟

واقعا لا أراها قيودا فالنوع الإنساني جنس واحد ذكر وأنثى ولا فرق بينهما في الإنسانية ولا تفاضل فالله سبحانه يقول في سورة الذاريات ﴿ ومن كل شئ خلقنا زوجين اثنين لعلكم تذكرون ﴾ وعندما نتأمل في الآيات القرآنية السابقة نجد أمرين:

1- المساواة بين الناس فالخطاب موجه إليهم بوصفهم بشر دون التمييز بجنس أو لون أو معتقد، وإنما التركيز فقط في التساوي على أصل الخلقة وهو الآدمية كمعيار واحد، ومع هذا التساوي يتساوى الناس في الحقوق بمعنى يؤكد – الحق في المساواة – ويمكنك مراجعة التفاسير.

2- لعدم التعارض بين وحدة الجنس واختلاف الصنف اختلفت الوظائف لكن دون مساس بالقيمة، بغية تكامل الوظيفتين بما يحقق للإنسان السعادة والحياة المستقرة، فالمرأة هي الأم والأخت والبنت والزوجة ساهمت بدورها جليا في بناء المجتمع المدني الإسلامي مع رسول الله وهي شريكة الرجل في عملية الإنماء والنماء.

تقولين سيدة عالية «يجب أن تحصل المرأة في السعودية على كامل حقوقها وعدم القبول بها مجزأة» كيف نفهم هذه المطالبة المطلقة؟ وماذا تعنين بغير مجزأة؟

أعني بذلك أولا: تأكيد مبدأ العدل والمساواة طبقا للشريعة السمحاء والذي أكد عليهما خادم الحرمين الشريفين – الملك عبد الله بن عبد العزيز – فالعدل والمساواة لا يعني حصول المرأة على حقوقها بمعزل عن حق الرجل فكلاهما عنصرين أساسيين وشريكين في بناء الحياة وصناعة المستقبل وازدهار الحضارة الإسلامية، فتجاهل المرأة ومكانتها وتعطيل النصوص الدينية التي تؤكد أهليتها وأهمية مشاركتها أمر لا تقره الشريعة، وتعرض المرأة للظلم والاستبداد باسم الدين والفهم الخاطئ لمقاصده فيه إشكال كبير يتعارض مع أداء المرأة في النهوض بدورها الحضاري، وكما صرح بذلك القرآن الكريم ﴿ أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ﴾.

ثانيا: الإسلام رفع المرأة ومنحها أهلية كاملة، واليوم بعد إن أثبتت جدارتها على أكثر من صعيد عليها أن تطالب بحقوقها كاملة وغير مجزأة فالحقوق لا تجزأ، وعليها أن لا تقبل بجزء من الرغيف ما دام من حقها الحصول عليه، وبالتالي إذا قبلت بجزء من الرغيف ما هي الضمانات الكفيلة للحصول على الرغيف بأكمله. والقاعدة القانونية تقول «بالكل يتحقق الجزء» وليس العكس، فمنح المرأة حقوقها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية حق ثابت من حقوقها لا يجب أن تتنازل عنه.

ثالثا: أن تكون حقوق المرأة كاملة بتكامل كافة الإجراءات القانونية فكيف مثلا تعطى حق الدفاع عن نفسها في المحكمة وهي تفتقد ل وثيقة أحوال شخصية تضم قوانين وتحدد أنظمة تبين حقها مالها وما عليها ومع توافر الوثيقة لابد من إيجاد محاكم أسرية على أرض الواقع، وفي حال تعرضت المرأة فيه للظلم ماهي المؤسسات التي يمكن أن ترجع لها وتستند عليها كمجلس أعلى للمرأة مثلا وتكون كفيلة بحمايتها، وعلى هذا المثال قس بقية الأمور.

وتقولين سيدة عالية:«هناك تمييز بين الرجل والمرأة فأحيانا تتدخل المصالح والمحسوبية، وأحيانا للأسف الشديد الأمزجة الشخصية في إعاقة بعض القرارات الخاصة بالمرأة» فهل لك أن توضحي لنا ماذا تعنين بالمصالح الشخصية والمحسوبية وممن ولماذا؟ والأمزجة الخاصة؟ وهل تستطيع تلك الأمزجة الخاصة أن تواجه القانون والقرارات وكيف ذلك؟

طبعا أتمنى أن لا تأخذ كلامي بضدية فأنا لا أطالب بحقوق المرأة على حساب الرجل فتقدم المجتمع على جهود الرجل وحده وتعطيل نصفه يعتبر مجتمعا عاجزا، فالمرأة والرجل شريكين في صناعة التقدم ولا يمكن الاستغناء عنهما، ولكن في مجتمعنا توجد مشكلة يجب أن نتناولها بكل شفافية حتى نستطيع المعالجة، فعدم تمكين المرأة في كثير من المؤسسات الرسمية ومواقع صنع القرار كثير منها محسوبية وفيها تأثير وإضرار بالمصالح الشخصية لدى البعض، فالمرأة السعودية في بعض مواقع العمل المتاحة لها أثبتت التزامها وكفاءتها وجديتها وإدارتها أفضل بكثير من الرجل وهذا يثير حفيظة – الذكورية – عند البعض مما يجعل تقبلها مرفوضا، والبعض يعتقد بأنها منافسة ضدية له وما شابه ذلك، ولا أخفيك ففي دوائر العمل وقطاعاته المختلفة تمارس المحسوبية والمصلحة مع الرجل فكيف بالمرأة وسط دائرة من الزملاء تراهم يضيقون عليها الخناق محاولة في تطفيشها، فلدي الكثير من الصديقات في مواقع ومناصب عمل مختلفة كل واحدة لها معاناتها إحداهن تقول كلما قدمت أفكارا أو إنجازا في العمل ينسبه المدير ورئيس الدائرة إلى نفسه ويقدمه للجهة العليا باسمه، وفي قطاع الصحي يعامل الأجانب أفضل بكثير من المواطنة السعودية، تقول طبيبة تعمل في مستشفى كبير لنا سنوات ونحن نطالب بغرفة نقضي فيها بعض الوقت وبعد ساعات العمل للصلاة والأكل والراحة فذلك غير ممكن، بينما زميلاتنا من الأجانب يتمتعن بهذا الحق ولهم غرف للراحة، ناهيك طبعا عن وجود المرأة بجانب زميلتها المرأة تقول إحدى الأمهات إني أفضل عمل بناتي ضمن دائرة أو شركة من القطاع الخاص فبيئة العمل مع الرجل أأمن بكثير من بيئة العمل مع المرأة وهذه مشكلة أيضا، ناهيك عن سوء المعاملة وقلة الرواتب ومنعها أحيانا كلها مشاكل بحاجة إلى دراسة.

أما المحسوبية – الواسطة – بكل صراحة أكثر الأعمال والمهام اليوم لا تنجز إلا بواسطة حتى في أبسط الأمور كي تحجز لتسافر إذا كانت هناك محسوبية تسهل أمورك وغيرها فللأسف عادة سيئة غرست في أذهان المجتمع وتعود عليها فأصبح من الصعب التخلص منها.. حقيقة نحن بحاجة لسيادة قيم الأخلاق والآداب في التعامل وفي العلاقات، والمجتمع ككل بحاجة إلى تعزيز أخلاقيات العمل في احترام الرأي واحترام الأخر وفي التعاون وفي الآداب العامة بدأ من الأسرة والمدرسة والجامعة حتى نتخرج بالمظهر المتقدم واللائق الذي يعكس ثقافتنا وهوية مجتمعنا، ومن ثم إلى القانون فمن أمن العقوبة أساء الأدب.

وفي هذا الحال إذن يمكن فيه تجاوز هذه الأمزجة والمصالح مع وجود القرار والقانون والمهم هو التفعيل لهذا القانون، وإيجاد جهاز رقابي يشرف على تنفيذ القرار.

في مقابلة معك سيدة عالية قلت بمعرض حديثك عن العوائق التي تقف حائلا دون حصول المرأة على حقوقها الاقتصادية عوامل كثيرة منها «النظرة الذكورية القاصرة تجاه المرأة الناتجة عن التربية والموروثات الاجتماعية وعدم وجود إستراتيجيات وافتقاد الدعم المالي وغير ذلك من أسباب ماهي برأيك المطلوب العمل على تجاوزها؟

الأسباب كثيرة أهمها:

1- تغيير المفاهيم الاجتماعية المتعلقة بعمل المرأة ومجالات العمل المتعددة، فنظرة المجتمع السلبية تجاه المرأة العاملة أدى إلى أن تكون بدايتها متأخرة مقارنة مع الرجل.

2- العمل على استحداث أنظمة جديدة تواكب حركة التغير التي يمر بها المجتمع وفي نفس الوقت تساهم في توسيع الدور الاقتصادي للمرأة.

3- دعم مشاريع المرأة بمختلف مجالاتها في المشاريع المتوسطة والصغيرة.

4- رفع التمييز عن المرأة وفتح الأبواب أمامها في مجالات العمل التنموية كمجالات تأسيس المشاريع والاستثمار وعدم حجب الفرص، إضافة إلى تسهيل الإجراءات والقوانين والقروض ومنح التراخيص الخاصة بذلك.

5- تفعيل القرارات الخاصة بالعمل المعطلة على مستوى أجهزة الدولة ومناطقها.

6- هل هناك من تضارب بين المطالبة بحقوق المرأة غير مجزأة وبين حرية وتحرر المرأة؟ وكيف؟

لا يوجد تضارب بين مطالبة المرأة بحقوقها وبين حريتها وتحررها بالذات إذا كانت الحرية ذات ضابط أخلاقي يصون المرأة ويحفظ التوازن للمجتمع ليعيش سلاما وآمانا في قضاياه الخاصة والعامة، فالحرية التي تسيء للفرد وتضر بالمجتمع حرية مرفوضة، والحرية المطلقة أيضا مرفوضة، فالإسلام في موضوع الاختلاط مثلا وضع للمرأة ضوابط معينة يمكن للمرأة أن تمارس فيها إنسانيتها في الجانب العملي من دون أن تسيء إلى أخلاقيتها في الجانب السلوكي.

7- من خلال تجربتك العملية وخبرتك في مجال الأعمال، أين يمكن أن تضعي سيدات الأعمال السعوديات؟ وهل حققن نجاحات في مجال الأعمال؟

هناك كفاءة عالية لسيدات الأعمال السعوديات على مستوى التقدم والإبداع في مختلف المشاريع وإدارة المؤسسات والأعمال، وقد أثبتن جدارتهن على المستوى المحلي، وبعضهن تمكن من فتح مشاريع خارج المملكة، وقد حققن نجاحات وإنجازات مختلفة في العمل التجاري عبر مؤسسات الديكور والخياطة والتجميل، وفي الرسم والتصميم وصناعة المجوهرات وفي العقار وقطاع المقاولات، وفي التجارة الإلكترونية وعروض السلع، وفي الأسهم والمساهمات والمتاجرة عبر البنوك وإدارة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وبعضهن يدير شركات ومؤسسات تعليمية وصحية.

8- إذا خرجنا من موضوع عمل ومشاركة المرأة في مجالات الأعمال المتعددة، هل برأيك تستطيع المرأة أن توفق بين واجباتها الفطرية في الأسرة والبيت كأم ومربية وبين مشاغل الأعمال وغيرها؟

طبعا يمكن للمرأة ذلك فهي جديرة ومتعددة المهارات، فبالتنظيم والتخطيط وإدارة الوقت وتحديد الأولويات يمكن للمرأة أن تنهض بالكثير من المسؤوليات، فكم من الأمهات العاملات خرجن للمجتمع نماذج مشرفة من الأبناء يحتذي بها، والمرأة عاملة سواء كانت داخل البيت أو خارجه، فالإشراف على الأسرة وتربية الأبناء ومطالب الزوجية يعتبر عملا كبقية الأعمال ولا يعني وجودها كزوجة وأم أن تلغي دورها في الإبداع والعطاء فبالتفاهم مع رب الأسرة يمكنها أ ن تبدع في مختلف الميادين والحقول.

9- هناك بعض القوانين المعمول بها تقيد حركة المرأة، فكيف يمكن تعديل تلك القوانين إذا لم تدخل المرأة بثقلها في تركيبة الدولة «المجالس والمناصب الإرتكازية المؤثرة في صنع القرار؟ هل تضعين اعتباراتك هذه المسألة أم لك رأي آخر؟

أوافقك الرأي وهذا ضروري حفاظا على توازن المجتمع من جهة، وحق من حقوق المرأة وتفعيل لدور الإرادة السياسية من جهة أخرى، آملة أن تمارس المرأة دورها الحقيقي على هذه المستويات وأن تمنح صلاحية المشاركة الفاعلة والقرار.

10- من خلال بعض الحوارات التي أجريت معك بدأ للكثيرين أنك تتحاملين على الرجل وتحملينه مسؤولية عدم حصول المرأة على حقوقها، علما أن المرأة هي الأم والأخت والزوجة والابنة، أعني هي الأكثر تأثيرا على قرارات الرجل كيف تفسرين لنا ذلك؟

الرجل والمرأة ضحية لعصور الجهل والتخلف الذي تراكمت على مجتمعاتنا الإسلامية، وضحية للتيارات التحررية والإباحية التي عملت على زعزعة القيم وحجبت نور التعاليم السماوية، فكما الرجل مسؤول المرأة في موقع مسؤولية أيضا فهي بفكرها بوعيها بعلمها ودورها قادرة أن تصنع واقعا وتغير نظرة الرجل تجاهها، وهذا ما يحدث بالفعل فتستطيع أن تقارن واقع المرأة الآن وحالها قبل ثمان أوعشر سنوات مثلا تجد الفرق كبير في مرحلة التحول المجتمعي، كما أن العالم يتغير بسرعة هائلة وهو كفيل بتغيير بعض التراكمات التاريخية وتصحيح مسارها على مستوى المرأة والرجل، فبقدر ما نطمح إليه من تقدم ورقي في مجتمعاتنا بقدر ما يجب أن نبذل من جهود في تطوير ذواتنا وأفكارنا، والقرآن الكريم يؤكد هذه الحقيقة بقوله تعالى ﴿ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ﴾ وكما قال الشاعر أيضا وما نيل المنى بالتمني.. ولكن تؤخذ الدنيا غلابا.

من خلال متابعتك لانجرار المرأة في بعض المجتمعات إلى الابتذال وعرضها مروجة للسلع من خلال عروض جسد لا تليق بالمرأة، فهل هذا بعض التحرر الذي تطالب به المرأة في بعض المجتمعات؟ وهذا السلوك بالتأكيد غير مقبول في مجتمعاتنا ولا في مفاهيمنا الدينية والأخلاقية، فكيف يمكن أن نضع معايير حرية وتحرر المرأة وسط هذا الصخب والإباحة واستيراد ثقافة الأجنبي؟

أنا معك في ذلك، ولكن معايير الحرية والتحرر وضعها لنا الإسلام وحددها لنا هذا الدين العظيم الذي يحافظ على الإنسان وعلى أخلاقية الجنس البشري، فقد كرم الإسلام المرأة من خلال الحجاب بحفاظ المرأة على حشمتها وعفتها بعيدا عن الابتذال، والحجاب في الشرع الإسلامي التزاما لقوله تعالى ﴿ ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ﴾ أي يحق للمرأة أن تكشف وجهها وكفيها أي ما ظهر منها بمعنى ما تحتاج المرأة إبرازه في حياتها الاجتماعية والعملية، والحجاب ليس سجنا أو معوقا للمرأة، فالمرأة بمحافظتها على الحجاب تستطيع أن تمارس نشاطها في مختلف الميادين في السياسة والاجتماع والثقافة والاقتصاد وتشارك في الحياة العامة بشخصيتها وعقلها وفكرها، وبتحرر طاقاتها وقدراتها كطاقة منتجة وإنتاجية مشاركة في الثقافة والعلم والمعرفة لتبني المجتمع، ولم يرد الإسلام للمرأة أن تتعامل بأنوثتها وتعرض نفسها كسلعة تباع وتشترى وتكون فريسة لأصحاب الغرائز والشهوات وموقع إثارة للرغبة الجنسية مما تدفع الرجل لأن ينظر لها كأنثى موضع إشباع غريزي فقط بعيدا عن جوانب أخرى. كما أن تحرر المرأة لايعني فقدان المرأة هويتها باسم الثقافة والتقدم وتقليد الأجنبي، شاهدنا هنا ضرورة التزام المرأة ومراعاتها للقيم والتعاليم الإسلامية، وهذا كما هو مطلوب من المرأة كذلك مطلوب من الرجل.

وبالتالي عجبا لك أخي الكريم أسألك من هو الذي يتحرش بالمرأة ويطاردها بالمغازلات والمعاكسات اللمسية واللفظية والكلام المعسول فلا زلنا نعايش المشاكل اليومية من قضايا الاغتصاب والتحرشات الجنسية في الشوارع وفي الأسواق وفي التلفون وعلى جهاز الإنترنت وفي مواقع العمل، فالمرأة لا تجرأ أن تتحرش بالرجل كما يفعل باستثناء – بعض الشاذات تربويا – وبالتالي من هو المسؤول عن ترويج هذه الثقافات تجاريا؟ ومن الذي يستوردها غير الرجل؟ لماذا لا نحاسب أصحاب القنوات والمؤسسات الإعلامية؟ ومن هو صاحب المصلحة في استهداف المرأة والعمل على إفساد وتخريب مجتمعاتنا؟!

إن دور الإعلام الحقيقي مطلوب في إبراز الصورة الإيجابية للمرأة المسلمة ومعالجة مشاكلها ومناقشة قضاياها بدأ من الأسرة والتربية وانتهاء بإسهاماتها في تطور المجتمع.

أين تضعين التعليم والمعرفة في مسألة تطوير فكر المرأة والتعريف بحقوقها؟

يا أخي هل تريد أن أعبر عن رأي بصراحة بشرط أن لا يدخل حواري هذا على مقص الرقيب وإلا اعتبرته انتهاك لحقي في التعبير، وأنا واثقة أن رسالة الإعلام الحقيقي دعم ومساندة قضايا حقوق الإنسان، فبرغم التقدم الذي حققته ووصلت إليه المرأة السعودية في مجال التعليم فإنك تدرك حجم الصورة النمطية للمرأة ولصورة المرأة وموقعيتها لاسيما في المواد التعليمية لمرحلتي التعليم الابتدائي والإعدادي وهي مراحل تأسيسية وأساسية، وأن المساواة فيها لا تزال راجحة لمصلحة الذكر، ناهيك عن تكريس مبادئ حقوق الإنسان أو المواطن المنتمي لهذه الأرض ولهذا الوطن، بالله عليك اسمح لي أن أسألك وأنت تدرك حجم الصعوبات والتضحيات والجهود ونسبة الوفيات التي تدفعها المرأة السعودية من أجل التعليم وفي سبيل التعليم! ما هي نسبة تمثيل النساء السعوديات في تأليف الكتب المدرسية؟ فعلى مدار دراستي للمرحلة الثانوية وتوالي الأجيال القادمة إلى وقتنا الحالي ابنتي في المرحلة المتوسطة وأبني في الابتدائي وتخرج إخوانهم من قبل! لم ألحظ اسم امرأة أنتجت كتاب أو حتى ساهمت في التأليف أو كان لها دورا حتى في لجنة إعداد المناهج الدراسية، وإن تواجدت فهي بمستوى ضئيل جدا لا يتناسب مع حجم وعدد التربويات صاحبات التخصصات العليا؟ هل تستطيع وزارة التعليم أن تبين لنا ما هي نسبة تمثيل المرأة السعودية في إعداد المناهج الدراسية؟ أضعف الإيمان لمدارس البنات في اللغة العربية، في التدبير المنزلي… الخ وقد يكون للبعض من النساء مساهمات وتوصيات ومشاركات لكن تنشر أسمائهن على استحياء، فالرجل هو من له حق الوصايا وهو صاحب الأولوية في هذا الأمر وليس على أساس الكفاءة والخبرة ومبدأ تكافؤ الفرص،ناهيك عن تقلد النساء لمناصب مؤثرة في وزارة التعليم طبعا بشرى طيبة تقلد الأميرة د / الجوهرة بنت فهد بنت عبد الرحمن آل سعود إدارة جامعة الملك سعود، والأميرة لولوة الفيصل كمديرة لجامعة عفت، وفائزة إبراهيم الدباغ كأول عميدة لجامعة سعودية، إنني متفائلة بذلك والأيام سوف تثبت قدرة المرأة في اتخاذ القرار فيما يرتبط بالسياسات التعليمية، ومن جانب آخر فمناهجنا التعليمية لازالت بحاجة إلى جهود مكثفة تعمل على التغيير والتعديل والتطوير بحيث تقدم معلومات تناسب الحياة العملية والعصرية تطور الوعي وتصحح النظرة النمطية للمرأة.

برأيك هل الرياضة أصبحت حكرا على الرجل؟ وهل تؤيدي اقتحام المرأة السعودية للرياضة كباقي فتيات الخليج خاصة أن هناك عدد من السعوديات خضن مضمار الفروسية وأصبحن ينافسن الرجال؟

ليس هناك ما يمنع فالرياضة مهمة للمرأة لاسيما مع تزايد نسبة السمنة، والاكتئاب والأمراض النفسية لدى الكثيرات، فالحاجة ماسة لإيجاد نوادي رياضية خاصة بالمرأة من أجل الترويح والتنفيس والمحافظة الصحية، وليس هناك ما يمنع من اختيار المرأة لأنواع الرياضة المناسبة لها ما لم يعرضها ذلك للفتنة والابتذال.

بكونك ناشطة حقوقية كيف تقيمين حركة حقوق الإنسان على مستوى مجتمعاتنا العربية والإسلامية؟

واقعا هناك حراكا سياسيا نشطا تشهده الساحة على مستوى منطقة الشرق الأوسط ككل، وبرغم كثرة الانتهاكات وتعثر الأنظمة في منح المزيد من الحريات فإنني ألحظ من خلال متابعتي لجهود بعض المحللين المتخصصين والناشطين في حقوق الإنسان الإعلان عن أملهم وتفاؤلهم بالنتائج المرجوة من هذا الحراك، لاسيما مع ظهور جمعيات ومنظمات وهيئات متخصصة في هذا الشأن، والتعاون والتجاوب الذي تظهره بعض الدول العربية، صحيح هناك تأرجح على مستوى قضايا حقوق الإنسان ككل بين صعود وهبوط، لكن لوحظ في الآونة الأخيرة ميل بعض الدول لفرض تعديلات ومعايير قانونية للحفاظ على حقوق الإنسان لذلك أرى من الضروري أن تعمل مؤسساتنا الحقوقية على تفعيل دورها بصورة أكبر وذلك عن طريق إيجاد إستراتيجيات وآليات عمل واضحة للدخول في ساحة المجتمع، واحتواء كافة الناشطين وتفعيل دورهم بالشكل المطلوب، وتبادل الخبرات والتجارب مع مختلف الكيانات العربية والدولية ذات الهدف المشترك.

بكونك ناشطة حقوقية أكيدا لا تخفى عليك الأحداث العالمية ومجيء باراك أوباما كشخصية من أصول أفريقية ليقف على حكم الولايات المتحدة الأمريكية ألا يعني لك ذلك مناصرة للفقراء والمعوزين كيف تنظرين لهذه الشخصية؟

يعتبر تعيين باراك أوباما كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية أكبر إنتصار لقضايا حقوق الإنسان في العالم، إنتصار للطفل المنبوذ والمحروم بسبب عرقه ولونه، وللطفل الذي لم يتوفر له قوته بشكل دائم، للطفل المحروم من دخول أدنى مطعم في أميركا لأنه لا يمتلك ثمن طعامه، ولم يركب أرقى القاطرات لتنقله في سفره أو مكان عمله أو حتى بايسكل ينقله من بيته إلى المدرسة، هذا الطفل يصبح اليوم سيد البيت الأبيض..

فوز المرشح باراك أوباما، عله يطوي صفحة سوداء رسمتها السياسة الخارجية الأمريكية على مدى ثمان سنوات متعاقبة عانت فيها شعوب الأمة ومجتمعاتها الكثير من الآلام والويلات، ما يثير تفاؤلي تحقيق مستوى أفضل من الاستقرار والأمن والسلام على صعيد منطقة الشرق الأوسط.ولعل ذلك يكون دافعا للوزارة الخارجية الأمريكية للعمل على تحسين سياستها الدولية وإعادة الثقة في تصحيح صورتها أمام العالم. أن ما شدني تجاه شخصية أوباما، أنه جاء معلنا لسياسة التغيير التي ينشدها الشعب الأمريكي من جهة، ولما يتمتع به هو كشخصية لها جذور أفريقية عانت الاضطهاد والتمييز العنصري والحرمان لعقود طويلة، وبكون أوباما شاب وأبن لأب مسلم ورجل منفتح ومتعدد الثقافات هذا يجعله شخصية متميزة في تصحيح الكثير من أوضاع أمريكا الداخلية،ما يهمنا هو تعديل السياسة الخارجية وتصحيح مسارها، لاسيما من نتائج الآثار والأحداث السلبية التي خلفتها سياسة الرئيس السابق جورج بوش آخرها الأزمة الاقتصادية، فباراك أوباما شخصية متزنة وحكيمة لا يقارن مع من سبقه، وهذا ما استنتجته من قراءاتي لآراء المحللين السياسيين، إن التغييرات التي يمر بها العالم اليوم قد تحمله المسؤولية والالتزام الأخلاقي الدولي ليس تجاه الشعب الأمريكي فقط، بل أيضا أمام شعوب العالم في النهوض أكثر بمستوى الديمقراطية والاستفادة منها في تعزيز الحريات في العالم والاهتمام بقضايا حقوق الإنسان، ووضع الأقليات والتي بدورها تدعم الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وتفعل دورها وسط مجتمعاتنا العربية والإسلامية.

كلمة أخيرة..

الوطن للجميع وكلنا فيه شركاء الرجل والمرأة، وضعف المرأة ليس قدرا محتوما عليها وقوة المرأة اليوم رهن مبادرتها، والمرأة السعودية واعية وقادمة بإصرار وتحدي وكلها جرأة وعزيمة في إعلاء قيمتها ورأيها، وجادة في المطالبة بحقوقها، وإثبات وجودها، والمجتمع عليه أن يعيد نظرته تجاه المرأة وأن يتقبلها في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية.

وكلي ثقة وتفاؤل بالإرادة السياسية في دعم المرأة وخططها وإنجازاتها من أجل الحفاظ على أمن المجتمع وتقدمه، فنقد هذه السلوكيات والمطالبة بالقوانين المانعة للممارسات التمييزية هو تعضيد ومساندة لسلطة الدولة ومساهمة في تطويرها – فالتطور سنة الكون والحياة – وما كان صالحا من قوانين في عقود ماضية ليس بالضرورة أن يكون مناسبا اليوم، ولإيماني العميق بأن الإرادة السياسية للدولة تستمد أفكارها من التفكير المجتمعي الناقد والموضوعي الصريح، فإنها لن تخشى التغيير الذي يرقى بمستقبل أجيال قادمة يعول عليهم الكثير في إعلاء صرح هذا الوطن.

وكلمتي الخاصة للمرأة السعودية أقول الحقوق لا تعطى ولا تمنح على طبق من ذهب، وإنما تؤخذ بالوعي والإرادة والحكمة والعمل الدءوب والمتواصل، فالمرأة في المجتمعات الأخرى لم تحصل على حقوقها جاهزة بل عبر كفاح طويل وعمل مستمر ومستديم في تعميق الوعي بالحقوق والوظيفة الاجتماعية والحضارية، وامتلاك الإرادة القوية في تجاوز العقبات، فعلى المرأة السعودية أن تهتم ببناء كفاءتها وتطوير قدراتها حتى يتسنى لها موقع القدرة وتحمل المسؤولية في الشؤون الخاصة والعامة.

 

أضف تعليقاً