أ . عالية فريد >> مشاركات


صغار مغرورون

29 يوليو 2016 - جريدة اليوم

بدر الإبراهيم

واحدة من سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي، أنها قدمت الشهرة على طبق من ذهب لأشخاص لا يمتلكون الكثير من القدرات أو المواهب، لكنهم قادرون على جذب الاهتمام والأضواء بطرقٍ مختلفة. لعلنا مثلاً نلحظ مغرداً في موقع «تويتر»، يبدأ مشواره في الموقع بتغريداتٍ حادة أو خارجة عن المألوف، لناحية اللغة والصياغة أو المضمون، ليقفز عدد متابعيه إلى عشرات أو مئات الآلاف، ويغدو مزهواً بنفسه، معتقداً أنه يوجه الرأي العام، ويُعَلِّم الناس ما لا يعلمون، وأن الجماهير تنتظر مواقفه وآراءه وتوجيهاته بفارغ الصبر. هذا المغرد ينقصه العمق والفهم، لكن لا تنقصه القدرة على إثارة الجدل بطرح تسطيحي، أو دغدغة عواطف الناس، ليحصد الشهرة والاهتمام اللذين يبحث عنهما.

1445215596هذه الشهرة السريعة، تعتمد الفرقعة على حساب العمق، ورغم أن بعض هؤلاء يدعي مساهمته في توعية الناس وتثقيفهم، إلا أن فحصاً سريعاً لما يكتبه يوصل إلى الاستنتاج بحاجته هو إلى التوعية والتثقيف. لا يقتصر الأمر على موقع «تويتر»، لكنه يمتد إلى المدونات، والشباب المثقفين الجدد، الذين يكتبون مقالاً أو اثنين، ويحصلون على إشادات جمّة، فيعتقدون أنهم فلاسفة أو مفكرون كبار، ويطرحون مقالاتهم على الناس كما يقدم المعلم الشرح لتلاميذه، ويستميتون في نشرها بكثافة عالية، ويصدقون أن لمقالاتهم أهمية بحيث يجب على المسؤولين والجمهور أن يقفوا أمامها طويلاً، ويناقشوها باستفاضة، ليستنتجوا منها اللازم.

المسألة لا ترتبط بالمجال الثقافي وحده، فصغار الشبكات الاجتماعية المغرورون، غَزَوا كل المجالات تقريباً، قادمين من الاحتفاء الهائل بهم في الشبكات الاجتماعية. يشمل هذا الكلام مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، المعتمدة على النصوص أو الصور والمقاطع المرئية، ففي موقع «انستغرام» مثلاً، يمكن أن تعرض فيه صوراً مع كمية هائلة من الاستعراض، بأشكال مختلفة، فتحصد شهرةً لا مثيل لها. هؤلاء المشهورون قد يقدمون أنفسهم خبراءَ في كل شيء تقريباً، فيعلقون على كل حدث، ثم إنهم يصبحون «سلعاً استهلاكية»، وينمو حضورهم في كل المجتمعات التي تتمدد فيها الثقافة الاستهلاكية.

المشكلة ليست في سهولة الشهرة، بل في ما تقوم هذه الشهرة على أساسه، وما تصنعه بالقادم الجديد إلى ساحتها. الشهرة هنا ناتجة عن نصف موهبة، إن وُجِدَت، وهي بما تصنعه من جنون عند صاحبها، تقتل كل أمل في تطويره لذاته، إذ إنه يعتقد ببلوغه القمة، وعدم حاجته لبذل أي جهد للتطوير، لأنه لم يبذل جهداً أصلاً ليحصد الشهرة. كذلك، فإن هذه الشهرة السريعة، تصنع رموزاً وقادة وهميين للرأي العام، وتسلط الضوء على ما هو سطحي، مقابل إهمال ما هو عميق أو متمكن.

أضف تعليقاً