أ . عالية فريد >> مشاركات


«أبو سن» و«أبو ناب»

28 سبتمبر 2016 - جريدة الشرق الأوسط

ميرزا الخويلدي
«أبو سن» هو شاب سعودي يافع اشتهر بنشر محادثات مصورة عبر برنامج «Now you«٬ مع فتاة أميركية تدعى كريستينا (21 عاًما)٬ كان يحاول بطريقته استمالتها٬ وقد
أصبح هذا الشاب في عهدة القانون بعد توقيفه في الرياض بتهمة الإساءة لتقاليد المجتمع واستخدام وسائل الاتصال بشكل غير قانوني.
images«أبو سن» هذا٬ شغل الرأي العام فعلاً٬ كثيرون رأوا فيما فعله خروًجا على التقاليد٬ وبعضهم رأى أن هذا الشاب ­ مهما أساء التصرف ­ إلا أنه عّبر عن نفسه بطريقة ربما يعتبرها البعض «سمجة»٬ وهو في كل الأحوال يبقى أهون من العشرات الذين يبرزون «أنيابهم» عبر وسائل التواصل وعبر المنابر والإعلام للتحريض على الكراهية والعنف والخروج على النظام وكسر هيبة الدولة وشّق المجتمع وتفتيت وحدته وتماسكه.

لكّني وجدت بعض من ناقش قضية «أبو سن» يستخدم عبارة «فّشلنا»٬ أي إنه ألحّق العار بالجماعة٬ والجماعة هنا ترمز للهوية العامة٬ وهو ما يقودنا حًقا للتفكير في حدود ما هو مسموح به للفرد في ظل انتمائه للجماعة: القبيلة٬ الطائفة٬ الوطن٬ وغيرها. مع بحث خطورة أن تتحول الجماعة بكل تشكيلاتها إلى سلطة قمعية تحد من حرية الأفراد في التعبير عن خياراتهم.

هذا يقودنا إلى ما يسميه حازم صاغية غياب الحس العميق بالفردانية٬ فهو يرى في كتابه «مأزق الفرد في الشرق الأوسط»٬) دار الساقي)٬ وعبر قراءة نقدية للتطورات التاريخية التي شهدتها المنطقة منذ أواخر القرن الثامن عشر٬ وتفاعلها مع التأثيرات الأوروبية٬ أن «الفرد في منطقة الشرق الأوسط لم يحقق فردانيته»٬ وما زال خاضًعا للجماعة بتشكيلاتها المختلفة٬ العائلة٬ العصبة٬ الدين٬ القبيلة٬ الحزب٬ الدولة٬ الوطن.
صاغية يرى في مكان آخر أن «الفردية أو الفردانية صارت شرًطا شارًطا للتقدم في هذا الزمن والإنجاز الاقتصادي أيًضا٬) بينما) الجماعة ترث أدوات إنتاج وطرق إنتاج تكرارية ومألوفة تتوارثها فعلاً جيلاً عن جيل».

صاغية أيضا يعمل مقاربة مهمة٬ حين يفقد الأفراد قدرتهم على خلق فردانيتهم في ظل مجتمع لا يؤمن بها٬ يقول: «الفردية كمفهوم سائد في المجتمع هي مرهونة بزمن الحداثة٬ وحين يكون الفرد موجودا والفردية غير موجودة٬) يمكن) أن يّعبر الفرد عن فرديته بأشكال غريبة عجيبة٬ طائشة٬) كأن يظهر على شكل) صعلوك٬) أو) مجنون٬ (أو) سكير٬) أو حتى يتحول إلى) أناني ومنتفخ الأنانية٬) لأن) فرديته مكبوتة٬ وبهذه الحالة يتشابه الفردي والأناني (لديه)».

في كتابه «خارج الجماعة: عن الفرد والدولة والتعددية الثقافية»٬) دار سؤال٬ بيروت) يتناول المفكر البحريني د. نادر كاظم٬ الجانب السلبي في تعميق انتماء الأفراد إلى جماعتهم٬ الأمر الذي يمّكن الجماعات من الهيمنة على أفرادها والتعامل معهم كممتلكات خاصة٬ وهذا يقود إلى ما يسميه المؤلف بـ«الجماعّية القمعية»٬ وهو ينتقد ما يسميه «الجماعّية القمعية التي تهّدد باختزال الإنسان٬ وتقليص وجوده إلى كونه مجرد عضو في جماعة من الجماعات٬ بحيث يكون انتماؤه الثقافي أو الإثني هو عنوان هويته المفردة٬ ومحور وجوده كله».

ما فعله «أبو سن» صار في عهدة القضاء٬ والحديث هنا عن الجدل الذي خلفه هذا السلوك. بين من يراه فعلاً شائًنا يضر بالصورة النمطية للمجتمع٬ وبين من يرى أن المجتمع لا يملك أن يعمم صورة افتراضية على أفراده بما يسلبهم حقهم في الاختيار. دون المساس ­ بالتأكيد ­ بحق القانون في التدخل لحماية المنظومة الأخلاقية٬ وكذلك واجبه في حماية السلم الاجتماعي.

أضف تعليقاً