أ . عالية فريد >> حديث الشهر


المرجعية الشيعية.. والواقع المطلوب

8 يوليو 2005 - أ . عالية فريد

المرجعية الشيعية.. والواقع المطلوب

تتمثل قوة الواقع الإسلامي الشيعي في – المرجعية الدينية – التي مارست أدوارا عديدة ومختلفة على مستوى تقدم الأمة، وواجهت أقسى الظروف الحرجة في كل مراحلها عبر الأزمنة الماضية، ومع بروز أعلام متنورة هجرت على أثرها الأدوار التقليدية المتبعة وإنطلقت تخدم الإسلام والمذهب الشيعي بصورة خاصة وكبيرة بحجم يتناسب مع صورة الإسلام الحركي الحقيقي فاتسع عملها وزاد نشاطها بإتساع عطائها وإستمراريتها ولم تقف عند حد معين، وإضافة إلى دورها في المؤسسات والحوزات الدينية فهي تمتلك التأثير المباشر على قلوب الناس وتتفاعل معهم وسط الساحة الإجتماعية والثقافية فقد كانت تلبي حاجات عصرها بمرور الزمن، كما أن الغالبية من الشيعة يدرك أهمية المرجعية الدينية والدور الذي تتركه في حياة كل فرد، فالشيعي الحقيقي لا ينفي وجود مرجع التقليد كحجة عليه فهو نائب الإمام يقلده فقيها في الحكم الشرعي ويرجع إليه في أمور حياته الدينيه والدنيوية.ولأن دور مراجع التقليد كبير ومهم في حياة الأمة، فهو تارة يضيق وتارة يتسع حسب الظروف والمتغيرات السياسية من جهة وحسب إهتمام المراجع أنفسهم بهموم الأمة وتطلعاتها ومشاكلها من جهة أخرى، إضافة الى الدور التقليدي الذي إتبعه البعض منهم وإكتفائه بالقضايا الفقهية فقط، كل ذلك كان له أثره على مجتمعاتنا خاصة المكلفين أوالمقلدين.

فالمراجع علماء مجتهدين أصحاب رسالة دينية تفرض عليهم رعاية شؤون الشيعة في كل زمان ومكان، وتأخذ على عاتقها حمل رسالة التوجيه والإرشاد، ودورها لاينحصر في إصدار الفتوى فقط وفي تحصيل أموال الخمس والزكاة والهبات، أوالإهتمام بالشأن الديني والإجتماعي بل حتى في المجال السياسي والإقتصادي ففي عام 1917م قادت الحوزة العلمية الحركة الإجتماعية السياسية في العراق، وكلنا سمع أو قرأ عن ثورة العشرين الذي قادها السيد محمد تقي الشيرازي ضد الإنجليز، ودور المراجع الآخرين في حمل السلاح ومقاومتهم ضد الإستعمار ومحاربة الفساد بشتى أنواعه.

كما يتضح دور المرجعية جليا في توجيه حركة الناس تجاه الأحداث والمتغيرات الطارئة لاسيما إذا كانت ظواهر تهدد الأمة وتهدم كيانات المجتمع، فسرعان ما تصدر توجيهاتها وتعلن تصريحاتها ومواقفها تجاه أي متغير فتمنع على أثره نشوب أي صراع أو فتنة أو خلاف، فالإطار الشرعي للمرجعية يفرض على المقلدين العمل وفق هذه المواقف، والتاريخ مليئ بالأحداث التي رسمت معالمها خطوط المرجعية الدينية في مختلف ربوع المجتمع الإسلامي، فثورة التنباك في إيران عام 1891م أوقفها المرجع السيد حسن الشيرازي – رحمه الله – منطلقا من سامراء العراق وعلى أثرها أضطر ناصر شاه إلى إلغاء إتفاقه مع بريطانيا حول التبغ، وفي مقارعة الظلم والطغيان خرج الإمام الخميني – قدس سره – الذي كان يتمتع بسلطة سياسية واسعة ومرجعية دينية عليا وقاد الثورة الإسلامية التي شكلت منعطفا تاريخيا وإستراتيجيا كبيرا في إيران سنة 1979م.

وكان للمرجعية الشيعية دورها أيضا في إيقاف الصراع الطائفي حول التعددية المرجعية التي كادت مجتمعاتنا تتناحر حولها خلال فترة ماضية من الزمن، بالإضافة إلى صنع منهجية السلم واللاعنف والتأكيد على الوحدة الإسلامية التي تبناها المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي – رحمه الله – ودعوة أبناء الأمة إلى نبذ التفرقة المذهبية وتدعيم الروابط الأخوية والتقارب بين المذاهب، ومعالجة مشاكل الأديان والطوائف المختلفة، وحل مشكلات التكفيروالغلو، وإيضاح المغالطات في سياسة الجهاد، والعمل على إيجاد أبجديات وآليات عمل بعيدة عن الإثارة والإنفعالية وتوجيهها نحو الإنفتاح، إضافة إلى التعاطي مع القضايا الفكرية والمذهبية التي تحرك وعي المجتمع وتحافظ على تماسكه ونسيجه الإجتماعي.

وبمتابعة الأحداث الأخيرة على الساحة نلحظ التغيير في الموازنات والمعادلات السياسية لحزب الله بقيادة السيد حسن نصر الله – حفظه الله – على الساحة في لبنان، وفي العراق حيث ينضوي الشعب بأكمله تحت مظلة المرجعية فدور السيد علي السيستاني – حفظه الله – كبير وجهوده باتت واضحة في حلحلة الأوضاع على الساحة وتأثيره على الشعب العراقي بحيث درأ الحرب الأهلية بكوارثها ودفع بالشعب نحو غايته في التحرر، وأصدر فتواه التي يدعوا فيها العراقيين للمشاركة في الإنتخابات والتي أثمرت بإنبثاق جمعية وطنية منتخبة، ودعى السنة في العراق إلى المشاركة السياسية وإنبثاق حكومة إلإتلاف الوطني التي تمثل جميع الأطياف العراقية. وقبله كان موقف المرجع الراحل السيد الخوئي – رحمه الله – الذي أصر على موقفه وبقاءه في النجف الأشرف بالرغم من كل أنواع الظلم الذي كان يراه ويمارس ضده من قبل نظام الطاغية صدام، إلا أنه حافظ على الإسلام وعلى واجهة الشيعة المتمثلة بحوزة النجف الأشرف وعلمائها الأعلام، كل هذه الأحداث وغيرها مرت تحت إشراف قيادة المراجع الحكيمة، ذلك لأنهم يدركوا تماما دورهم بوضوح ومدى تأثيرهم على الشيعة بالخصوص، ومالهم من قوة تأثير تعجز عنها أي سلطة أوأي قوى أخرى مهما كان نفوذها، لذلك نلحظ ماتسعى له بعض السلطات وما تلجأ إليه من وسائل تضعف بها المرجعية وتقلل من مكانتها على مدى التاريخ.

كيف تتصل المرجعية الشيعية مع جمهورها؟

ذلك يتم بإمور عدة أهمها:
• أولا: عبر وكلاء مكلفين من قبل المرجع الديني بحيث يعرف عنهم بالصلاح والتقوى وما يسمى بـ «التزكية من قبل المجتمع»، ولا يشترط أن يكون الوكيل من علماء الدين المهم التحقق من سلوكه وصدقه وثقة الجمهور فيه.

وظيفة هؤلاء الوكلاء تتمثل في عدة أمور أهمها:

1- إيصال رسالة المرجع وفتاواه إلى الناس والعكس كذلك في نقل صورة عن واقع الناس للمرجع.

2- إستلام الحقوق الشرعية من المكلفين، والتصرف بجزء منها وفقا لتحديدات معينة ومقيدة من المرجع نفسه حسب إحتياجات الطائفة كدعم مشروع خيري، أو مؤسسات ومدراس أو معاهد دينية، أو مكتبات ومستشفيات، أو مراكز صحية يستفيد منها عامة الناس. كذلك مساندة الفقراء ودعم المحتاجين، وبقية المبلغ يتم إرساله للمرجع.

3- يمتلك الوكيل صلاحية الفقيه أوالمجتهد في نقل توجيهات ووصايا موكله الذي يعتبر حجة شرعية عليه، وبإمكان الوكيل التعبير عن رأيه الشخصي في المسائل السياسية والإجتماعية بكونه موضع ثقة المرجع الفقيه وثقة المكلف – السائل.

• ثانيا: الإتصال المباشر عبر زيارة المقلدين للمراجع في موقع سكناهم، والتزود منهم بالفتاوى وموافاتهم بقضايا المجتمع، أو عبر اللقاء بهم في مواسم الحج والعمرة حيث تتخذ كل مرجعية سكن معلن خاصا بها، وينوب عن التعريف بها ممثليات ومجموعة لجان تقوم بالتنسيق بينها وبين لقائها بالناس.

• ثالثا: دور المؤسسات والحوزات الدينية، والرموز من العلماء في التعريف ونقل مستجدات الإمور والدور المتبادل بينها وبين ما تهدف إليه المرجعية الخاصة بها.

• ماذا تحتاج المرجعية لتتقدم بمستوى النهوض الشيعي في العالم المعاصر؟

بحاجة إلى أجندة عديدة أهمها:

1- التجديد

بالرغم من أهمية الدور الذي تمارسه المرجعية الشيعية تجاه مقلديها أو تيارها إلا أنه لازال قاصرا بحاجة إلى الكثير من التجديد والتغيير في الأساليب والمفردات ومضاعفة الجهد في التركيز على ثقافة الجمهور، والعمل على تجديد الثقافة الإسلامية وإعادة صياغتها في واقع الأمة، والكشف عن الثوابت والمتغيرات وتجديد في الخطاب الديني، فواقع التحديات الثقافية اليوم كبير وخطير ومايلعبه الإعلام الفضائي المفتوح ومايقدمه للأجيال المسلمة لايمكن الإستهانة به، فهو يستخف بعقول الشباب ويخدر أفكارهم ويكرس فيهم ثقافة اللامبالاة والترف والإنحلال، ومجتمعاتنا بحاجة إلى ثقافة تدرك من خلالها شمولية الإسلام وسعته وقدرته على حل قضايا الإنسان ومشاكله اليومية والحياتية، وفي الوقت نفسه قادر على مواكبة حركة العصر وتلبية حاجته، فالتجديد يشكل حاجة ملحة يمكن السعي من خلالها لإيجاد مؤسسات ومراكز ثقافية متخصصة تهدف إلى صنع نهضة ثقافية توعوية عصرية حداثية في إطار المنظومة الدينية التي ننتمي إليها.

2- التواصل مع الجيل الجديد

إذا كانت المرجعية قادرة على تلبية حاجة الناس في الزمن الصعب، فما الذي يعيقها من التواصل معهم ويمنعها من متابعة أمورهم فيما تيسر اليوم من وسائل إتصال سريعة وتقنية تكنلوجية حديثة قربت البعيد!!؟ وإذا كانت العلاقة ذات قوة وكثافة على مستوى العامة من الناس، لماذا توجد هوة فاصلة بين المرجعية وبين الجيل الجديد؟ ولماذا هذا التباعد بينها وبين قضايا الشباب جيل المستقبل الواعد؟!

لايوجد أدنى شك بأن الجيل القديم والذي نحن فيه قد عاصرنا تحديات، وواجهنا تحولات وتغيرات، وواكبنا أحداث الصحوة الإسلامية في العالم، وشاهدنا قيام وإنتصارالثورة الإسلامية في إيران، وأحداث حرب الخليج الأولى والثانية وحفلنا بإنتصارات لزعامات سياسية وحركات إسلامية، ومعارضات وأحزاب وصراعات متنوعة في مختلف ربوع الوطن العربي كل ذلك علمنا الكثير وجعلنا نتقبل الواقع كما هو عليه، لكن جيل اليوم ليس كجيل الأمس والمرجعية بحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى إلى الإنفتاح والتطلع إلى مطالب الجيل الجديد وفق متغيرات العصر ومتطلباته، فهناك تساؤلات وعلامات إستفهام كثيرة عالقة في ذهنية هذا الجيل حول أمور كثيرة متشعبة وجزئية في مختلف جوانب الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية، وبحاجة كبيرة للتعرف على الدين ومفاهيمه وقيمه ونظمه الحياتية، وإلى المعرفة بالإسلام بشكل كامل وصحيح حتى يتمكن من الإلتزام بالموقف الإسلامي المطلوب، وتكون المجتمعات قد سعت إلى تحقيق ما تطمح إليه من بناء جيل إسلامي واعي منفتح على الإسلام برحابته وسعته لا برهبانيته في الإبتداع والتطرف والغلو..

وهنا أرى ضرورة التأكيد على مايلي:

1- العمل على تهيئة المجتهد والفقيه المتجزئ، فعلوم الفقه كثيرة وواسعة فلماذا لا يكون هناك تخصيص في المسائل الفقهية للعلماء حتى تسهل الأمر على الشباب وحل مشاكلهم في القضايا والإمور المستجدة، فيكون لدينا مجتهدا في الأحكام وآخر في المعاملات وهناك فقه الأسرة، وفقه الإجتماع، وفقه الإقتصاد، وفقه المرأة، وفقه الشباب ووووالخ.

2- وكلاء المراجع وأهمية دورهم في الإختلاط بالمجتمع وإنخراطهم بين صفوف الشباب والجيل المعاصر، فلا يكونوا منعزلين في بروج عالية بعيدا عن الناس، فهم خير من ينقل مشاكل وهموم المجتمع بكل متغيراتها إلى المرجع، ودورهم لم يعد كما السابق مقتصرا في إيصال الفتوى وجمع الأخماس، فهو اليوم أكبر بكثير فساحة المجتمع كبيرة وواسعة بحاجة للإتصال والتواصل المباشرمعها لاسيما التقرب من جيل الشباب والتعايش معهم للإقتراب من همومهم والتصدي لمشاكلهم، وتصحيح مفاهيمهم حول العولمة، والحضارة، والتسامح، والوسطية، والإعتدال، والإرهاب، والفكر الآخر، إضافة إلى التعرف على الحريات ومساحتها في الإسلام، والقوانين والتشريعات، والحقوق، والعقوبات وغيرها. كما هم بحاجة إلى إيجاد خطط ووسائل جديدة تساندهم في أمور الحياة، وتشعرهم بأهمية المرجعية ليس كمؤسسة فتوى فقط بل مؤسسة ثقافية تصدر الفكر الإسلامي المتنور لكافة المجتمعات.

3- مواكبة الحدث وسرعة المبادرة: عصرنا اليوم مليئ بمختلف المشاكل والتعقيدات، وعلى ضوئها تزداد حاجة الواقع الإسلامي للمرجعية لممارسة الدور الذي ينتظرها في ظل هذه المتغيرات، لمواكبة الحدث وللإطلاع على ظروف العصر المختلفة، ولإبداء الرأي فيها وإعطاء الناس وعيا حولها وإتخاذ موقفا تجاهها من منطلق أسس الإسلام، وواقعنا بحاجة إلى مراجع حاضرة تواكب الحدث أولا بأول، وعلنا ندرك مايجري على الساحة من مبادرات سريعة وسديدة، فالتصدي القيادي الميداني للمرجعية ودبلوماسيتها ساهم في تطور الوعي السياسي على الساحة في العراق، ولازال التيار الشيعي يلجأ ويرجع إليها لإستفتائها في أموره ملتزما بمواقفها تجاه ما يواجه من أحداث عصيبة تحت وجود الإحتلال ومقاومة الإرهاب والقضاء على مخلفات النظام البائد، وفي ظل صناعة الدستور والحفاظ على الوحدة والعمل على عودة الحياة الآمنة والمستقرة.

وفي لبنان قبل أيام أشارت مصادر الأخبار عن سقوط قتيلين وسبعة جرحى بـ«رصاص الإبتهاج» بعد فوز رئيس المجلس النيابي نبيه بري بولاية جديدة مما أدى إلى إعتذاره عن عدم قبول التهاني بسبب الضحايا الأبرياء الذين سقطوا، بالتنويه إلى أن عملية إطلاق الرصاص والمفرقعات عادة ألفتها بعض الدول العربية للتعبير عن فرحها وبهجتها في كل مناسبة وللأسف سرت هذه العادة إلى مجتمعاتنا وتمارس في بعض مناطقنا، وبغض النظر عما تمثله وماترمز إليه، إلا أن الرصاص يبقى رصاص يصيب هدفه بقصد أو دون قصد مهما تعددت المسميات فقد – تعددت الأسباب والمسمى واحد – المهم في الأمر المبادرة في سرعة المعالجة فإضافة إلى تحرك الجيش والشرطة، أصدر المرجع العلامة السيد محمد حسين فضل الله فتوى حرم فيها إطلاق النار والمفرقعات، مستنكرا هذا العمل الذي سبب الرعب للمواطنين، ورأى فيه جانبا من جوانب التخلف في التعبير عن الإنفعال للمناسبة، وأكد أن ذلك يحمل في طياته عناوين التحريم إنطلاقا من النتائج السلبية الكبرى التي ترتبت عليه من ترويع وتخويف وإزعاج وصولا إلى الضحايا الذين سقطوا جراء هذه الممارسات التي تنم عن ضعف في الإلتزام الديني أو الوطني أو السياسي، وعن ذهنية متخلفة في التعاطي مع المناسبات سواء كانت فرح أم حزن وما إلى ذلك، هذا فضلا عن الخسارة الكبرى التي تمثلت في هذه الممارسات في الأرواح التي سقطت والأموال التي أنفقت وفي إستخدام السلاح بعيدا ساحته الطبيعية وبما يسيئ للأمن الإجتماعي والنظام العام للناس، ودعا المعنيين للتحرك سريعا لمنع إمتداد هذه الظاهرة في أي مناسبات أخرى صونا للوطن وحفظا لحياة الناس العامة.
هذا بدوره يحتم على المرجعية أن تكون ملمة ومطلعة بما يجري على الساحة، وأن تمتلك رؤية سياسية واعية في مختلف جوانب الحياة منطلقة من الأسس الإسلامية لتثقف بها الناس وتشكل حضورها الدائم معهم.

لابد للمرجعية أن تطل على قضايا العالم ولو من ناحية إتخاذ المواقف السياسية أو المواقف الثقافية أو الإجتماعية التي تطل على كل مواقع المرجعية أو أن تمتد إلى أبعد من هذه المواقع وتؤثر بها سلبا أو إيجابا، إن هذا هو الذي يمكن أن يحقق للمرجعية حيويتها وحركيتها التي تكون بها عنصرا فاعلا في حياة كل الناس الذين ينتمون إليها ويتبعونها ويتخذون المواقف منها .

4- المرجعية الدينية والإهتمام بالمرأة

أفاقت المرأة الشيعية في المجتمعات الخليجية على واقع الأنشطة الثقافية والفعاليات الفكرية والإجتماعية التي كان للمرجعية دور كبير فيها، لاسيما مراجع التجديد الذين سعوا لتطوير الفكر الإسلامي وإثراء الأمة بأفكارهم وإطروحاتهم وبذلوا مجهودا كبيرا في صحوة المجتمعات، ومع وجود تيارات إسلامية متنوعة في العالم الإسلامي بقيادة مرجعيات مختلفة كان لها موقع التصدي والريادة عبر مساهماتها في توجيه الفكر والثقافة الإسلامية التي تدعوا لضرورة مشاركة المرأة على مسرح الحياة وتؤكد على أهمية دورها في البناء والتغيير، وذلك عبر ما تنشره من ثقافة واعية عن طريق المؤسسات والهيئات الدينية، وإرسال العلماء التابعين لها في مختلف أرجاء المعمورة، فكانت حركة المرجع المجدد الراحل السيد محمد الشيرازي – قدس سره التي أوجدت صحوة جديدة تجاه الدين كمنظومة إسلامية متكاملة تحرك وعي المجتمع على مختلف الأصعدة السياسية والثقافية والإقتصادية والإجتماعية، إضافة إلى حدث إنتصار الثورة الإسلامية في إيرا ن سنة 1979 هـ التي جاءت وضخت دمائها في جسد الأمة وأوقظتها من سباتها العميق، وساهمت في إنطلاق المرأة وفي زيادة حماسها لخدمة المجتمع، ودفعها لتبدأ بحركة تصحيحية في ذاتها وإلى نفض الغبار عن حياتها السابقة التي كانت مطوقة بين ثوابت الدين والفقه التقليدي، والعادات والتقاليد والخطاب الديني الجامد لفترة طويلة أبقتها في حدود الإعتبارات الإجتماعية التي صنعتها الظروف التقليدية فتحولت إلى قناعات تاريخية ممتدة مع الزمن، وبعدما لاقت الحراك الكبير الذي لامسته عن قرب وعايشته عن بعد لدورالمرأة الإيرانية وتأثيرها على الساحة الإجتماعية، كان لهذه التفاعلات تأثيرها في صنع ثقافة جديدة تجاه المرأة تسربت إلى مجتمعاتنا فأوقظت العقول وأثارت الأذهان نحو آمال وتطلعات تحلم بها كل إمرأة واعية.

وكان نموذج المرأة الإيرانية حاضرا أمام المرأة في حركتها وعملها ونشاطها، إضافة إلى نموذج السيدة الشهيدة – بنت الهدى – التي برزت ككاتبة ومفكرة وناشطة إجتماعية على مستوى الخليج، ثم تولدت أفكار جديدة بضرورة بروز نماذج نسائية محلية تخدم رسالة الإسلام وتساهم في توعية المرأة من داخل المجتمع، وتحت إشراف المرجعية وعلى رأسها المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي طيب الله ثراه، مع نخبة من العلماء الذين يقودون اليوم حركة الوعي الديني والرسالي على الساحة وجهت الدعوة بضرورة سفر نخبة من النساء لطلب الدراسة الدينية خارج البلاد، وتم ذلك بالفعل عام 1400 هـ أي قبل 25 عاما تقريبا تحملت فيها المرأة جل الصعاب في البعد عن الوطن، وكانت أهدافها وتطلعاتها تعينها على تخفيف ما تواجه من صعوبات، وقضت حياتها ذاخرة بالعطاء العلمي والفقهي وثراء التجربة الدعوية في مختلف بقاع العالم الإسلامي، وإنقضت السنوات وعادت بعدها وهي متسلحة بثقافة الإسلام الاصيلة التي على أثرها أنعشت حركة المرأة الشيعية في الداخل، وإنطلقت بكل طاقتها وقدراتها لتشارك في صحوة المجتمع وتؤدي دورها ورسالتها في عملية البناء الروحي والفكري والإجتماعي، وعايشت المتغيرات العالمية والمجتمعية وأثرت فيها، وكانت تقفز بمستواها العلمي والمعرفي وتسعى لتطوير نفسها وتثقيف ذاتها، وتمارس دورها الرسالي وسط الساحة النسائية إنطلاقا من إيمانها بأهمية الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فبرزت كعالمة، وخطيبة، وفقيهة، ومدرسة، وكاتبة، ومربية، ومرشدة في حملات الحج، ورائدة في العمل التطوعي، وفي إدارة المؤسسات الثقافية والمراكز الإجتماعية، إضافة إلى دورها في تحمل مسؤولية الزوج والأسرة، ولازالت إلى اليوم تنهل من ينبوع المرجعية وتتغذى بأفكارها وهي ترعى نتاج السنوات الماضية وتشرف على مسار الحركة الدينية النسوية، وما تمارسه المرأة اليوم من أنشطة متعددة على الساحة هو خير دليل على ذلك. وأمام هذه المسيرة الحافلة بالعمل والتضحيات والتقدم بالمستوى الديني الثقافي والإجتماعي للمرأة!! كل ذلك يدعوني للتساؤل؟؟ إذا كان موضوع المرأة وحراكها المتنوع قد سرق أنظار العالم بمختلف توجهاتها وإنتماءاتها وتنوعاتها على كافة الأصعدة!؟ أين هو الإهتمام بدور المرأة الشيعية في الحركة الإسلامية؟؟ ومامدى تفاعل المرجعية اليوم مع قضايا المرأة المستجدة؟ أما آن الأوان أن تمنح المرأة إجازة – وكـالة – من المرجع؟ ما الذي يمنع من وجود مكاتب خاصة بوكيلات المراجع ضمن أجهزة إدارية متكاملة مع توفير لجان إستشارية ولجان إجتماعية نسائية تقدم الراي والمشورة في مختلف القضايا؟

أليست المرأة أقرب للمرأة من الرجل في إيصال صوتها وقضاياها الخاصة؟ وهل المرأة عاجزة عن اللقاء بالمرجع ومناقشته ونقل فتاواه؟

واقعا المرأة اليوم أكثر وعيا في حصولها على الفتوى في العبادة والأحكام الشرعية والإمور الخاصة بها، لكنها بحاجة إلى إجتهادات أخرى في أمورها المستجدة، في قضية التعليم، والعمل، والمرأة وضوابط الإنفتاح، المرأة والعنوسة، المرأة والطلاق، المرأة وقضايا الأسرة والتربية , المرأة والإعلام، والحرية، والمشاركة السياسية، والإرهاب والوسطية والإعتدال والتحديات المعاصرة….الخ فأين المرجعية من المسائل المستجدة على مستوى هذه القضايا؟
5- إستنهاض الأمة والتشجيع على الإجتهاد

بسبب الظروف القاسية التي مرت بها الأمة العربية والإسلامية جعلها تعيش حالة من الركود على مختلف المستويات الثقافية والسياسية والإقتصادية وغيرها.

والتشجيع على الإجتهاد أمر مطلوب يحرك المياه الراكدة ويحرك طاقات الأمة وينعش حركة المرجعية، وهو باب مفتوح يجب أن لايقف عند حد معين، لاسيما لمن يمتلك ثقافة النص الديني ويرى في نفسه الكفاءة فمن حقه أن يجتهد ولا فرق بين المرأة والرجل، و- قضية الإجتهاد هي قضية ثقافية تنطلق من وعي الإنسان لهذا العلم ولقواعده ودراسته، ويمكن أن تبدع المرأة فيه بما لايبدع الرجل ، ويمكن للمرأة أن تبدي رأيها كفقيهة من خلال الرسالة العملية أومن دراسة المسائل الفقهية لمختلف المراجع.

أخيرا أقول:

إن النظام العالمي الجديد والمتغيرات العالمية تفرض على العالم الإسلامي تحولات نوعية وشاملة في الإقتصاد والسياسة والثقافة وفي الأبعاد الروحية وفي مناهج التفكير والمعرفة لتتناسب مع الوضع العالمي وتطوراته الجديدة، والحركة الإسلامية في حالة نمو متزايدة بحاجة إلى أن تنطلق من رؤية واضحة في مسيرتها، والمرجعية الدينية جزء لا يتجزأ من هذه الحركة يجب إلى أن تتطلع إلى صياغة حديثة تخرجها من التقليدية والجمود إلى الحيوية.

أضف تعليقاً