أ . عالية فريد >> حديث الشهر


الشرطة المجتمعية،، وحماية المواطنين

30 أكتوبر 2016 - أ . عالية فريد

منذ زمن بعيد ظلت الصورة الراسخة لأجهزة الشرطة بالغة السلبية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية. فقد بات الإعتقاد السائد أن أجهزة الأمن ما وجدت إلا من أجل العمل للأنظمة الحاكمة، وفرض النظام والقانون فقط، وأن دور هذه الأجهزة ينحصر في ممارسة التعسف تجاه الناس، وقمع الحريات، وفي الممارسات المهينة والتعاملات اللاإنسانية. وقد ولد جميع ذلك نظرة تشاؤمية حيال التعامل مع هذه الأجهزة وصنع حالة من الحقد والكراهية تجاهها. إلى درجة صار ينظر فيها لرجل الأمن، مهما اختلفت مهنته وأيا كان موقع عمله، باعتباره خارج إطار الإنسانية ونموذج اللامبالاة بالقانون والإستهانة بالنظام والتعدى على حقوق الإنسان، ناهيك عن حالة العبوس والتعالي والتجهم مرفقا بنزعة عدوانية حادة تجاه المواطن، مما انعكس ذلك كله على طبيعة العلاقة بين رجل الأمن والمجتمع وصنع حالة من التباعد والجفاء. غير ان بروز التنظيمات الإرهابية التي باتت تضرب مجتمعاتنا، دون أن تفرق في استهدافها بين رجل الأمن ورجل الشارع العادي، ربما قاد إلى تغير لافت في العلاقة بين أجهزة الأمن وأفراد المجتمع.

يبدو لي أن جهود الأجهزة الأمنية في التصدي للإعتداءات الإرهابية في مجتمعاتنا ساهم بدرجة كبيرة في تحسن صورة هذه الأجهزة أمام أفراد المجتمع. فقد شهدنا مع توالي الأحداث وتصاعد الهجمات الإرهابية خلال السنوات الأخيرة، تصدي الجهاز الأمني لمكافحة الإرهاب وما أبداه من كفاءة عالية وأداء متميز في ضرب الخلايا الداعشية، التي راح ضحية اعتداءاتها الكثيير من الشهداء والأبرياء. هذا الدور الكبير الذي قامت به الأجهزة الأمنية في حماية المواطنين وصد إستهدافات الدواعش وتهديداتهم في مختلف مناطق المملكة ساهم ذلك في تحسين الصورة.

وقد برز جليا دور قوات الأمن والشرطة هذا العام من خلال الدور الحيوي الذي قامت به في حماية للمساجد ودور الذكر والعبادة وأماكن التجمعات. فقد كان لافتا الخطط الأمنية الناجعة الت ساهت في تمكين المواطنين في المنطقة الشرقية من آداء مناسباتهم الدينية، وإحياء ذكرى إستشهاد الإمام الحسين ”“ وإقامة مراسم عاشورءا. ونتيجة لإحساسهم بالأمن والراحة والسلامة الشخصية لهم ولعوائلهم أعطى ذلك المواطنين دفعة قوية لأهمية التعاون والمساندة لرجال الأمن، ومنح الثقة بالمؤسسات والأجهزة الأمنية، ونتيجة للإختلاط والتواصل المباشر والتجربة على الأرض فقد أعطت إنطباعا إيجابيا تركت أثرها الكبير على المواطن وكرست في نفسه روح الإحترام للنظام، فالفرد هو الحجر الأساس في بناء وتنمية الوطن، واحترام كرامته إنعكاس طبيعي لكرامة الوطن، وحيثما كان الإيمان بقيمة الإنسان كمواطن وإحترام كرامته تكون مكانة الوطن وقوته وهيبته.

إننا في الوقت الذي نقدم فيه كل التحية والتقدير والشكر الجزيل للشباب المتطوعين – حماة المساجد – الذين عكسوا صورة حضارية مشرفة من الإخلاص والتفاني والنزول في ساحة الميدان مساندة لرجال الأمن في حماية الناس وتنظيم حركة السير والعبور جعلت الجميع يستشعر الطمأنينة والأمن والسلام، في ذات الوقت نقدر الجهود الأمنية خاصة لرجال الشرطة ولرقيهم في الأداء، متمنين الوصول الى تحقيق نظام أمني متطور يحقق الإستقرار الأمني من جهة ويضمن توفر الحريات العامة لأبناء المجتمع.

وبناءا على ما سبق فإننا نرى أهمية تفعيل الدور الإجتماعي لجهاز الشرطة في المؤسسة الأمنية وذلك بالإنفتاح الواسع على المكونات الإجتماعية والسياسية والتعاون معها ف – الشرطة المجتمعية -. تعتبر فلسفة جديدة لأدوار مدنية حديثة عليها التعامل مع إحتياجات ومشكلات المجتمع المحلي بمشاركة المواطنين والمقيمين معا لمواجهة الجريمة وحماية أرواح الناس. فالشرطة مسؤولة عن منع الجريمة وحماية المجتمع وعادة ما تحتاج الى تعاون المجتمع الذي تخدمه بمساعدة متطوعين من الأهالي تساند الأمن وتقدم لهم انواعا عديدة من البرامج والخدمات الخاصة بمنع الجريمة والتدريب مثل مراقبة الاحياء السكنية، والمرافق العامة وفي المواقع التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالمجتمع، كالمشاركة في حماية الاداب العامة الإستباقية، ومراقبة المواقع التي تمارس فيها الرذيلة والفساد الاخلاقي وحماية الاحداث من الانحراف، وتقديم خدمات إنسانية اجتماعية خيرية متعددة تكسر الحاجز بين المواطنين ورجال الأمن.

إن قيام علاقة إيجابية بين المجتمع والأجهزة الأمنية سيساهم دون شك في تعزيز الثقة والاحترام المتبادل والتعاون بين افراد المجتمع وجهاز الشرطة، ويدعم التواصل مع الجهات المختصة عند وقوع الحوادث والابلاغ عن الجريمة او التنبؤ بوقوعها، اضافة إلى تنمية روح المشاركة والمسؤولية الكاملة بين افراد المجتمع وجهاز الشرطة لتحقيق امن المجتمع وحل مشاكله، وسيعمل على نشر الثقافة الامنية والوعي الاجتماعي لدى المواطنين، فلا زالت هناك ضبابية واضحة لدى الكثير حول دور الأجهزة الأمنية وتقسيماتها وفروعها وإختصاصاتها ومهامها يجهلها الناس.

حتما إن إبراز دور الشرطة بصورة فعالة يساهم في بناء السلم الأهلي، ويعزز الشراكة المجتمعية الحقيقية ويستأنف التنمية المستدامة، ويبقى الوطن هو البيت الكبير الذي يجب علينا جميعا بناؤه وحمايته. فالأمن ضرورة من ضرورات بناء وتطور المجتمعات وصمام أمان لبقائها، ومرتكز أساسي من مرتكزات تشييد الحضارة فلا أمن بلا إستقرار ولا حضارة بلا أمن، ولا يتحقق الأمن إلا في الحالة التي يكون فيها الفرد والمجتمع خاليا من أي شعور بالتهديد للسلامة والإستقرار.

وختاما نقول: بأن لا شيء سيغير النظرة السلبية لأجهزة الأمن في مجتمعاتنا من البناء على ما تحقق من علاقة ايجابية استشعر معها الناس أنهم تحت كنف وحماية هذه الأجهزة في مواجهة الأرهاب، لا هدفا لتعسفها. وحمى الله الوطن وأهله.

أضف تعليقاً