أ . عالية فريد >> حديث الشهر


شاهد عيان

1 سبتمبر 2005 - أ . عالية فريد

شاهد عيان

على أثر الزيارة ماقبل الأخيرة التي قام بها الملك عبدالله بن عبد العزيز -رعاه الله- للرحاب الطاهرة بزيارة الحرمين الشريفين والذي عزز بها بدء إنطلاقة المشاريع التي أعلنها في شهر رمضان الماضي حين كان وليا للعهد وبعد توليه الحكم، فقد أصر بعزيمة ثابتة وإرادة جادة على مواصلة الإنجازات الحضارية وتطويرها وتدعيمها بنفسه، فمكة المكرمة والمشاعر المقدسة تشهد أعمالا ضخمة وكبيرة تقدر كلفتها بأكثر من 40 بليون ريال حرص الملك عبدالله أن يقف شخصيا على سيرها بكونها تستهدف مصلحة الحجاج والمعتمرين والزائرين الذين يفدون إلى المملكة بشكل متواصل، وتشمل هذه المشروعات الآلاف من الوحدات السكنية والمراكز والمحلات التجارية، وإقامة الأنفاق والجسور التي تسهل حركة المرور، إضافة إلى توسعة الحرم النبوي الشريف وتضليل ساحاته وتطوير جميع الأجهزة والمرافق التي تلبي إحتياجات الأعداد المتزايدة من الوافدين داخل المملكة وخارجها، وتوفير كل ما يعينهم على قضاء فرائضهم ومناسكهم وصلواتهم في يسر وسهولة.لكن مقابل كل هذه الجهود والمبادرات أتمنى لو تزال الضغوط وتنتهي كافة المضايقات التي يتعرض لها بعض المواطنين والمعتمرين نتيجة الممارسات الفردية التي يتعمد بها أصحاب الفكر الأحادي وبعض المتطرفين من دعاة الطائفية والعنصرية المقيتة لما يقوموا به من إيذاء لفظي يصل أحيانا إلى التطاول بالأيدي والضرب والتدفيش لضيوف بيت الله الحرام بمسمى ممارسة الدعوة والأمر بالمعروف، حتى المواطن المسكين لايسلم منها فما إن يستقر في مكان إلا وطرد منه لمكان أخر فيحرم من الحصول على الراحة والطمأنينة وهو يحاول أن يتواصل روحيا في علاقته بالله سبحانه، فيقطعون عليه الذكر أو الدعاء أو قراءته للقرآن الكريم بحجج واهية، أسألكم بالله إذا لم يستشعر المؤمن راحته ويمارس عبادته بإستقرار في بيت الله الذي قصده وأعد العدة للوفادة عليه فأين يستشعرها؟ وإذا لم يبكي ويطلب من الله غفران ذنوبه وهو متعلقا بأستار الكعبة للأسف يبعد ويتهم بالكفر والشرك؟ إن ماشاهدته خلال الأيام الماضية التي وفقني الله فيها لزيارة بيته الحرام من ممارسات ومضايقات مخجلا لنا نحن السعوديين، فما يمارسه أفراد مكتب هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تجاه بعض أصحاب المذاهب المختلفة عن مذهبهم وعن الذين يخالفونهم يندى له الجبين، فالتفتيش وسحب كتب الأدعية والذكر وبذاءة اللسان أعتقد تمام الإعتقاد أنها لاتليق بأصحاب الدعوة الموزعين في أرجاء الحرم المكي والمدني وعلهم يفتقدون لأبسط مقومات الدعوة الإسلامية وصفات الداعي إلى الله، فتراهم متجهمين الوجه محتقنين بالعصبية قد فارقت الإبتسامة شفاههم، والغلظة والشدة شعارهم في التعامل، ناهيك عن السيدات اللاتي يعملن معهم بنفس الإسلوب والمنهج. فكل مواطن هو شاهد عيان ومسؤول عما يحدث والأمثلة كثيرة، فأسألوا كل من زار الحرمين هذا العام عن ما تعرض له من مضايقات سترون في جعبته الكثير، وبدافع المسؤولية الإنسانية والدينية والواجب الوطني فإني أوصل صوتي للرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكبار موظفيها ودعاتها ومرشديها ومنفذيها، والرئاسة العامة لشؤون المسجد النبوي وكل من يهمه الأمر بالتأكيد على مايلي:

– الدعاة رسل الله في الأرض ومسؤوليتهم كبيرة أمام الله سبحانه وتعالى محاسبين عليها، وإن أهم مايجب أن يتصف به الداعية الأخلاق الكريمة والمعاملة الحسنة، إضافة إلى التسامح واليسر وسعة الصدر ومعاملة الناس على قدر عقولهم، وأن يكونوا دعاة للوحدة والتآلف والتعاون معتدلين ومنصفين في علاقتهم مع الناس فهم قوة هذا المجتمع وواجهته الدينية والإجتماعية يجب أن يكونوا متسامين بأنفسهم على كافة الحساسيات القومية والطائفية والقبلية والحزبية والطبقية والعرقية والدينية، وهم سفراء وطنهم وبلدهم أمام العالم فزوار بيت الله الحرام ضيوف يفدون المملكة من شرق الكرة الأرضية وغربها ومن شمالها إلى جنوبها فيها الأفريقي والأوربي والآسيوي والعربي والعجمي كل له طريقته وأسلوبه في عبادته لله سبحانه، فلماذا يضيق الخناق عليهم في ممارسة حريتهم الدينية؟ وبالتالي هم من سوف ينقلون صور مشاهداتهم ومعاينتهم لأهاليهم ومجتمعاتهم، فكيف هي الصورة التي تتمثل أمامهم وكيف سينقلون تعامل الدعاة الغير الائق معهم؟

إلتقيت هذا الإسبوع بمجموعة من الزوار العائدين من إحدى الدول الإسلامية وهم مستائين من سوء المعاملة التي تعرضوا لها، وعندما سألت أكثرهم عن السبب أوضحوها علنا بأنهم يجيبوننا السبب هو المعاملة القاسية والسيئة التي يتعرضوا لها أثناء آدائهم للحج والعمرة فالتعامل بالمثل – وأترك لكم التعليق –

2- بيت الله الحرام مضيفا لجميع المسلمين، فالخلق كلهم عبيد الله وعياله وإن أحبهم إليه أنفعهم لعباده وأنه لافضل لأحد منهم على الآخر إلا بالتقوى.

3- لايجوز إثارة الكراهية القومية أو العنصرية أوالطائفية أو كل مامن شأنه أن يؤدي إلى التحريض على التمييز العنصري أو الطائفي بكافة أشكاله، أو ممارسة أي لون من ألوان الإكراه لخلق ريبة أوشك في دين شخص ما إلى دين آخر، كما لا يجوز إستغلال بساطة البعض من الناس وسذاجتهم أو جهلهم للطعن والتجريح في دين أ ومذهب أورأي مخالف لأعضاء الهيئة الدينية أو المنتمين لها، فقد أزعجني ما شاهدته من أحد الدعاة الذي إستوقف حشدا من المعتمرين خلفه من دول عربية وهو يشير إلى بعض إخوانه يكفرهم ويتهمهم بالشرك لأنهم يقبلون الكعبة ويبكون حولها، وكيف كان يحاول أن يملي عليهم قناعاته وفتاواه وهم منه في تعجب شديد!!!

– إنما المؤمنون إخوة – وحفظ حق الإخوة واجب ديني وسلوك إجتماعي يفرض على الإنسان المسلم إحترام أخيه المسلم بعيدا عن أي إعتبارات أو فروق متفاوتة في الفكر أو الديانة أو اللون والعرق، ولست بحاجة هنا لأن أذكر بالنصوص الدينية المقدسة التي يجب أن تهذب سلوكنا وتربي ذاوتنا، وتكون مدعاة لنا للمحافظة على وحدة المجتمع وتماسكه. وليتنا نتحذي بقائد مسيرة الإصلاح في هذه البلاد وحامل لوائها الملك عبدالله بن عبد العزيز الذي نبذ الفرقة ومقت العصبية ولايزال مصرا على تحقيق الوحدة الوطنية والتلاحم الشعبي بين أطياف المملكة، إضافة إلى حرصه الشديد على وحدة الأمة الإسلامية في مواقفها المختلفة، وما حمل على عاتقه من خدمة للإسلام والمسلمين. ولذلك فإني أقترح على رئاسة الهيئة أن تخضع بعض دعاتها ومرشديها لدورات تدريبية مكثفة في فنون ومهارات التواصل وفي التطوير الذاتي والتنمية البشرية وفي طرق التعامل مع الأخرين، وإتقان مهارات الدعوة والإلتزام بصفات الداعية إلى الله من خلال الكتاب الكريم والسنة وسيرة الدعاة من السلف الذين نهضوا بالأمة وخدموا الإسلام على أكمل وجه.

5- التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية اليوم كبيرة وخطيرة يجب أن يستشعرها كل فرد منا خاصة الدعاة في مختلف مواقعهم، فالإستكبار العالمي والتيارات المادية والمصلحية والهجمات الشرسة التي يتعرض لها الإسلام ليست بالأمر الهين أو القليل، وحري بهم كدعاة للمسلمين بمختلف مستوياتهم وتوجهاتهم وأفكارهم أن يتحسسوها ويقتربوا منها لتكون حافزا لهم لتطوير أساليبهم وخطابهم وطرقهم في تقديم الدين الإسلامي للناس حسب متطلبات العصر ومتغيرات الواقع، وأن يحسنوا عرض مفاهيم الدين وقيمه ومبادئه السمحة لأجيال الأمة، وليكن ذلك دافعا للتقارب والتعاون والإجتماع نحوالخير والفضيلة، وتجاه الأهداف الكثيرة والكبيرة المشتركة بين الجميع بعيدا عن المهاترات وإثارة النعرات والفتن حينها تتوحد الصفوف وتنتظم الأمور وتسير حركة الإسلام بإتجاهها الصحيح فيكونوا خير أمة أخرجت للناس، وطبعا لا يتحقق ذلك إلا بالإعتدال والموازنة والوسطية ليس على صعيد الفكر فقط بل بأرقى أساليب التعامل وهل الديـن إلا المعـاملة؟

أضف تعليقاً