أ . عالية فريد >> حديث الشهر


الحوار الوطني ثروة تعزز ثقة المجتمع بنفسه وقيادته كيف نفعله بالشكل المطلوب؟

18 يناير 2004 - أ . عالية فريد

لايخفى على أحد ماللحوار من قيمة أدبية أخلاقية تربوية وإجتماعية تعود على الفرد والمجتمع ، بالذات إذا إتسم الحوار بالصدق والتسامح والإيجابية الهادفة وتجنب الشد والجذب والإنفعال والتشنج والعصبية ، فالإختلاف حينها يكون مقبولا لأن الأساس متفق عليه ، بمعنى أنه لووجد إختلاف بمصاف العقيدة يبقى الإتفاق على الموقف ووحدة الصف ، فكيف إذا كان المختلفون أصحاب عقيدة واحدة فالإختلافات ماهي إلا أمور جزئية مادام الإتفاق على الأصل باق ، ولايعني ذلك نسيانها أو تجاهلها ولكن هناك وحدة هدف ومبدأ وموقف يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار ويكون لها الأولوية في الحياة وهذا ماتحتاج إليه مجتمعاتنا .

وكم نحن في أمس الحاجة ليقظة عقلية إيمانية واعية تعود بنا إلى رشدنا وتقودنا نحو صفاء النفس ونقاء السريرة وإلى طهارة الروح البشرية لنتعامل بإخلاص في علاقتنا بإ نسانيتنا بعضنا البعض بعيدا عن المصالح والمطامع والتعصب والتزمت والتقوقع على الذات ، أما آن الآوان لنتجاوز الحساسيات ونبتعد عن الإثارات ونغربل القديم من الموروثات ! قد يستهلك منا ذلك الكثير من الوقت والكثيرمن التضحيات لكن ليبقى همنا الأكبر هو الوطن والحفاظ على مصلحة الوطن من براثن الطائفية والمذهبية والعصبية القبلية وذلك لايتم إلا بإيجاد هدفا واحدا مشتركا يجمع كافة أبناء البلاد ويدخل إلى عمق وجدانهم ويكون تأثيره على الفرد أقوى من تأثير أي تيارات وتوجهات معينة تفرض ثقافتها عليهم ، يسعون للوصول إليه والعمل على تحقيقه .

إننا لسنا بحاجة إلى منظرين يدلوننا على كيفية تطبيق الحوار لكننا نحتاج فقط إلى إعطاء سجيتنا مجالها لتتحد قوة إنجذاب الإنسان لأخيه الإنسان ليتحد معه كالمغناطيس ويتكامل فيه ليصبح قوة بشرية لاتستطيع أي قوة رجعية أوطائفية أوأي جهة داخلية وخارجية إختراقه والتأثير فيه .

فما أجمل أن نجتمع صفا واحدا يحتضن كل منا الآخرونتعارف فالقرآن الكريم والسنة النبوية وتاريخنا المجيد رسم لنا أروع الصور وقدم لنا أفضل النماذج في عملية الحوارالبناء قال تعالى ( ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة إنما جعلكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) وقد أنعم الله علينا بنعمة الإسلام وهو أغنى وأغلى ثروة فكرية على هذه الأرض ، وحظانا بالحرمين الشريفين وشرفنا بهما لتكون بلادنا آمنة مطمئنة تبث إشراقتها المتسامحة وقيمها النبيلة للعالم كله ، وفي الوقت نفسه دعانا للحوار والبحث بالحكمة والموعظة الحسنة وقال سبحانه ( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) . فما أعظمه من دين .

وقد جاءت المبادرة التاريخية السعودية بقيام مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني لتكون وسيلة عملية لطرح وتحديد التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهنا ، وإن إطلاق الحوار الوطني لكل الأطياف بمذاهبها السياسية والفكرية والدينية في هذه المرحلة بالذات لخطوة إيجابية تقودنا نحو تأسيس مجتمعا عصريا بناء ، جاء ليكون متنفسا لما يختلج في صدور الكثيرمن أبناء المجتمع ويعبر عن مكنوناتهم الداخلية وإن صرح بها البعض وطالب بها البعض الآخر إلا أن الغريق يتعلق بقشة كما هومشاع ، ولازال الكثير يعولون عليه نحوتحقيق بعض التطلعات والآمال لاسيما في ما ورد من توصيات تنم عن مطالب الغالبية من المشاركين . ومن خلال متابعاتي أرى أن هناك مكتسبات أولية رئيسية خرج بها هذا الحوارهي بحد ذاتها تعد شيئ كبير على المستوى العام وهي كالتالي :
1- تحقيق العدالة الإجتماعية بين مختلف الأطياف المتحاورة والتي عبرت عن مختلف مناطق المملكة سياسية ، فكرية ، دينية .
2- عمل الحوار على التقارب والإلتقاء في الأفكار وتبادل الرأي ووجهات النظر.
3- أشاع روح الألفة والمحبة والإحترام المتبادل بين الجميع .

وبغض النظر عن الظروف الداخلية التي مرت بها المملكة ، والهجمات الخارجية الشرسة التي حاولت أن تنال من بلادنا الا أننا كلنا أمل بالعزة الإلهية ومن ثم بالقيادة الحكيمة لهذا البلد ، وكما قيل العصا إن لم تقصم ظهر البعير فإنها تقويه فالتفائل والإطمئنان يملأ قلوبنا ويعزز ثقتنا في ذوي الألباب بالسعي نحو إصلاح كل مافيه خير لهذا الوطن الغالي ، وإن إعلان إستمرارية الحوار في فترات متقاربة لدليل خير على صدق العزيمة والتوجه الجاد نحو التغيير وبناء المستقبل لاسيما للأجيال القادمة ، فبقدر مانسعى لتحسين صورتنا في الغرب بقدر مايجب علينا أن نعمل على صنع الحياة الكريمة والمستقبل المشرق الآمن لأبنائنا ، فتواصل الحوار وإستمراريته على عدة مستويات أمر ضروري فهذابدوره يعلم الأفراد ويعزز فيهم الإحترام والتقدير لبعضهم البعض ، وعلى الرغم من المبادرة الطيبة في الإنفتاح الجزئي للإعلام والنقل المباشر لما تضمنه الحوار ، لكن نحن نطمع ونطمح أن تتسع دائرة الحوار بصورة أكبر مما هي عليه الآن لتكون شاملة عامة فالحوار الوطني ثقافة يجب أن تصل إلى كل فرد وتدخل كل بيت وسط الأسرة والعائلة والعمل الوظيفي ، وفي المدرسة والجامعة وفي وسط الحياة العملية للمجتمع لأنه تماذج وعيش مختلط في كنف الوطن الواحد .

لكن يبقى السؤال ومـــــــــــــــاذا بــــــــــــعــــــد ؟؟؟

واقعا لانريد أن نصاب بخيبة أمل أو إحباط ، فلا يكفي أن يكون الحوار حول طاولة مستديرة بين العلماء والمفكرين والسياسيين وبعض النخبة من المثقفين لأن هذا يؤدي بنا إلى حوار شبه عقيم لايؤدي غرضه في حل المشاكل المطروحة بالشكل المطلوب ، وبالتالي يبقى رهن شخصيات لها إعتبارات معينة إما ذات خصوصية سياسية أو شخصية أومذهبية أو….الخ . إن هكذا نوع من الحوار قد يدير الأزمة لكن ليس شرط أن يحلها وهنا قد تبقى مصلحة البلد وإصلاحاتها معلقة لحين يشاء لها في وقت ما غير معلوم ، وطبعا هذا ليس مبتغانا ومانريد الوصول إليه.. ورغم كل ذلك نبقى متفائلون وثقتنا كبيرة ننتظرما سوف تفاجأنا به الأيام ..

وأخيرا الحوار الوطني ثروة تعزز ثقة المجتمع بنفسه وقيادته فكيف نفعله على مستوى الوطن ولكافة المواطنين ؟ و ماهي الوسائل والأساليب التي نستطيع من خلالها تطبيق التوصيات التي خرج بها الحوار على أرض الواقع ؟

أضف تعليقاً