أ . عالية فريد >> حديث الشهر


كيف نسوق أ نفسنا؟

15 مايو 2006 - أ . عالية فريد

التسويق فن ومهارة من فنون الحياة الإقتصادية يجهل قيمته الكثير من الناس، وهو مصطلح إقتصادي يستخدم في عالم الماديات ويرتبط بالمنتجات الإستهلاكية القائمة على العرض والطلب ويتدخل في عملية البيع والشراء الذي يسوق لها في الإعلانات التجارية أو عبر الصحف والمجلات أو عبر وسائل الإعلام كالتفزيون والإنترنت وغيره أو في ساحات العرض والمحلات التجارية، فكل منتج إستهلاكي يحتاج إلى تسويق، وبقدرما يولي المسوق إهتمامه وكفاءته وجده في عرض منتجه بقدر ما يحوز على رضا الطرف الآخر المقابل – المستهلك – أو العميل أيا كانت حاجته.ويعتقد البعض أن التسويق خاص بالبضاعة المفلسة الذي خسر فيها صاحبها فيقوم بالتلميع والتدليس ليخفي تورطه بها، بينما في الواقع أن هذه البضاعة بحاجة إلى إعلان وتعريف فالغالبية من المستهلكين قد تجهلك ولاتعلم بما لديك والتسويق بدوره يقدم ما لديك للآخر، وهنا يكتشف مدى القابلية والتفاعل مع المادة المسوقة – المنتج – فإذا كان المنتج سيئا ورديئا فإنه يقابل بالرفض وعدم القبول وإذا كان جيدا وواضحا حاز على رضا المستهلك وحافظ على بقائه وجودته، وهنا يلزم أن تكون هناك عملية قيام بإجراءات أخرى كعمل أبحاث تسويقية للتطوير والتغيير فيتم عن طريقها تحسين المنتج، والسعر، والدعاية والإعلان، والمكان الخاص بالبيع والشراء، ووسائل العرض، وعقد صفقات مع شركات كبرى في ذات المنتج وو..الخ وهكذا تطور التسويق حتى أصبح اليوم علما في تكنولوجيا المعلومات.

وهذه الحالة شبيهة تماما بثقافة الناس وحياتهم المجتمعية ودور المثقفين والمصلحين الذين يرتبطون بقيم ومعتقدات ومذاهب وقوميات وثقافات مختلفة، فإنها تحتاج إلى عرض وطرح واقعي موضوعي علمي تعبر فيه عن ذاتها وتوجهاتها، ورغم أن الفارق كبير فلا يمكن أن نصنفها ضمن موضوع التسويق لأنه لاتسويق في منظومة الأفكار والثقافات ومع ذلك قد تواجه بالقبول والرفض بين مختلف صنوف البشر وكذلك العكس.

فكيف تقدم نفسك للآخر الذي قد يتقبلك أو يرفضك؟ ولماذا نجد التميز والتفوق وإجادة التعبير عن الذات والأفكار عند بعض الجهات الإجتماعية دون أخرى؟ هل يعود ذلك للتحصيل العلمي والتفوق العملي مع أن هذه الميزة يتمتع بها الأكثرية اليوم من المتصدرين للعمل الثقافي والإجتماعي!! هل تعلمون لماذا؟ لأنهم يمتلكون القدرة الفائقة في طريقة تقديم أنفسهم.. فهل عيبا أن نقدم أنفسنا؟ وهل من حقنا أن نقوم بذلك؟ هل نحن بحاجة اليوم إلى الإعلان عن أعمالنا وطرح أفكارنا كما يجب حتى يبقى العمل الجيد يفرض نفسه على الساحة؟ أم نترك الدور للصدفة تلعب دورها ليكتشف العالم ماحوله؟

1- التيارات الإجتماعية كثيرة والمصلحون من العلماء والمثقفين والمفكرين وحملة الأفكار التطويرية والإصلاحية فئة كبيرة، ولأنها متعددة ومتنوعة فهي بحاجة الى أن تتعرف وتتعاون مع بعضها وتكون مصداقا للآية الكريمة ﴿ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ﴾[1] .

وأعتقد أن الإعلان عن الآراء الإصلاحية للمجتمع وعرضها للناس وتسويق نتاجاتها والترويج لها واجب على مختلف التيارات والتوجهات لاسيما في هذه الفترة، التي نشهد فيها تسارعا في الأحداث الدولية والتغيرات الثقافية والإجتماعية فالمجتمع اليوم أكثر إنفتاحا وعلما ووعيا وحرية أوسع مما كان عليه سابقا في الإعلام وفي إتساع مساحة الحرية والتعبير عن الرأي، ويمكن أن نستثمر هذه القفزة في حياتنا ونستخدمها لصالحنا متى ما أدركنا أهمية وحساسية المرحلة التي نعيشها.

إنها تحتم على الجميع كشف الأوراق والملفات المغلقة والإعلان عن الآراء والتوجهات أيا كان نوعها مادامت تصب في خدمة المجتمع، وكي لاتدع الصورة مشوشة نتيجة للفهم القاصر والمعلومة الخاطئة عند طرف تجاه طرف آخر فينبني عليها مواقف وآراء مؤداها إلى النزاع والفرقة، فليعرض كل إتجاه مالديه، وليخرج الجميع من بوتقة الإنعزال والإنغلاق إلى التعاون والإنفتاح، ولنترك للآخرين حرية الأخذ والرد دون فرضها على أحد أو جبره بها وكما جاء في الحديث «الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أهدى الناس بها».

2- الساحة الإسلامية اليوم تخوض صراعا ثقافيا مفتوحا يخيف الكثير من الأنظمة القائمة في الغرب والشرق بدأ بموضوع الديمقراطية وتداول الأنظمة لسياسة الإصلاح، وتجلي دور الإسلاميين نحو تحقيق المزيد من المكاسب في مصر، والمغرب، وفلسطين، والعراق وبروزهما في الإنتخابات جعل هذا الصراع يستمر ويتنامى وترتفع وتيرته وتنخفض ضمن معطيات وظروف الواقع الميدانية، فكان لها إفرازاتها الإيجابية في توليد حركة نهضوية أو قد نطلق عليها صحوة ثقافية جديدة في محاولة لإستنهاض الهمم وإعادة التفكير في تقييم الذات ونقدها من واقع التراكمات والتراجعات اليائسة والمحبطة، وتعتبر إضافة إلى رصيد التيارات والشعوب المسلمة تدفعها نحو الإقدام والإعلان عن مشاريع جديدة تضمن لها السلم والتعايش والمشاركة السياسية.

وهذه فرصة لجميع الفئات والتيارات الإصلاحية التي تملك ثقافة فكرية غنية أن تطرح نفسها ورموزها وتعرض مالديها من برامج وأفكار، وتثبت وجودها في عملية التنمية والمشاركة الوطنية، فهي في موضع يجب أن تعزز به وجودها بما يتناسب مع متطلبات المجتمع علها تسارع بتسيير عجلة الإصلاح نحو الدوران. وفي الوقت نفسه حتى تكون عملية التسويق ناجحة فهي تحتاج عادة إلى بيئة مهيئة تجذب المستهلك وذلك لايحتاج إلى دليل فنحن بالدرجة الأولى مجتمعات إستهلاكية أكثر من أن تكون منتجة، أما على صعيد الأفكار والثقافات فنحن بحاجة إلى أرضية إجتماعية خصبة تتقبل الرأي والرأي الآخر بين نفسها وبين الآخرين، فلا يكفي أن تكون الثقافة ناجحة، فهي بحاجة إلى بيئة حرة مناسبة تتجذر فيها القيم وتعلوا فيها المفاهيم الحية التي تولد الحراك الإجتماعي والثقافي، وينبغي أن تكون الثقافة مناسبة لكل المستويات تقدر حاجات الناس وتغذي عقولهم وتلامس متطلباتهم، وترتقي بمستواهم، وكل هذه الأمور بحاجة إلى تظافر الجهود من جهات عدة وعلى رأسها:

• الدولة، فهي صاحبة القرار والجهة الرئيسية المعنية بإطلاق الحريات، وصياغة قوانين تحمي علاقتها بالأفراد وعلاقة الأفراد فيما بينهم تمنع اللغط والغلط وتكفل الإحترام المتبادل.

• الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني بجانب مؤسسات الدولة، في إيجاد خطط ومناهج وبرامج إعلامية تعززبه دورها في غرس ثقافة التسامح بكل مدلولاتها وتدفع بالمجتمع نحو الوحدة وتقبل الرأي والإنفتاح الثقافي.

• العلماء والمثقفين، بإيجاد إطروحات جديدة ومتوازنة تعمل على تطوير سبل ووسائل الثقافة الإسلامية بروح حضارية تخدم مطالب العصر.

3- التسامح والتوافق والحوار:

كلها قواعد نحتاجها لبناء السلم الأهلي الذي يحمي وحدة المجتمع ويحفظ ألفته وتماسكه ويعمق فيه أواصر المحبة والإخاء، ويجنبه الفرقة والكراهية والصراع وهذا يدعونا جميعا لعمل حظر على أنفسنا برفع شعار لا للتمييز الطائفي لا للتمييز القبلي والمناطقي، لا للتعصب والغلو لا للتطرف، لا للبغضاء والحقد خاصة تجريح المعتقدات الدينية خصوصا على المنابر وفي المدارس والجامعات وفي مواقع العمل ووسائل الإعلام.

وليتم التركيز على نقاط الإتفاق والقواسم المشتركة التي تجمع لاتفرق وجعلها مصدر قوة للإنطلاقة نحو البناء والتغيير، إضافة إلى تفهم مسائل الخلاف وأسبابه وإلتزام آداب وأخلاقيات الحوار.

قواعد مهمة:

• أهمية الدعاية والإعلام فالإسلام منهج رسالي يربي أتباعه على نشر الفضيلة والإعلان عن قيمها لتخلد في نفوس الناس، ونلحظ ذلك عندما يبين المولى سبحانه دور الأنبياء والأولياء في القرآن الكريم ويذكر قصصهم ويتحدث عن صفاتهم وفضائلهم العظيمة لنستفيد منها ونستلهم منها الدروس والعبر، وفي الإعلان عن الأفكار والإشهار بها ونشرها تجسيدا للأهداف السامية والقيم النبيلة التي تبعث الخير وتحقق السعادة والتقدم للمجتمع.

قال تعالى ﴿ فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب ﴾[2] ، ويقول ﴿ ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ﴾[3] ، ويقول الإمام علي «إجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك، أحبب لغيرك ما تحب لنفسك واكره له ماتكره لها».

• تأسيس التعايش السلمي.. الوسط الإجتماعي حافل بالمدارس الفكرية والمذهبية والتوجهات المتعددة بمختلف تياراتها وكل لها أجندتها الخاصة بها، وكل ماتحتاج إليه هو المزيد من الإنفتاح والتعاون والتواصل ونبذ الفرقة والتقاطع، والعمل على إيجاد السبل التي من شأنها تحقيق وحدة وطنية قائمة على أساس الإحترام المتبادل وعدم الإساءة والظلم وإنتقاص الحقوق، يقول الإمام علي بن أبي طالب «صلاح أمر الناس بالتعايش والتعاشر» فلنلتقي ونتحاور ونتحالف من أجل خدمة المجتمع فجمعينا إخوة وكلنا شركاء في الوطن.

أما كيف تقدم نفسك للآخر؟ عليك بإتباع مايلي:

1- الثقة: عزز ثقتك بنفسك وتوكل على الله فأينما تذهب تجد نفسك عاملا للإثراء فأنت ثروة فكرية تستفيد من الآخرين وتفيدهم، فا إنظر لنفسك بإيجابية وإعرف حجمك وإمكانياتك وأقدم – فالتعدد الإجتماعي ثروة -.

2- المصداقية: كن صادقا مخلصا وأطرح نفسك بعيدا عن الأضواء والشهرة، فمن قيم الدين الإسلامي الإخلاص والصدق في العمل، والتحذير من الرياء وطلب السمعة، وأن لايزكي الإنسان نفسه أو يمن بعمله أويغتر أو يطلب المدح والشهرة، فلنا في الأنبياء والصحابة وأئمة أهل البيت خير قدوة وأسوة.

3- الموضوعية: تجنب المبالغة عندما تعرف نفسك للآخرين، وكن لبقا وتعامل بشفافية وبساطة دون تكلف، وإطرح نفسك ليس بتنميق الكلام وتجميله بل بإنجازك وعملك، فهناك أشخاصا يحسنون عرض أعمالهم وإنتاجهم فيتاح لهم المجال في الحصول على فرص قد لايحصل عليها غيرهم، وكن موضوعيا حكيما واعيا في عرضك وإطروحاتك.

4- الأخلاق: كن نموذجا إيجابيا يحتذى به.. في الأخلاق والتواضع وحسن العشرة وطيب المعاملة، وتمثل بمقولة الإمام الصادق «كونوا دعاة لنا صامتين، وفي رواية أخرى كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم».

5- أحسن الظن بأخيك، جاء عن عائشة أم المؤمنين عن رسول الله «من أساء بأخيه الظن فقد أساء بربه»[4] ، وجاء عن الإمام علي بن أبي طالب «من حسن ظنه بالناس حاز المحبة منهم»[5] ، وورد عن عن ابي عبدالله الصادق قال قال أمير المؤمنين علي «ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه، ولاتظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا»[6] .

6- إستخدم الوسائل الحديثة:إستفد من وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية وواكب تطوراتها فهي خير وسيلة للتعبير عن الرأي وهي مفتاح الإتصال والتواصل مع المحيط القريب والبعيد، وأبدي مشاركتك أينما كنت ولاتتردد مادمت واثقا من نفسك، وتعلم فن المحادثة والإلقاء، وحذاري من الإبتذال والتصنع.

7- إبتعد عن الأنا وتكلم عن إنجازات الجميع لوكنت تمثل مؤسسة أو إتجاه ما فنجاح الآخرين هو نجاحك أيضا وأنت جزء مساهم في هذا النجاح.

8- إثبت حضورك، وأخرج من دائرة الجماعة والطائفة أو القبيلة إلى سعة الوطن، وعزز تواجدك ضمن مؤسسات المجتمع، ومنتدياته وشارك مامكنك في مختلف الأنشطة والبرامج.

9- ازمة ثقة: بفعل الإقصاء والتهميش الذي مورس كثيرا على بعض التيارات لاسيما الشيعية منها جعلها مجهولة لدى الآخرين، ولايعني عدم بروزها عجزا في القدرات والإمكانات التي تمتلكها بقدر أنها لم تمنح الفرصة وتتوفرلديها الظروف المناسبة للإعلان عن نفسها وثقافتها التي تريد، وماتحتاجه الآن سوى المزيد من الثقة والعزم والتعرف على حجم إمكانياتها وقدراتها والسعي بالمبادرة والحراك الذي يؤهلها لأن تكون في موقعها المناسب.

وكما نعلم أن التيارات الشيعية على مدى تاريخها الطويل ا تملك ثروة فكرية غنية وكبيرة، فالشيعة لهم إنتاجات، وصحف، ومجلات، ومؤتمرات، ومنتديات، وكتب، ومفكرين وعلماء ومثقفين وإصدارات واسعة ومتنوعة في مختلف الحقول العلمية والثقافية والفكرية والإقتصادية، ولهم نشاطات إجتماعية، ومواقع انترنت، ومحطات فضائية إعلامية قادرة على توجيه الرأي العام، وصحف وإذاعات ومجلات على مستوى عال من الحرفية، ويملكون اليوم قدر كبير من التجارب والإمكانات التي تتيح لهم العمل وفق إستراتيجية تحفظ لهم القدرة على إمتلاك زمام المبادرة ولو بالحد الأدنى للتعبير عن آرائهم وأفكارهم للآخر، وتضمن لهم إستثمار وتحقيق أفضل النتائج، فعليهم الإستفادة الحقيقية من مختلف الوسائل الحضارية لطرح أفكارهم ونظرياتهم، ومن الخطأ أن يصمتوا اليوم عن آرائهم وأعمالهم وإنجازاتهم المميزة والمبدعة، يقول الإمام علي بن أبي طالب «الفرصة تمر مر السحاب فانتهزوا فرص الخير»[7] . وروي عن رسول الله «من فتح له باب خير فلينتهزه فإنه لايدري متى يغلق عنه»[8] .

وأخيرا:

الإ دارة التسويقية: هي تحليل وتخطيط وتنفيذه وتحكم بالبرامج الذي صممت من أجل بناء وإستمرار تبادل المنفعة مع المشتري المستهدف من أجل الوصول الى الهدف الدي وضعته الشركة.

كذلك عملية الإصلاح والتغيير تتطلب تحليل وتخطيط وتنفيذ برامج تعد وتصمم من أجل بناء المستقبل الأساس فيها أنسنة الإنسان القائمة على تبادل الرأي والتجارب والخبرات وتحقيق الأمن والتعايش المشترك القائم على الشفافية والعدل وهذا لن يحدث إلا إذا احترمت حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.

أضف تعليقاً