مركز إيلاف >> مقالات مختارة

  إبننا المعاق.. حاجته من الدولة ومن المجتمع

September 9, 2006 - محرر الموقع

يسعدني في البدء أن أتقدم بالشكر الجزيل لمنتدى الشباب الثقافي الذي غمرنا بلطفه وجمعنا تحت رواقه، وأعبر له عن تقديري لدوره الثقافي والإجتماعي الذي يمثل باكورة إنطلاقة شبابية واعدة تحمل الحلم والأمل، والحماس والتفاعل وتحث الخطى جادة في تأكيد حق التواصل مع المجتمع، وأشكرهم مرة أخرى لأنهم ألقوا الضوء في أمسيتهم هذه الليلة على بعض المعاناة التي تعيشها فئة ذوي الإحتياجات الخاصة أو فئة – المعوقين – حيث يجب علينا جميعا الأخذ بيدهم والوقوف بجانبهم ومساندتهم إنطلاقا من المبادئ الإسلامية الراسخة للدين الحنيف ومن التعاليم السامية التي ورثناهاو تربينا عليها من سنة رسول الله وأهله بيته الكرام.الإخوة الأعزاء: إسمحوا لي في هذه الدقائق أن أطرح لكم بإختصار شرحا موجزا عن فئة ذوي الإحتياجات الخاصة – فالحديث عن مشاكلهم ومتطلباتهم يحتاج الكثير من الوقت أتمنى أن لا أطيل عليكم وأسأل الله أن يجمعنا معكم في فرص أخرى إنشاء الله.

1- المعاق ليس قضية فردية وحسب، بل هو قضية أسرة وعائلة قضية أب وأم وأقرباء قضية مجتمع بأكمله،لأنه بحاجة ماسة لأن يخرج من عزلته النفسية التي يعيشها، وبحاجة لأن يتحرر من نظرة المجتمع المأساوية التي يعامل بها، وبحاجة لأن يفك عنه القيد ليعيش ويلقى الرعايا اللازمة والإهتمام فهو إنسان ذو إحساس ومشاعر مثله مثلنا يفكر كما نفكر ويأكل كما نأكل ويشعر كما نشعر، له حقوق وواجبات يجب إحترامها والسعي للمطالبة بها.

2- بالرغم من الجهود والإنجازات الكبيرة التي تميزت بها المملكة العربية السعودية بين دول العالم في خدماتها وإهتمامها بفئةالمعوقين، وما تبنته وزارة الشؤون الإجتماعية من إعانات مادية سنوية جزءا منها عينية بما يساعد المعوقين على سد إحتياجاتهم الأساسية، وبتأسيس مراكز الإيواء والمراكز المتخصصة العامة والخاصة التي تشرف على تأهيل المعوقين وتدريبهم وتنمية مهاراتهم في مختلف مناطق المملكة، والتي تعمل على إستيعاب أكبر عدد ممكن من متعددي الإعاقات بمختلف المراحل العمرية، وما تم تقديمه من مختلف أنواع الرعاياالصحية والنفسية والخدماتية وإنشاء المجلس الأعلى لرعاية المعاقين قبل أربع سنوات تقريبا للنظر في مشاكلهم وتحسين خدماتهم، إلا أنه لازالت هناك فئات كبيرة لم تستكفي حاجتها من المجتمع، فهي حبيسة البيوت إما لجهل أو مرض أوفقر أوبسبب عوامل الوراثة الناتجة من زواج الأقارب ومثل هذه الحالات في تزايد.

هذا بالإضافة للحواجز التي تمنع الكثير من الآباء من إلحاق أبنائهم بهذه المراكز، رغم ما تقوم به من رعاية وما تبذله من جهود في عملية التوعية والزيارات الميدانية وحث الأهالي تجاه ضرورة إخضاع هؤلاء الأبناء للتشخيص والعلاج إلا أن كل ذلك لايكفي، فيبقى المعوق يعاني وحده، ويتألم وحده، ويعيش وحده، ويموت وحده.. ياترى كيف يجب أن نصحح علاقتنا مع المعاقين؟ وكيف نجعل المجتمع يغير نظرته المآساوية والسلبية تجاه ذوي الإحتياجات الخاصة والخروج بهم من دائرة الحصار والوحدة إلى كونهم جزء من ثروة هذا المجتمع مشتركة معنا فيه أولا بالإنسانية ومن ثم بالحقوق والواجبات مما يتطلب علينا رعايتها، وتنميتها، وتأهيلها وحتى الإستفادة منها؟

• أولا: يجب أن نعترف بأن هناك قصورا واضحا وملموسا من الجميع، واجب المجتمع أن يتكاتف ويتعاون تجاه إبراز قضية أبنائنا المعوقين فـ«الإعاقة ليست نقيصة في الإنسان إذا عولجت على أكمل وجه بشكل صحيح وسليم»..

• ثانيا: دور الدولة والمؤسسات الرسمية والجهات المعنية مثل وزارة الشؤون الإجتماعية، وزارة الصحة، وزارة التربية والتعليم، وزارة الإعلام هذه الجهات المعنية بالدرجة الأولى، فلا يكفي أن تطرح قضية المعاقين بشكل جزئي وباستحياء يمر عليها مرور الكرام ! ولا يكفي أن نحتفل بهم بضعة أيام معدودة نفخر بها بالإنجازات الكبرى التي حققناها لهم ! بل نحن ماذا قدمنا لهم في حقيقة الواقع حتى نزداد فخرا بما هم حققوه وأنجزوه، لأنهم نالوا حقوقهم من الدولة وإستكفوا حاجتهم من المجتمع ومن الجهات المختصة.

مما لاشك فيه أن دور الإعلام كبير وخطير في تأثيره وتشكيله على وجدان ومشاعر وضمير الناس، وإنني لأتسائل، ما مدى حجم إهتمام إعلامنا بهذه الفئة؟ أليس أهم أهداف الإعلام معاجة مشاكل المجتمع؟ ما هي المساحة التي حددتها وزارة الثقافة والإعلام في إستراتيجيتها وخططها السنوية لطرح قضية المعوقين وإبراز مشاكلهم ومعالجة همومهم وتوعية المجتمع تجاههم؟ وأين هو حجم إهتمامنا نحن كمجتمع بقضية المعاقين؟ وما مدى تفاعلنا معهم؟ فهناك نسبة كبيرة لايستهان بها في مختلف مناطقنا، ولعل بعض الأسرللأسف الشديد تتوارى عن أبناءها بإعتقادها أن ذلك عار وعيب ونقص فلا تعترف بأن لديها طفل معاق، وأنه بحاجة إلى رعايا وإهتمام..

لذلك فإني أقدم مجموعة من الملاحظات والإقتراحات حول حاجة المعوقين من الدولة ومن المجتمع بدأ مايلي:

دور الإعلام:

• الاهتمام بالمناسبات الخاصة بالمعوقين وإعطاءها أهمية كبرى على مستوى الوطن بمدنه وقراه وكل مناطقه.

• تخصيص برامج جديدة إسبوعية أو شهرية في الدورة الإعلامية لكل عام لحلقات مناسبة للمتخصصين داخل المملكة العربية السعودية وخارجها للإطلاع على رؤيتهم ومقترحاتهم وطرق معالجاتهم، لاسيما أننا كمراكز متخصصة نواجه صعوبة في التشخيص لبعض حالات الإعاقة الغير واضحة.

• تخصيص حلقات للإستماع لمعاناة المواطنين ومشاكلهم خاصة بالآباء والأسر والأهالي – حسب نوع الإعاقة – صمم، فقد البصر، تخلف ذهني، إعاقة مزدوجة للإقتراب من معاناتهم والإستفادة من تجربتهم.

• تنظيم لقاءات ثقافية للمناسبة أو دمج المناسبة تحت أي مشروع ثقافي إجتماعي لطرح القضية وتبادل وجهات النظر.

• تغطية المناسبة عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة.

دور المؤسسات التعليمية والتربوية:

فدورها كبير والمجتمع يتطلع إليه، لاسيما تأثيرها الكبير في التنشئة من الطلاب وغرس القيم النبيلة في نفوسهم، وإهتمامها بطرح قضية المعاق لا تبعد عن هذه القيم لذا أرى من الضروري العمل على مايلي:

• إحياء دورالمناهج الدراسية بطرح قضية المعاقين كجزء لايتجزأ منها بالذات في تطوير المناهج الدينية، وتفعيل دور المسرح المدرسي لطرح المناسبة، والعمل على إعداد برامج في كل مدرسة عن طريق محاضرات أو ندوات أو بحوث أو دراسات ودعوة أولياء الأمور للمشاركة والحضور.

• القيام بزيارات موسعة في المنطقة وخارجها برفقة مجاميع طلابية للمراكز والمعاهد والمؤسسات الخاصة لتحسس المشكلة ومعايشة الواقع عن قرب لتطبيق المفاهيم النظرية الخاصة بالمعوقين مع الواقع.

• مشاركة الطالب المعاق في أنشطة المدرسة الإعلامية ومجلاتها وبرامجها.

دور المساجد والعلماء:

لاشك أن للعلماء دورهم الريادي في توجيه فكر المجتمع، فهم الدعاة إلى الله وواجبهم الإنساني والديني والوطني يحتم عليهم الإهتمام بهذه القضية، ويتجسد دورهم في تفعيل المناسبة بالتركيز على الحقوق والقيم الإنسانية والإسلامية التي غرسها الدين الحنيف في النفوس فالدين المعاملة، والدين الرحمة والألفة والإحسان، لاسيما التركيز على حقوق المعاق وصاحب العاهة بأنواعها ماله وما عليه.

فيمكن العمل:

• تناول الموضوع ضمن إطروحات العلماء والخطباء في حلقات الدرس وفي المحاضرات وعلى المنابر العامة وفي خطب الجمعة وغيرها من المناسبات، وجعل القضية رئيسية ضمن برامج التثقيف في مواسم العام المختلفة، وعدم المرور على قضية المعاقين بشكل جزافي وهامشي.

• الحث على مساندة المؤسسات والمراكز الخاصة بتخصيص جزء من أموال الخمس والذكاة والوقف العام لصالح فئة ذوي الإحتياجات الخاصة، فهي تساهم في رفع الضيم والمعاناة عن يتيم معاق، وفقير معاق، وفي توفير مكان مريح خاص بالمعاق وفي توفير أجهزة خدماتية وعلاجية يحتاجها المعاقون من أبنائنا وبناتنا.

• دفع المؤسسات التجارية وأصحاب الأموال ووجهاء المجتمع لتقديم الإعانات والمساعدات المادية والعينية اللازمة للمؤسسات الإجتماعية الخاصة بلعاقين.

• دعوة المجتمع تجاه جعل – الصدقة الجارية – وقفا ساريا سواء للأحياء أو الأموات وجعلها في خدمة المعوقين.

دور الأسر ة والآباء:

• التأكيد على إجراء الفحوص الطبية ماقبل الزواج، والفحوص الوراثية أثناء فترة الحمل، ففي آخر إحصائبة وردت أن عدد المعاقين في السعودية مليون ونصف وأنا أعتقد أنهم أكثر من ذلك.

• الفحص الدوري المستمر والشامل ليس على المواليد فقط، وإنما الأطفال ما قبل سن المدرسة، وأطفال المرحلة الإبتدائية بنينا وبنات للحد من ظهور أي إعاقة بسيطة قد تستفحل في المستقبل وتجعلنا نتفاجأ إن إبننا الخريج من الثانوية لايعرف القراءة والكتابة نتيجة الإهمال.

دور الكتاب والمثقفين:

لايقل أهمية عن باقي شرائح المجتمع، فالكلمة مسؤولية والقلم الحر شرف وإخلاص وأمانة فلنسخر جزءا من وقتنا للكتابة حول مشاكل المعاقين ولنبرز قضيتهم وآلامهم وآمالهم في الشعر والرواية والقصة في الأدب والنثر، فحياة المعوقون ومأساتهم وحاجاتهم لاتنتهي ولاتقف عند حد معين فلكل طفل قصة ولكل أسرة رواية وهل يولد الإبداع إلا من رحم المعاناة، والمعوق جزء من المعاناة بصورها المختلفة المادية والحسية والنفسية والإقصادية والإجتماعية، فشكرا مرة أخرى لإدارة المنتدى التي خصصت مسابقتها لهذا الشهر حول المعاقين فهي مبادرة تستحق الشكر والثناء فبارك الله لها هذه الجهود.

وآخرا وليس أخيرا:

قد يدرك البعض أهمية دور الرعايا النهارية وما تلعبه من دورا هاما في حياة الأسر ممن يعيش بين ظهرانيها أبناء معوقون، وخصوصا المعاقون حركيا أو أصحاب الإعاقات المتعددة التي تمثل فيها دور الرعايا إحدى الوحدات التأهلية الهامة لهذه الفئات، من هذا المنطلق تأسس مركز إيلاف لرعاية وتأهيل الأطفال المعاقين منذ ما يقارب 6سنوات كمؤسسة إجتماعية خيرية تخدم نفسها بنفسها، ونسعى لأن تبقى مؤسسة رائدة تتحمل مسؤولياتها، فهي تسعى لتنمية المجتمع للنهوض بهذه الفئة المجهولة والمحرومة حتى من أبسط حقوقها، حيث تعمل على رعاية المعوقين وتأهيلهم صحيا ونفسيا وتربويا وإجتماعيا، وفي نفس الوقت تتيح مجال العمل بالشكل المتاح للمتخصصات من بناتنا الخريجات، كما تعمل على زيادة الوعي والإهتمام بهذه الشريحة تعزيزا لمؤسسة المجتمع المدني.

وإني لأشكر وزارة الشؤون الإجتماعية على جهودها المبذولة، معتبرة أن دورها يتكامل بشكل إيجابي مع مؤسسات المجتمع المدني التي تسعى لأن تأخذ دورها متكاملا في المجال التربوي والإشراف الإجتماعي والتي من مسؤولياتها تلبية حاجات المعوقين في مختلف المجالات كي تساعدهم على الإندماج في المجتمع الذي ينتمون إليه.

وفي نفس الوقت تسعدني المشاركة في كل عمل يساهم في تطوير هذه الفئة ويقدم لها مايستطيع من إستشارات أوخدمات، كما أرحب بمساهمات المؤسسات الأهلية وأهل الوفاء والخير في دعم ومساندة وتطوير آليات التنسيق والتعاون،فالمؤسسة بذرة منكم وإليكم ونجاحها لايتم إلا بتعاونكم، والدال على الخير كفاعله.

وآخيرا:

كلمة من القلب لبعض الآباء..

قد يدفع الأب خمسة آلاف ريال من أجل أن يحصل على جوال مميز ورقم مميز ولوطلب أكثر لدفع.

وتدفع الأم الكثير من المال على شراء الفساتين وأدوات الزينة وديكورات المنزل ولو طلب منها المزيد لدفعت وتدفع الأسرة مبالغ ضخمة من أجل السياحة والسفر والمتعة، وتدفع مبالغ كبيرة بإلاف الريالات من أجل مواصلة الأبناء التعليم الجامعي في الداخل والخارج وهم في غاية السرور والفخر والمباهاة، وتدفع الأسرة من أجل تجديد المنزل والسيارة، ويدفعون الكثير الكثير من أجل المتاجرة في الأسهم، أما من أجل تعليم وتدريب وتأهيل إبنتهم أو إبنهم المعاق فهذا أمر صعب المنال تتدارى الأسرة خلف ذلك بألف حجة وحجة لالذنب سوى أن هذا الطفل جاء إلى الدنيا معاق وعلينا أن نرضى بالبلاء..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

—–
أ.عالية فريد



أضف تعليقاً